طعامنا مابين العلم وأساطير الجدات.... حين تصبح المخللات قاتلة

25 سبتمبر 2018
تزداد أهمية التوعية بالثقافة التغذوية (getty)
+ الخط -

يعتبر الطبخ وتخزين المواد الغذائية منزليًا أحد أهم أنواع الإرث الاجتماعي الذي تنقله الأمهات لبناتهنّ جيلًا بعد جيل، لذلك تميل النسوة للتباهي بمهاراتهن في هذا المجال وكأنهن يتباهين بفساتين عرسهن، وتجدهن يطبقن بدقة خطوات الوصفات التقليدية التي حفظنها غيبًا منذ نعومة أظفارهن، من دون أن تدرك أغلبهن أسبابها أو مدى صحتها وخطئها من الناحية العلمية.

وتزداد أهمية التوعية بالثقافة التغذوية يومًا بعد يوم مع تطور أساليب التصنيع والتخزين، لذلك سيدخلنا "العربي الجديد" عبر سلسلة مقالات عالم النساء الخفي وراء طاولات الطبخ، فاتحًا أبواب خزائنهن ليفك شيفرة وصفاتهن السرية، ويفاجئهن بأساسها العلمي، بعيدًا عن حكايا الجدات وأساطيرهن.

 

حين تصبح المخللات قاتلة:

تميل أغلب النساء بشكل تلقائي لإضافة الحمض إلى هذه المقبلات المالحة اللذيذة، في حال ظهور طبقة من العفن (فطور أو خمائر) على سطحها، من دون أن يعرفن أن العفن وإن لم يكن دائمًا خطيرًا من الناحية الصحية، فإنه قد يكون مؤشرًا على نمو بكتيريا قاتلة تتكاثر في البيئات اللاهوائية (كالمخللات) في حال نقص تركيز الحمض.

ويقول الدكتور حسن عيسى، الحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال تصنيع الأغذية من جامعة "نيوكاسل" ببريطانيا: "معظم الخضروات مغطاة ببكتيريا حميدة أكثرها من العصيات اللبنية lactobacillus، تنمو هذه البكتيريا أثناء التخليل وتثبط نمو البكتيريا الأخرى التي تسبب التلف للخضراوات والأمراض للإنسان".

ويتابع: "تعمل البكتيريا الحميدة خلال التخليل على تفكيك السكر وإنتاج حمض اللاكتيك بالإضافة إلى مواد أخرى مضادة للبكتيريا الضارة، لا سيما ثاني أوكسيد الكربون والكحول، مع ترك معظم المواد الغذائية للنبات سليمة، مثل الألياف وفيتامين C".

ويوضح الدكتور عيسى أن إنتاج حمض اللاكتيك ضمن العملية التي تعرف بـ "التخمر اللاكتيكي أو اللبني" ضروري لإعطاء المخلل طعمه المميز، وجعله منتجاً آمناً للاستهلاك البشري، جنبًا إلى جنب مع الملح، إذ أن انخفاض تركيز أي منهما يفتح المجال لنمو بعض الأحياء الدقيقة اللاهوائية المضرة بالصحة، والتي يؤدي بعضها إلى الوفاة مثل البكتيريا الوشيقية (كلوستريديوم بوتلينيوم) التي تسبب الشلل ثم الموت اختناقًا.

العفن لا يضر لكنه مؤشر على وجود بكتيريا ضارة(فيسبوك) 

ويعتبر خلو المرطبانات أو العبوات من الهواء، مهماً جدًا لحفظ المخللات لمنع نمو بعض أنواع العفن التي تتكاثر في الظروف الهوائية، ويستهلك العفن الحمض بالمخلل إلى مستويات ملائمة لنمو البكتيريا الضارة لدى استعادة الظروف اللاهوائية، مثل البكتيريا الوشيقية. لذلك يعتبر نمو العفن مؤشرًا خطيرًا.

ماذا نفعل؟

ينصح الدكتور عيسى بإزالة طبقة العفن عن سطح المخللات لدى ملاحظتها، ثم إضافة الحمض وإضافة طبقة من الزيت فوق سطح المخلل لعزل الهواء، ويشير إلى أن تركيز حمض الخل المضاف يجب أن يكون أكثر من 1% وتركيز الملح حوالي 2.5 إلى 16% لأن قلته غير مناسبة لنمو البكتيريا المفيدة، وكثرته قد تؤدي إلى نشاط الخمائر المحبة للملوحة التي تستهلك الحمض وتهيئ الظروف لنشاط البكتيريا الضارة.

 



المخللات المقرمشة قد تؤذي العظام:

تلجأ بعض النساء لاستخدام مادة تُدعى "الشب" لتحسين قوام المخللات وجعلها متماسكة، إلا أن لهذه المادة تأثيراً سيئاً على العظام مع مرور الوقت لدى استهلاكها بكميات كبيرة، بسبب احتوائها على الألمنيوم.

الشب ضار لاحتوائه على الألمنيوم (فيسبوك) 

ويقول الدكتور عيسى: "يحتوي المخلل متوسط الحجم المعالج بالشب على 5 إلى 10 ملغ من الألمنيوم، وبالرغم من أن استخدام هذه المادة يعتبر آمنًا بتراكيز قليلة في صناعة المخلل، بما أن الناس لا يستهلكون هذا النوع من المقبلات بكميات كبيرة، إلا أنه ليس ضروريًا كما أنه لا يحسن ثبات المخللات أثناء التصنيع السريع لها".


استبدال آمن

يمكن لربّات البيوت استخدام مادة أخرى بديلة تُدعى "الجير" تحتوي على الكالسيوم الذي يساهم في تكوين بكتات الكالسيوم مما يمنح المخللات صلابة أكبر، حيث تغمر الخضروات بمحلول الجير لمدة 12 إلى 24 ساعة قبل التخليل، وينصح الدكتور عيسى بإزالة الجير الزائد لجعل المخللات آمنة، وذلك بنقع الخضروات المعالجة به لمدة ساعة، ثم تكرار النقع مرتين أخريين.

المساهمون