"انت مين؟ انت دارس الموضوع اللي بتتكلم فيه، انت عايز دولة تقوم ولا تفضل ميته؟!.. لو سمحت ادرسوا المواضيع كويس وبعدين اتكلموا".. بهذه الكلمات عنّف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عضو مجلس النواب عن منطقة دمياط، أبو المعاطي مصطفى، حين طالب بتأجيل زيادة أسعار الوقود والكهرباء حتى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف جنيه شهريا.
وبات من المؤكد إصدار الحكومة المصرية حزمة من القرارات الاقتصادية، بهدف الاستمرار في تقليص دعم السلع الأساسية ورفع أسعار الخدمات وزيادة الضرائب في العام المالي المقبل 2017/2018، المقرر أن يبدأ من يوليو المقبل، في إطار تنفيذ باقي شروط صندوق النقد الدولي.
وتأتي الزيادات المرتقبة، في وقت يئن فيه المواطنون من موجة غلاء غير مسبوقة، طاولت جميع السلع والخدمات، في أعقاب تحرير البنك المركزي سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ووسط ثبات دخول ومرتبات الموظفين.
وبحسب وزير المالية المصري، عمرو الجارحي، في مايو/أيار الماضي، فإن الحكومة لديها برنامج واضح لهيكلة دعم الطاقة لمدة 5 سنوات، بدأ في عام 2014، ولكن الظروف تغيرت نتيجة تعويم العملة، مؤكدا أن الحكومة ستتخذ قراراً بإجراء موجة جديدة من خفض دعم المحروقات "في الوقت المناسب".
كما قال وزير البترول المصري، طارق الملا، في مارس/آذار الماضي، إن بلاده لا تستهدف إلغاء دعم الوقود بشكل كامل، بل ستخفضه فقط خلال 3 سنوات.
وتأتي تصريحات المسؤولين باعتزام الحكومة تطبيق زيادات جديدة في أسعار الوقود والخدمات، رغم تحذيرات خبراء الاقتصاد من تزايد تضخم الأسعار الذي قفز إلى مستويات، هي العليا في عشرات السنوات.
ووصل معدل تضخم أسعار المستهلكين، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، إلى 32.9%، في إبريل/نيسان الماضي، وذلك إثر تنفيذ القرارات الاقتصادية الأخيرة.
وكشف مصدر بارز في لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب (البرلمان) المصري، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أمس الأحد، أن الحكومة استقرت على زيادة جديدة في سعر المحروقات بنسبة 35%، وتطبيقها فور انقضاء إجازة عيد الفطر، نهاية يونيو/حزيران الجاري، وذلك في إطار خطة تحرير الدعم عن الوقود.
ومن المتوقع أن تشمل الزيادة الجديدة رفع سعر بنزين (80 أوكتان) من 2.35 جنيه إلى 3.20 جنيهات للتر، وبنزين (92 أوكتان) من 3.5 جنيهات إلى 4.75 جنيهات للتر، والسولار من 2.35 جنيه إلى 3.20 جنيهات للتر، وسعر غاز السيارات من 1.6 جنيه إلى 2.15 جنيه للمتر المكعَّب، وفق المصدر.
وتشمل الزيادة المرتقبة كل أسعار الوقود، على الرغم من مطالبة أعضاء في لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، بألا تشمل كل فئات الوقود، مع استبعاد بنزين "80 أوكتان" من الزيادة.
ويستحوذ بنزين "80 أوكتان" على معدلات الاستهلاك الأكبر للمصريين، حيث يبلغ إجمالي استهلاكه 3.5 ملايين طن بنسبة تتجاوز 50% من إجمالي استهلاك البنزين البالغ 6.1 ملايين طن سنوياً.
زيادة أسعار الكهرباء
ولن تسلم الكهرباء أيضاً من موجة خفض الدعم المرتقبة، حيث قال وزير الكهرباء محمد شاكر، في تصريحات صحافية في الخامس من مايو/أيار الماضي، إن أسعار الكهرباء ستشهد زيادة طفيفة أول يوليو/تموز المقبل، طبقا للخطة الزمنية التي تسير بها الوزارة في رفع الدعم عن الكهرباء كل عام في بداية شهر يوليو، لحين التخلص من الدعم نهائيا في ذلك القطاع.
