عام سوري جديد في ألمانيا

30 ديسمبر 2016
محاولة اندماج مع أجواء ألمانيا (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -
ليلة رأس السنة بالنسبة للسوريين في ألمانيا تعني الدخول في عام جديد يضاف إلى سنوات تغريبتهم القسرية، بعيداً عن الأهل والأصدقاء. فإذا تمكن أحدهم من التغافل قليلاً عن ذلك، تملّكه خوف من حدوث شيء ما يشبه ما جرى في مدينة كولونيا العام الماضي عندما تعرضت نساء ألمانيات للتحرش. كذلك، ما جرى في برلين قبل أيام عندما اقتحمت شاحنة سوقاً للميلاد، واتهم مهاجر عربي بارتكاب الاعتداء الذي أودى بحياة 12 شخصاً. وهو ما يضع عثرات في طريق اندماج السوريين، عدا عن انشغالهم بمآسي مدنهم السورية خصوصاً حلب.

مع ذلك، خطط آخرون للسهر والفرح برفقة العائلة أو الأصدقاء. يتمنى هؤلاء أن يكون العام الجديد أكثر رحمة بالسوريين من الأعوام الماضية. يقولون إنّ سوريين كثيرين داخل سورية يحتفلون بالرغم من الحرب، فلماذا نحرم أنفسنا من الاحتفال هنا؟

الوحدة تخنق البعض. يقول وسام: "لا أريد أن أخرج أو أحتفل، سأبقى مع قطي كراتش، فهو صديقي الوحيد هنا. لا أشعر في الحقيقة بطعم الفرح لاستقبال عام جديد، أشعر أنّي أتصنّع لو احتفلت بهذه المناسبة، لكنّ هذا لا يعني أنّ على جميع السوريين أن ينصبوا خيم العزاء وألا يفرحوا بحلول عام جديد. بالعكس من يمكنه الاحتفال فليفعل".

أمثال هذا الشاب كثر. هم يفضلون البقاء في المنزل وعدم مغادرته، إما لعدم وجود أصدقاء يتشاركون معهم الاحتفال، أو كونهم غير مستعدين للفرح أصلاً. تقول ريما: "منذ ثلاث سنوات، لا أحتفل إلّا وحدي. أتلقى دعوات حقيقية من أصدقاء سوريين وألمان للخروج والاحتفال، لكن لا يمكنني ذلك بينما عائلتي تعيش مأساة حقيقية في سورية".

محمد، الذي فقد كلّ عائلته في الحرب ويعيش مع أخته الصغيرة في ألمانيا، يحاول أن يصنع لها جواً من الفرح والسعادة مستغلاً أيّ مناسبة وفرصة. يحضّر التبولة ويقلي البطاطا ويعمل في المطبخ منذ الصباح حتى المساء في هذا السبيل. يقول: "أريدها أن تفرح، كلّ ما كانت أمي تحضّره لنا في مناسبة عيد رأس السنة أحضّره لها، وأدير لها الموسيقى وأصفّق لها كي ترقص".

بدورهم، ينتظر البعض دعوة من أحد ما إلى منزله أو إلى أيّ مكان آخر للاحتفال، سواء كان المضيف سوريّاً أو ألمانيّاً. لكنّهم لم يتلقوا مثل هذه الدعوات، لذلك سيمضون الليلة في المنزل بمفردهم. مع ذلك، تلقى كثيرون دعوات للاحتفال في بارات ونوادي ديسكو عبر أصدقاء ألمان، ولو أنّ بعضهم يرى حرجاً في تلبية دعوة كهذه. يقول لؤي: "نحن مجموعة من الطلاب السوريين والألمان، وقد خطط بعضنا للاحتفال في ديسكو في برلين، لكنّي محرج من تلبية الدعوة، لأنّ هذه الأجواء ليست أجوائي. أجد نفسي في ورطة لأنّي محرج أيضاً من عدم الذهاب لئلا أتهم بأنّي منغلق أو ما شابه". أمّا لبنى، من دمشق، التي تعيش في ميونخ، فتحسم الأمر: "أنا لا أشرب الكحول لكنّي أحب الرقص. مع ذلك لن أذهب إلى ديسكو للاحتفال مع أصدقائي الألمان. كنت أحتفل مع أهلي وأقاربي ونرقص ضمن جو عائلي مع بعضنا البعض، أما غير ذلك فأمر صعب لا أقبل به".

سوريون آخرون لا يحتفلون أساساً. يؤكد هؤلاء أنّ المناسبة لا تعنيهم. في هذا الصدد، تقول إيمان، وهي من حماة: "لم يكن الاحتفال برأس السنة أحد احتفالاتنا عندما كنا في سورية، لا هو ولا عيد الميلاد، لماذا ينبغي عليّ أن أحتفل به هنا؟ البعض يجامل الألمان ويحتفل معهم أو يقول إنّه سيحتفل من باب إظهار نفسه كمندمج، لكنّي في الحقيقة لا أرى في الاحتفال أيّ نوع من الاندماج... هذه المناسبات لا تخصنا". في المقابل، يؤكد آخرون أنّهم لم يكونوا فعلاً يحتفلون بعيد رأس السنة أو بعيد الميلاد في سورية، لكنّ هذه الأجواء فرضت نفسها عليهم، وبدأوا يشعرون بالحرج إذا لم يكونوا جزءاً من الجو العام.

من جهتهم، استغلّ كثير من السوريين إجازة الأعياد لينتقلوا إلى مدينة أخرى والاحتفال مع الأهل والأصدقاء. عصام قرر التوجه إلى دوسلدورف حيث عمه وأولاد عمته. علي ذهب إلى قرية صغيرة تقطن فيها أخته وأولادها. أما صلاح، الحاصل على الإقامة أخيراً، فاتجه إلى مخيمات اللجوء في اليونان حيث تقطن زوجته وأولاده الخمسة، فهو لم يرهم منذ وقت طويل، وعيد رأس السنة بالنسبة له احتفال مهم، ولا بدّ من إمضائه مع عائلته، لكنّه تخوّف من الأجواء هناك، وما إذا كانت فرصة الرقص مع زوجته كما اعتاد ستتاح له. بدوره، سافر مأمون إلى تركيا: "فقط من أجل لقاء أهلي وليس الاحتفال، فنحن لن نحتفل بأيّ شيء قبل العودة إلى بلدنا".

المساهمون