ظلالُ طيورٍ لن تعرف لماذا تهاجر

22 يونيو 2020
"حالم في زاوية الظل" لـ سمعان خوام
+ الخط -

في زمن المرآة

الأيامُ التي نَمَتْ على أرضي؛ كانت ظلالاً لطيور لن تعرف لماذا تهاجر.

في زمن المرآة دخلتُ وخرجتُ بعُشبةٍ نديَّةٍ وأفعى كانت تحرس كنزاً من عصر سليمان.

الزمنُ الجميلُ يأتي في شكل صورٍ ومعاصٍ؛ يأتي كأيامٍ منبوذة كالنخلة، منذ ميلاد المسيح.

من جهةٍ إلى جهةٍ أتنقل وأجدني قد مُلأتُ فراغاً سيفرغ آنَ أنتقل إلى الجهة الأخرى. فاصلة. الفاصلة هي هذا السطر الذي يُكتبُ دون إرادتي.

جملةٌ أخرى سأضيفُها؛ سيكون فيها: جثةٌ هاربةٌ تهتفُ: هذه القبورُ أزهارٌ وحشيَّة.

أصبحت الصخرة تُقلّدني في السكون؛ واضطرابٌ في البحيرة.

صنعتُ من رؤوس الفراشات وردةً كاللّون الأحمر.


■ ■ ■


رباعية عن الغجر والموسيقى

تسير قافلة الوقت بالطبول والزغاريد؛ تسير وأنا أومئ لها من قارعة الطريق وتومئ لي وهي تسير بطبولها والزغاريد.

هناك دوماً قافلةُ غجر غير آبهةٍ بتفاصيل هذا العالم؛ تجوبُ أرجاء الأرض. سألتحقُ بها يوماً وأذهب معها.

ليحكُمِ الحياةَ البحرُ والآلهة؛ وليعُدِ الغجرُ إليها؛ من أجل الحبّ، الإنشاد، السماء.

أُدين القبضَ على الفراشات؛ وموتَ السعادة؛ وإخفاء الموسيقى عن الأرض.


■ ■ ■


حريقٌ في غابة الفراشات

[إلى خالد جنادلة]

حريق في غابة الفراشات؛ خمَّروا طينة آدم في مسرحية؛ وكنتُ المُشاهدَ والقارئ. حريق في غابة الفراشات.

قراءة في قوارب الغيب. عينان كأنهما ساعةٌ ونظارة. حديث ليليّ عن موسيقى تشايكوفسكي. خنجر وبرّاد؛ وعنان في رقاب الخيل يتطاير.

فترة كالماء الساكن في حفرة. عين كالساعة كالأرض. أرضٌ خضراء أرواحُها قديمة. حجر كريم يتحدّث إلى فتى عابرٍ بصوتِ امرأةٍ من خدر وزيتون.

لا شيء من هذا القبيل يمكن أن يُؤوّل البحر؛ لا اللون ولا نهوض الطير؛ لا قلبٌ يفرح ولا معنى يتفتّح.

خيلٌ فاهية تعبر شارع الليل. ميتّون تشايعهم الرياح. أطيافٌ مقنَّعون بأنواع القناع؛ يمشون؛ رجلٌ من نافذة الطابق العلوي ينظر إليهم.

عراك بين ذرّات الجلد؛ عصرٌ من عصير وقهوة. شيء كالروابي تقف فوقه بناتٌ راعيات؛ يُغنين أغنيات من روح واحدة. كان الطارد يتحدّث عن وحدة الموسيقى؛ والليل عميقاً؛ وكنتُ ضائعاً بين الياقوت والحنين.

عاريات من رياح ونار. صافيات كالينابيع كالأرض الخضراء. فواكه من زمن مجهول. الأنبياء شعراء المطر وألوان الفواكه.

ابقَ؛ أو خالِفْ قدرك.

صراع عن وحدة العشق. غربة جميلة تتسرّب إلى الروح من الوقوف أمام المرآة الكائنة بين النور والظلمة.

أحياناً وأنا أمشي ألتفت قليلاً وأراني بعيداً جداً.


■ ■ ■


سماؤه الكلمة وأرضُه الكلمة

غاراتٌ من الغيب بدأت تقصف قرى ساكنةً في الروح؛ في أعماق الموسيقى أسقطوني وكنتُ أتوارى كالغيم على يد الأمنيات.

عاصفةٌ أخرى من جهة البحر مزَّقت أشرعتيَ الغائبة. ماذا لو كنتُ؛ ماذا لو كنتُ ليلاً بلا نجوم! آه من ويل الموسيقى.

تعاصفي أو اعصفي بي إن كنتِ سيدَ هذا الحظ الجميل أيتها الوردة يا إله الآلهة.

سكنتُ على شاطئ من حجر وحديد؛ وأيامي لا تشبه أياماً أخرى؛ غير أنها البلاءُ والبحر.

شهدَتْ عليَّ الموسيقى بأني عرَّافٌ من زمن الترانيم والإيماء؛ شهدت بأنني رمزٌ.

كيف أخطأتُ في إيقاع كلمة؛ سأخِطئُ ثانيةً.

لي بيتٌ على سطور الندى؛ سماؤه الكلمة وأرضُه الكلمة؛ أما روحه فإيقاع؛ فيه جبالٌ ثلجية وجبالٌ كالفَراشات.

خذ بيدي أيها النهرُ يجري دون أن يغمض ليلاً أو يتحدّث نهاراً إلى غيم أو شمس؛ خذ بيدي ولا تترك شاطئاً إلا وفيه تمثالٌ لأمير أو عصا لفقير.

كنتُ أحدِّثُ الفراشات عن اليعازر؛ وصدّقتني؛ تلك الليلة. تلك الليلة حيث ذابت الشمعة وطال المطر.

في متاهةٍ أنا؛ حُراسُها الفَراش وأشجارٌ سوداءُ كالغيم.

سأحملُ حجراً وأرمي به موسيقيّاً حطَّمَ إيقاعي.

في قرارة الجحيم سيولد الإيقاع في شكل كلمة؛ والكلمة طائرٌ في الماء يعوم وبجانبه رجلٌ واقف في قاربه يلقي شبكة صيده! هناك في قرارة الجحيم.


* شاعر من الأهواز

المساهمون