لكن مصادر حكومية أكدت أن الزيادة في السعر لن تكون طفيفة كما قال الوزير، حيث تعتزم الحكومة رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح بين 17% و46.6%، للشرائح السبع التي تم تصنيفها وفق حجم الاستهلاك، لتعد نسبة الزيادة الأكبر من نصيب الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل، التي تعد الأقل استهلاكا للكهرباء في البلاد.
وسترتفع أسعار الكهرباء للشريحة الأولى التي تستهلك حتى 50 كيلووات شهريا بنسبة 46.6%، لتصل إلى 11 قرشاً بدلا من 7.5 قروش للكيلو وات. (الجنيه يساوي 100 قرش).
بينما تصل نسبة الزيادة إلى 17% للشريحة الأكثر استهلاكا والتي يزيد استهلاكها الشهري عن ألف كيلو وات، ليتم محاسبتها بسعر 95 قرشاً بدلا من 81 قرشاً للكيلو وات، في حين تتراوح نسبة الزيادة للشرائح الخمس الأخرى بين 25% و32%.
وقال سعيد صالح، موظف بالمعاش، لـ "العربي الجديد"، إن فاتورة الكهرباء التي سددها خلال مايو/أيار الماضي بلغت 600 جنيه، مؤكدا أن قيمة فاتورة الكهرباء وحدها تجاوزت نسبة 25% من معاشه الشهري البالغ 2000 جنيه (112 دولاراً).
وأشار صالح إلى أن أي زيادة جديدة في فاتورة الكهرباء لن يستطيع سدادها، خاصة في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار جميع السلع الغذائية بعد تعويم الجنيه، مضيفا: "نكاد نصرخ من الأسعار، على الحكومة البحث عن بدائل أخرى غير جيوب المواطنين لتغطية عجزها المالي وفشلها في إدارة اقتصاد البلاد".
المال مقابل المياه
وتمتد أيضا موجة خفض الدعم القادمة إلى مياه الشرب، حيث كشف المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، محى الصيرفي، في 20 مايو/أيار الماضي، عن أنه تم التصديق على الزيادة الجديدة في سعر المياه، والتي من المقرر تطبيقها في يوليو/تموز المقبل.
وتشمل الزيادة الجديدة الشريحة الأولى التي يبدأ استهلاكها "من صفر إلى 10 أمتار مكعبة" حيث تم رفعها إلى 45 قرشا للمتر بدلا من 30 قرشا.
والشريحة الثانية "من 11 إلى 20 مترا" تمت زيادتها إلى 120 قرشا بدلا من 70 قرشا، والثالثة "من 21 إلى 30 مترا" أصبح المتر بـ 165 قرشا بدلا من 120 قرشا، والرابعة "من 31 إلى 40 مترا" أصبح المتر بـ 200 قرش بدلا من 155 قرشا، والخامسة "أكتر من 40 مترا" أصبح سعر المتر بـ 225 قرشا.
وبحسب المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب، فإن تكلفة إنتاج سعر متر المياه ارتفعت في الفترة الأخيرة، لتصبح بـ 225 قرشاً بدلا من 160 قرشاً، لافتا إلى أنه في حال تطبيق زيادة جديدة في أسعار الكهرباء سيرتفع سعر متر المياه أكثر من 225 قرشاً.
رفع رسوم النظافة
وتمتد موجة الزيادات المرتقبة كذلك إلى العديد من الخدمات الأخرى، التي تقدمها الحكومة للمواطنين، وفي مقدمتها خدمات النظافة المدرجة على إيصالات الكهرباء، حيث أعلن وزير البيئة، خالد فهمي، في اجتماع لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، في 26 مايو/أيار الماضي، انتهاء الحكومة من إعداد تشريع بشأن تحريك أسعار رسوم القمامة على فواتير الكهرباء.
وتأتي هذه الزيادات رغم تكدس القمامة في الشوارع المصرية، خاصة في المحافظات الرئيسية، نتيجة عدم جمعها من جانب الشركات المتعاقدة مع الحكومة، التي تُحصل رسوماً نظير رفع القمامة من المنازل والشوارع من خلال فاتورة الكهرباء.
