صلاحيات الرئيس التونسي: تشابك دستوري وتأويلات متعددة

21 ديسمبر 2014
لا يريد التونسيون تكرار تجربة بن علي (ياسين الجعايدي/الأناضول)
+ الخط -
"رئاسة الجمهورية التونسية هي أعلى سلطة في الدولة التونسية". هكذا يوحي العنوان والتسمية، غير أن دستور يناير/كانون الثاني الماضي، جعل منها سلطة محدودة الصلاحيات ظاهرياً، وقابلة للتحوّل إلى سلطة فعلية ضمنياً.

فقد حدد الدستور التونسي في بابه الرابع، تحت اسم "باب السلطة التنفيذية"، مهام رئيس الجمهورية العتيد. وذكر أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور. ينتخب لمدة 5 أعوام انتخاباً مباشراً سرياً ونزيهاً. وتكمن صلاحياته في تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة، في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي، وكل ما هو متعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة".

كما يحق للرئيس حلّ مجلس نواب الشعب في حالات ينصّ عليها الدستور، ولا يجوز له حلّ المجلس خلال الأشهر الستة الأخيرة من العهد الرئاسي أو الولاية النيابية. ويترأس رئيس الجمهورية مجلس الأمن القومي، ويدعو إليه رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، والقيادة العليا للقوات المسلحة. كما يتولّى الرئيس إعلان الحرب وإبرام السلم، بعد موافقة 75 في المائة من أعضاء مجلس النواب، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيس مجلس النواب والحكومة.

وينصّ الفصل 77 على حق رئيس الجمهورية تعيين مفتي الجمهورية التونسية وإعفاءه، كما يملك الحقّ في التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا في رئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها. وجاءت الفصول التي حددت مهام الرئيس المقبل عامة ومتضاربة في بعض الأحيان، حسب ما أشار عدد من المختصين الدستوريين. ولفت الخبير في القانون الدستوري، عبد المنعم السحباني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الدستور التونسي جعل السلطة التنفيذية برأسين (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء)، لكنه في المقابل ترك بعض التعابير غامضة، ومنها مسألة الأمن القومي".

ويضيف السحباني "تُعتبر مسألة الأمن القومي قابلة للتأويل، وهو ما يمكّن رئيس الجمهورية، تحت هذا العنوان، من التدخل في كل المسائل التي يرى فيها بعداً أمنياً، ما قد يمنحه سلطة فعلية، كون الدستور الجديد أتاح له ترؤس جلسات مجلس الوزراء إن أراد ذلك".

ويبدي السحباني قلقه، إلى حدّ التخوف، من مركزية السلطة لدى رئيس الجمهورية، وفقاً لأحكام الدستور. ورأى "أنه في حال فوز حزب الرئيس بالانتخابات التشريعية، سيكون له الحق في تشكيل الحكومة، وهو ما قد يؤدي في نظره إلى تحويل الوزراء إلى مجرد ديكور، وتصبح السلطة الفعلية لدى مستشاري رئيس الجمهورية، مثلما كان الأمر في عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي".

ويتقاطع رأي السحباني في جزء منه، مع رأي أستاذ القانون الدستوري والرئيس السابق لـ "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة"، عياض بن عاشور، الذي ذكر في مقال له أن "الأحكام الدستورية والعلاقات بين السلطات سيئة جدّاً، لكونها قسمت السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولم تأخذ بعين الاعتبار وحدة الدولة".

ويرى بن عاشور أن "العيب الأول يكمن في تقسيم السلطة التنفيذية إلى قسمين، يختلفان من حيث الاختصاصات والصلاحيات والمواد العائدة إلى كلّ منهما، وفي المقابل منح الدستور مجلس النواب، السلطة التقريرية والرقابية". ويبدي بن عاشور اعتقاده أن "التجربة الدستورية التاريخية، بيّنت أن الهيئات التمثيلية الجماعية، لها مهمة جماعية، تقتصر على الرقابة وإعداد القوانين، أما إذا تحولت إلى هيئات تسيير، فهذا يعني أنها باتت تتصرّف بأمور الدولة".

وقد تفتح هذه الاختلافات المبدئية في تأويل نصوص الدستور، الباب أمام خلافات دستورية، بدأت ملامحها الأولى تتشكّل، عندما أصرّ المرشح والرئيس المنتهية ولايته، المنصف المرزوقي، على ضرورة تشكيل حكومة جديدة قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ويتولى المرزوقي، باعتباره رئيس الدولة الحالي، تكليف الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية للقيام بذلك، وهو أمر رفضه حزب "نداء تونس".

اعتبر "النداء"، أنه وفقاً لأحكام الدستور أيضاً يكلّف الرئيس المنتخب، الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية بتشكيل حكومة. وقد وجد كل طرف مساندين مختصين في الأحكام الدستورية، ما يُنبئ بمستقبل من الخلافات الدستورية في تونس، نتيجة الغموض الحاصل حول صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو ما يفتح باب التأويل أمام كل من يريد قراءة أحكام الدستور وفقاً لمشاربه الفكرية وانتماءاته الحزبية.
المساهمون