بضعة كيلوغرامات من الأرزّ والسكر والبرغل والتمور، هي كل ما استطاعت أم قاسم شراءه قبيل شهر رمضان. وكما هي حال سوريين كثر، تتمسك بتقليد شراء المواد الغذائية استعداداً لشهر الصيام الذي ينطلق اليوم. لكنها اكتفت هذا العام بالقليل، إذ الأسعار مرتفعة جداً بالإضافة إلى عدم إمكانية حفظ اللحوم أو الخضار نتيجة انقطاع التيار الكهربائي.
تخبر أم قاسم: "ورثتُ عادة تخزين الطعام من والدي، فالسوريون اعتادوا منذ القدم حفظ الطعام فترات طويلة، وقد ابتدعوا أساليب متعددة لذلك اليوم، نتيجة استمرار الحرب في البلاد. وهذا ما لا نجده في البلدان المستقرة أمنياً واقتصادياً". تضيف: "نحن كسوريين نتخوّف، دائماً، من انقطاع الطعام في أي لحظة، وأحياناً من ارتفاع جنوني في الأسعار مثلما يحدث في المناطق المحاصرة".
وتتفاوت قدرة السوريين عل تأمين احتياجاتهم في رمضان، مع اتساع دائرة الفقر في البلاد. وبخلاف أم قاسم، لا يجد الحاج عبدالله قربان وهو بائع خضار في حلب، مجالاً للمحافظة على هذا التقليد. يقول: "بالكاد نتدبّر طعامنا اليوم، حتى نفكر في الغد. واليوم تطهو زوجتي ما يتبقى من خضار لم تعد صالحة للبيع في نهاية النهار. أما بالنسبة إلى الشعور بالجوع، فلن يختلف علينا الأمر كثيراً في رمضان. لكننا سنكسب ثواباً أكبر".
والمشكلات المعيشية التي تتسبب فيها الحرب القائمة، تتفاقم في هذا الشهر نتيجة ازدياد الحاجة إلى المواد الغذائية وموارد الطاقة المختلفة كالكهرباء والمحروقات. ويتسبّب شح غاز الطهو في تحوّل كثيرين إلى المأكولات الجاهزة أو تلك التي لا يحتاج تحضيرها إلى نار. وعلى الرغم من الحرّ الشديد الذي يرافق أيام الشهر الفضيل هذا العام، تغيب المياه والعصائر الباردة المنعشة عن موائد إفطار كثيرين في سورية، إذ الكهرباء تقطع عن بيوت السوريين ساعات طويلة، وقد لا تأتي على الإطلاق، وهو ما يجعل أمر تشغيل البرادات والحصول على المياه أو الأطعمة المثلجة أمراً مستحيلاً.
اقرأ أيضاً: زينة مصر تحت رحمة الأزمة الاقتصاديّة
أم أحمد من حلب أيضاً، تشير إلى أن "أمبيرات الكهرباء التي اعتاد الأهالي شراءها من مولدات محليّة، لا تكفي لتشغيل البرادات. وقد أجبرنا على التخلي عن خدمات البراد منذ زمن. بعضهم تركه فارغاً في حين يستعمله بعضهم الآخر لحفظ الأواني الفارغة".
غياب التبريد المنزلي هذا العام كما في العام الماضي، من شأنه أن يدفع بعضهم إلى شراء قوالب الثلج المجمدة مع اقتراب موعد الإفطار. في رمضان الفائت، عمد عبيدة إلى بيع ألواح من الثلج. يقول: "الناس يشترونها لتبريد المياه والعصائر عند الإفطار. ونحن نعتمد على الصعق الكهربائي لتجميد ألواح ضخمة، ومن ثم نكسرها ونبيعها. أما الكهرباء فنحصل عليها من مولد خاص، ما يرفع تكلفتها".
من جهته، يلفت حسن قطاع من مركز حلب الإعلامي إلى "نيّة إحدى الجمعيات الخيرية في المدينة، توزيع قوالب الثلج في شهر رمضان. وهو ما يوفّر لكثيرين ماءً بارداً يروون به عطش يوم صيام حار وطويل".
إلى ذلك، يعيق شح المحروقات عملية إنتاج المواد الغذائية ونقلها، بالإضافة إلى بعض النشاطات الحيوية. يوضح قطاع أن "مصدر المحروقات في حلب على سبيل المثال، كان مناطق سيطرة تنظيم داعش. لكنها انقطعت عنّا، أخيراً، بسبب الاشتباكات ومنع التنظيم مرورها إلى حلب. وهو ما ضاعف أسعار الوقود ومعظم المواد الأولية، وانعكس سلباً على إنتاج مواد غذائية كثيرة أوّلها الخبز".
أما المناطق المحاصرة في سورية، فتفتقد جميع أنواع السلع في حين تخلو بطون أهلها من الغذاء فترات طويلة. يروي عبدالرحيم وهو أحد ناشطي الإغاثة في الغوطة الشرقية أن "كثيرين هنا يصومون أياماً متواصلة بمن فيهم الأطفال، قبل أن يجدوا ما يفطرون عليه. وفي الأمس، قصدتني سيّدة توسلتني تأمين أي طعام لأطفالها الذين لم يأكلوا منذ ثلاثة أيام. العبء الحقيقي في الصيام هو تأمين إفطار آخر النهار". يضيف أن "أسعار المواد الغذائية التي قد تتوفر، تصل إلى أربعة أو خمسة أضعاف أسعارها في دمشق. ومن المتوقع أن تقتصر وجبات إفطار عائلات كثيرة على الخبز اليابس أو الحساء".
في السياق، أعلنت جمعيات خيرية عن عزمها فتح مطابخ خيرية لتوزيع وجبات رمضانية على النازحين والمحتاجين في عدد من المدن السورية. يقول هاشم العدنان وهو ناشط إغاثة لنازحي الداخل إن "بعض الهيئات توزّع السلال الغذائية من حبوب وسكر ومعلبات، فيما تنظم هيئات أخرى موائد رمضانية جماعية".
اقرأ أيضاً: شهر حزين في اليمن