زيادة قيمة الأوراق الرسمية
وتضمنت خطة الحكومة لرفع أسعار الخدمات، مضاعفة رسوم المستخرجات والأوراق الرسمية، والتي بدأتها خلال العام المالي الجاري 2017/2016، إذ رفعت رسوم مستخرجات شهادات الميلاد، والبطاقات الشخصية، وجوازات السفر بنسبة 100%.
وقالت مصادر مطلعة إن الحكومة عرضت ذلك المخطط على مجلس النواب ضمن مشروع موازنة العام المالي الجديد، على أن يتم البدء في تنفيذه مطلع يوليو المقبل.
كما لجأت الحكومة إلى زيادة الضرائب والجمارك في مشروع الموازنة الجديدة التي يبدأ تطبيقها أول يوليو/تموز، حيث قال وزير المالية، في وقت سابق، إن الوزارة تستهدف زيادة حصيلة الضرائب والجمارك بنسبة 29%.
وكشف نائب وزير المالية للسياسات الضريبية، عمرو المنير، الأسبوع الماضي، أن مجلس الوزراء وافق على مقترح حكومي بخضوع الموظف الذي يتقاضى أكثر من 600 جنيه شهرياً وحتى 2500 جنيه، لضريبة دخل بواقع 10%.
كما سترفع الحكومة نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 14% بدلا من 13% مطلع الشهر المقبل، فيما أكدت وزارة المالية أنها تستهدف زيادة حصيلتها من هذه الضريبة بين 7 و8 مليارات جنيه.
وقال مازن العزب، الخبير الاقتصادي لـ "العربي الجديد" إن الزيادات المرتقبة في أسعار الوقود والكثير من الخدمات الحكومية ستؤدي إلى ارتفاع أكبر في معدلات التضخم، وارتفاع الأعباء المعيشية التي يعانيها أغلب المصريين حاليا.
وأضاف العزب أن البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة بنسبة 2% دفعة واحدة، في مايو/أيار الماضي، مبررا ذلك بمواجهة التضخم المتزايد في البلاد، بينما السياسات الاقتصادية للحكومة تدفع باتجاه انفلات التضخم وعدم التحكم فيه، بل وانهيار البلاد بشكل عام.
لكن مسؤولا حكوميا قال، لـ "العربي الجديد"، إنه "ليس هناك بديل لمواجهة العجز المالي المتزايد سوى برفع أسعار الوقود والكهرباء والخدمات الحكومية المختلفة، لاسيما أن معدلات الاقتراض وصلت إلى مستويات غير مسبوقة".
وأظهرت بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي، في إبريل/نيسان الماضي، وصول الديون العامة لمصر إلى 4.2 تريليونات جنيه، في زيادة غير مسبوقة.
وبحسب البيانات، فإن الدين الخارجي قفز بنسبة 40.8% على أساس سنوي في النصف الأول من السنة المالية الحالية 2016/ 2017، مسجلاً 67.3 مليار دولار، بينما زاد الدين الداخلي بنسبة 28.9% إلى 3.052 تريليونات جنيه (166.9 مليار دولار). ويبدأ العام المالي في مصر في الأول من يوليو/تموز.
وباتت مؤشرات الاقتصاد المصري تثير مخاوف الكثير من خبراء الاقتصاد، الذين يحذرون من انهيار وشيك، و"ثورة جياع" في ظل موجات الغلاء التي لا تتوقف.
وتستمر الحكومة في تطبيق إجراءات مؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل، تتمثل في مواصلة تقليص دعم الوقود والكهرباء وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتحرير سعر الصرف الذي انهارت معه قيمة الجنيه المصري بأكثر من 100% خلال الأشهر الستة الماضية.
وجاءت الإجراءات الحكومية استجابة لصندوق النقد الدولي، مقابل منح القاهرة قرضا بقيمة 12 مليار دولار يصرف على 3 سنوات، بعد مراجعات عدة لما تنفذه الحكومة من اشتراطات.
وتسلمت القاهرة الشريحة الأولى من قرض الصندوق، بقيمة 2.75 مليار دولار، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأجرت بعثة الصندوق مراجعة لبرنامج مصر الاقتصادي، قبل أكثر من شهر، تمهيداً لصرف الشريحة الثانية البالغة 1.25 مليار دولار، والتي توقع وزير المالية المصري الإفراج عنها خلال الشهر الجاري.