طريق الرواية

16 مارس 2018
(غيرهارد ريشتر، رسم على فوتوغرافيا)
+ الخط -

في كتابه "أصوات غاضبة في الأدب والنقد" الصادر في عام 1970، تساءل رجاء النقّاش عمّا إذا كان نجيب محفوظ بات عقبة في طريق الرواية العربية، وكان جوابه بالنفي. غير أن الرواية العربية كانت تشهد ضموراً وجدباً بارزين في عدد الروائيين والروايات، كما تشهد ارتباكاً في الفن الروائي الذي كان يهيمن عليه محفوظ بأعماله الروائية المتنوعة.

وربّما كان هذا الواقع سبباً في طرح السؤال، إضافة إلى أسباب أخرى كان يردّدها بعض شبّان الرواية في مصر وغيرها من البلدان العربية. وبعد ثلاثة عقود من سؤال النقاش، كان بوسع جابر عصفور أن يصدر كتاباً بعنوان "زمن الرواية" (1999). وقد قدّمت الرواية العربية خلال الخمسين سنة التي تفصلنا عن سؤال النقّاش مئات الأعمال الروائية التي تمتد على مساحة العالم العربي كلّه، لا في مصر وحدها.

ثمّة ما يشبه الإقرار العربي بأن الرواية هي التي تتسيّد حقل الإبداع الكتابي، متفوّقة على شقيقتها الصغرى القصّة القصيرة، وعلى قريبها المسرح، تفوّقاً هائلاً من الناحية الكمية أو من ناحية الانتشار والاهتمام، أو من ناحية انشغال الناشرين بها وبأسماء المنتجين في حقلها. ومن الواضح أن العرب ليسوا وحيدين في هذا.

ولكن عبارة "زمن الرواية" يمكن أن تعني أحد أمرين: إما أنّنا نعيش في زمن اسمه: "زمن الرواية" وهذا ما يفهمه كثير من القرّاء من العنوان الذي يظهر في أدبيات النقد الأدبي العربي لتوصيف حالة الرواية العربية، وإما أن تكون الرواية نفسها كنوع أدبي مزدهر هي التي تعيش زمنها.

ولكن زمن الرواية لم يجب عن السؤال الأهم في تاريخ الأفكار وهو: ما الذي يمنح الرواية العربية شرف أن يسمى الزمن العربي الحاضر باسمها؟ هل هو العدد الضخم من الروايات التي أنتجها العرب في السنوات الثلاثين الماضية؟ أم هو عدد الكتّاب الذين انخرطوا في كتابة الرواية؟ وقد بتنا نعرف أن سياسيين وشعراء ونقاداً عرباً قد هجروا أعمالهم وكتاباتهم في الحقول المعنيّة، بصورة دائمة أو مؤقتة كي يكتبوا الرواية، بينما لم يذهب أي روائي إلى الشعر أو التأليف السياسي مرّة واحدة مهاجراً من عالم الرواية.

ويمكن أن نتفهّم الدوافع التي تقود الكتاب إلى هذه الخيارات، وقد يكون من بينها كساد الشعر على صعيد النشر والقراءة، وضمور القصة القصيرة، وتراجع المسرح بسبب غياب الديمقراطية عن عالم العرب، ولكن القضية تطرح أسئلة جديدة على الرواية لا تتعلّق بالكم، ولا بالموضوعات التي تقاربها، بل بطبيعة الإنجاز ونوعيته: هل ينجم هذا الانتشار عن حاجة عربية للتعبير والقراءة أم يعكس أصداء الانتشار العالمي للنوع، وتأثيرات عنصر المحاكاة في السلوك العام لأي ثقافة؟ وهل قدمت الرواية العربية التي تشهد هذه الفورة المدهشة في عدد النصوص والكتّاب جديداً يمكن أن يضاف إلى تاريخ الرواية في العالم؟

لا يمكن أن نجيب عن السؤال بالنفي أو الإيجاب، غير أنها تبدو مهمة ضرورية موضوعة في عهدة النقاد العرب الذين يتابعون المنجز الروائي العربي على الصعيد الفني.

المساهمون