ضمير رئيس جمهورية الضمير
بعض الناس يتعامل مع ثورة يناير المجيدة، وكأنها "غزوة بدر الكبرى"، فمن شارك فيها، أو كان له دور في التمهيد لها، أو اشتُهر إعلامياً على إثرها، صار من رموزها ومفجريها الكثيرين، له أن يعمل بعدها ما يشاء، ويرتكب ما يريد، ولو كانت أخطاؤه جرائم في حق الثورة ذاتها. ومن هنا، يأتي الحديث عن جريمة الانقلاب على الثورة ومسارها الدستوري، مرددين قوله تعالى "ولا تبخسوا الناس أشيائهم"، ولكن، يغلب الهوى على هذا البعض، بحكم الانتماء، ويكيلون بمكيالين، تجاه كل رموز ثورة يناير، سواء من كان لهم دور في إشعال جذوتها، أو من برز له دور ما قبيل اشتعالها، ومن هؤلاء الذين يتم التعامل معهم بتلك الطريقة، الثائر الانقلابي، محمد البرادعي، الذي يطلق عليه أتباعه ومريدوه لقب "البوب"، ويجعلون منه رئيساً لما يسمونها جمهورية الضمير، ولا ندري عن أي ضمير يتحدثون، ضمير الثورة أم ضمير الانقلاب!
فالبرادعي، وهو الموصوف إعلامياً من بين محتكري تشكيل الرأي العام وصياغته، بأنه مفجر الثورة، بعد أن هبط إلى مصر في عام 2010، مطالباً النظام الحاكم وقتها، ورئيسه المخلوع فيما بعد، بضرورة تعديل الدستور، وخصوصاً في مادته المشبوهة، رقم (76)، التي كانت مفصلّة للوريث المحبوس حالياً على ذمة قضايا فساد، والذي جاء معتمداً على مكانته الدولية، التي منعت عنه التنكيل والبطش الأمني، وإن لم تمنع عنه التشهير الإعلامي، ومتحالفاً مع كيانات مختلفة ومتفرقة، تناضل على الأرض منذ زمن بعيد، ضد نظام حكم الرئيس المخلوع، مثل أيمن نور الذي نافس، أول مرة، المخلوع في انتخابات 2005، وقضى في سبيل تلك المنافسة محسومة النتائج، خمس سنوات وراء القضبان. ومن الجماعات والكيانات السياسية، كانت جماعة الإخوان المسلمين التي عاشت في صراع ممتد مع نظام المخلوع حتى قامت الثورة، التي صهرت الجميع، في سبيل الهدف الذى كان قائداً لها، حتى كان يوم التنحي والتكليف، الذى منه بدأت الثورة المضادة في الحقيقة، حتى وصلت إلى مرحلة الانقلاب، الذي كان البرادعي أحد مفجريه أيضاً!
ولا ينكر دور البرادعي في الثورة إلا جاحد، كما لا ينكر دوره في الانقلاب إلا جاهل، وبغض النظر عن النهج السياسي الذى ينطلق منه البرادعي ويتبناه، وهو حقه الكامل، كحق غيره في تبني ما يريد، واعتناق ما يشاء من مذاهب سياسية، إلا أن النظرة الموضوعية المجردة لدور البرادعي بعد التنحي والتكليف، كان يغلب عليه الدور الانقلابي الذى لا يكون فقط في صورة السطو المسلح على السلطة، بل يحتمل أن يكون في صور أخرى، مثل صورة التنكر للإرادة الشعبية، أو محاولة قطع الطريق عليها بالوصاية النخبوية، وتجلت فيما سماها البرادعي بالمبادئ فوق الدستورية.
فماذا عن ضمير الانقلاب، إن صح افتراض وجود ضمير لمن يسمح لنفسه بالمشاركة في جريمة كبرى، مثل جريمة الانقلاب الذي أعادت مصر إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة، فهل خروج البرادعي من حكومة الانقلاب، بعد مجزرة الفض التي حضر اجتماعاتها ولم يعترض عليها من حيث المبدأ، يعفيه من جريمة المشاركة في جريمة الانقلاب، الذى كانت مجزرة الفض وما سبقها وما لحقها، عبارة عن نتيجة طبيعية لفعل الانقلاب، وإن كان الضمير الإنساني وحده هو الذى دفع بالبرادعي إلى الاستقالة اعتراضاً منه على الطريقة التي تم بها فض ميادين الشرعية في رابعة والنهضة، فلماذا لم يحركه ذات الضمير بعد مذبحة الحرس الجمهوري، أو مجزرة النصب التذكاري؟ وهل يكفي مجرد الاستقالة، للتدليل على ذلك الضمير، وقد اختفى بعدها، بعد أن كانت "تويتاته" الثورية الملتهبة لا تترك شاردة وواردة في عهد الرئيس الشرعي، محمد مرسي، إلا وتنال منها تعليقاً وتعقيباً وتحريضاً، ولم يكن له فيما بعد الانقلاب من تواصل سوى رسالة إلى حزبه، الذي ظهر حجمه الحقيقي في مسرحية الانتخابات الرئاسية، والتي كانت في حد ذاتها جريمة من جرائم شرعنة الانقلاب، ورسالة أخرى قدم فيها واجب العزاء لوفاة مطربة أميركية، ومنذ الانقلاب، الذي لا يسميه البرادعي انقلاباً، لم نسمع له صوتاً فيما يحدث على أرض المحروسة، فهل السكوت عن الحق يحمل أياً من معاني الضمير!