ضمير في كومة قش

24 يوليو 2015
(علبة الثقاب من سورية / وسام الجزائري)
+ الخط -

في الغالب، يبدو الضمير في نظر الناس كائناً عُلوياً يستطيع أن يراقب أو يرصد تحركاتهم الجسدية والنفسية والعاطفية والروحية على وجه الخصوص.

ثمة من يتحدّث عنه كأنما هو قرين له، وأنه يحدّق فيه من سقف مرتفع، أو من أعلى ذروة مشبعة أو مكتملة بالفضائل، أو بأصول الفضائل التي يتفق جميع البشر، على صلاحيتها السرمدية التي تستطيع عبور الزمان والمكان الأرضيين.

وفي الغالب، يبدو الضمير صديقاً للبشر، من دون أن يخفّف في أي لحظة من سقف مطالبه تجاه أي سلوك أو فكر أو تقليد أو عرف أو قانون يمكن أن يتّبعوه في حياتهم اليومية وعلاقاتهم المتنوعة.

ولهذا فإنه يلعن الأعمال اليومية المشينة أو الوضيعة أو الغادرة، لأنها "بلا ضمير". وهي ما يشعر به الناس في أعماقهم ويسمّونه: "وخزات الضمير" هكذا. تنفي "اللا" أن يكون بوسع الضمير القدرة على استيعاب المخالفات والانتهاكات التي تتم ضد بني البشر قاطبة. فلدى عدالته لونان فقط من ألوان الطيف الإنساني هما: بضمير أو بلا ضمير.

الضمير هو قدرة الإنسان على التمييز بين الخطأ والصواب، أو الحق والباطل، ولديه في هذا الباب القوة لإجراء المحاكمات العادلة وإصدار الأحكام بحق من يخضع لمحكمته، حيث يمكن أن يُلزم المذنب بعقوبته الشهيرة وهي: الندم. إذا ما ارتكب أعمالاً مخالفة، كما يمكنه أن يقدّم مكافآت ثمينة تظهر على صورة مشاعر الرضا، عندما ينفّذ الإنسان أعمالاً تتفق مع القيم الأخلاقية التي يعمّمها.

اللافت أن المفكرين سمّوا الضمير عقلاً، فنقرأ "أزمة الضمير الأوروبي" لبول هازار على أنها أزمة العقل، ونقرأ "قصة الضمير المصري" لصلاح عبد الصبور على أنها قصة العقل المصري الحديث، ونقرأ لغالي شكري سيرة سلامة موسى الفكرية على أنها تترافق مع أزمة الضمير العربي.

ولكن لِمَ يتبدّل الضمير في مسائل الحساب الوجدانية والأخلاقية حين يلبس العباءات المحلية؟ ففي هذه الحالة، يمكنك أن ترى أن ضمير الأميركي يبدو مسترخياً وبليداً حين قُصفت غزة بالفوسفور المنضّد، ومن الواضح أن ذاكرته العاطفية لم تشحن بمسائل فلسطينية، بل إنه يغضب إذا ما قال جون لوكاريه في "الطبالة الصغيرة" إن هناك حقاً إلى جانب الفلسطينيين.

وليس من الصعب أيضاً أن تجد أن نوبة من الهلع قد اجتاحت الضمير الأوروبي بعد مذبحة شارلي، بينما ظل غافياً، وما يزال، تجاه مذبحة السوريين. وقد كان بوسعنا أن نغضب من هذا لو لم نرَ بأنفسنا أن الضمير السوري نفسه أضحى منقسماً تجاه المخالفات الشهيرة: القتل والذبح والتهجير والتحريض، فقتل السوري هناك يبدو بطولياً أسطورياً أخلاقياً طبيعياً مشروعاً، وقتله هنا جريمة نكراء وبشعة، يمكن للضمير أن يعكس الصورة ويستدير ليؤلف أخلاقاً جديدة كما يشاء، وهنا يمكن أن يصبح الضمير إبرة في كومة قش.

مَن يراقب مَن، الضمير كعقل، أم الضمير كوجدان؟ إذ لم يثمر الضمير العقل عن نتائج مرضية، ما يزال العقل الأوروبي والعربي يغمضان أعينهما أو يفتحانها حسب المنفعة أو المصلحة أو الانحيازات السياسية.

المساهمون