13 نوفمبر 2024
صفقة القرن.. من حل الدولتين إلى كيان هجين
كشفت الجولة التي قام بها الثنائي جاريد كوشنر، مستشار البيت الأبيض، وجيسون غرينبلات، المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط، على كل من مصر والسعودية وقطر والأردن والكيان الصهيوني، عن جوانب من التصور الأميركي لحل الصراع العربي الإسرائيلي، المعروف بـ "صفقة القرن"، والذي أشرف على إعداده طاقم أميركي، ضم إلى جانب الثنائي المذكور السفير الأميركي لدى الكيان الصهيوني، ديفيد فريدمان، وجميعهم من أصول يهودية، ومن أكبر مناصري المستوطنين واليمين الحاكم في الكيان.
لم يُعلن محتوى "الصفقة"، حيث ما زالت الإدارة في مرحلة السبر وجس نبض دول عربية بشأن موقفها ومساهمتها في تمريرها؛ لكن تسريبات إعلامية أوردت كل أو بعض محتوياتها وهي:
قيام دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة على نصف مساحة الضفة الغربية وكل قطاع غزة. احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية على معظم الضفة الغربية ومعابر الحدود. بقاء وادي الأردن تحت السيادة والسيطرة العسكرية الإسرائيلية. ضم الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى الدولة الفلسطينية، باستثناء البلدة القديمة التي ستكون جزءًا من "القدس الإسرائيلية". "أبو ديس" العاصمة المقترحة للدولة الفلسطينية. دمج غزة في الدولة الفلسطينية الجديدة بشرط موافقة "حماس" على نزع السلاح. لا تتطرق الخطة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن سيتم إنشاء آلية تعويض وإدارة من المجتمع الدولي. الاعتراف بإسرائيل وطنا للشعب اليهودي، وفلسطين بسيادة محدودة وطنا للفلسطينيين. تتشارك فلسطين والأردن السلطة الدينية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس. (هاني المصري: قراءة من منظور فلسطيني في السياسة الأميركية وصفقة القرن، مركز الجزيرة للدراسات: 4/6/2018)
لم يقتصر هدف الجولة على معرفة موقف قادة هذه الدول من "صفقة القرن"، بل واستدراج
هذه الدول إلى لعب دور في تمرير الصفقة، بدعوتها إلى المساهمة في حل المشكلات الإنسانية (البطالة، الماء، الكهرباء، والاتصال بالعالم الخارجي)، التي يعيش أبناء قطاع غزة تحت وطأتها، عبر تمويل مشاريع إنمائية تقام على مساحة من أرض سيناء المصرية المحاذية للقطاع بنحو مليار دولار: إنشاء منطقة تجارية حرة مع خمسة مشاريع صناعية كبيرة، على أن يتم توظيف ثلثي العاملين من أهالي قطاع غزة وثلث من أهالي سيناء للعمل فيها، كما سيتم إنشاء ميناء مصري غزي تحت إشراف الأمن المصري، وكذلك محطة للطاقة الشمسية. وفي المستقبل إنشاء مطار، سيتولى المصريون إدارته.
يطمح أصحاب "الصفقة" إلى تمريرها، بدءا من قطاع غزة بحيث تخلق الاستثمارات الضخمة مناخا إيجابيا بين الفلسطينيين، عبر قيام مصلحة ذاتية لهم في إنجاح الحل لاستدامة الظروف الجديدة: فرص العمل، البنية التحتية الجيدة، الخدمات، قدرت التكلفة بـعشرة مليارات دولار تدفعها دول الخليج، رفع الحصار، في ظل شروط حياة آمنة ومستقرّة، واستخدام هذا المناخ في كسر تحفظ القيادة الفلسطينية، ودفعها إلى القبول بتنفيذ بقية عناصر الخطة، ومنحها الشرعية بتغطيتها سياسيا. وهذا ما روجّه كوشنر، في حديثه المطول لصحيفة القدس الفلسطينية يوم 24/6/2018، حيث لم يشر من بعيد أو قريب إلى الاحتلال والاستيطان، أو حقّ الفلسطينيين في دولة مستقلّة، واختار اللعب على وتر وعود للشعب الفلسطيني، بتحسين الظروف المادية والاقتصادية والمعيشية، من دون أن يتطرق لحقوقهم السياسية المشروعة. وقد علق المحامي الأميركي (يهودي الديانة)، ستانلي كوهِن، على ما جاء في المقابلة بقوله: "يهين كوشنر الفلسطينيين، ولا يعرض عليهم سوى الخضوع الاقتصادي في رؤيته عن منطقة التكنولوجيا العالية والتمكين الاقتصادي.. وادي سيليكون في منطقة المتوسط. وحسب رؤيته، يمكن للفلسطينيين، المجرّدين من الحقوق الإنسانية، وأي مستقبل سياسي، أن يخدموا الإسرائيليين فقط قوة عمل أسيرة من دون ولايةٍ ولا سيطرة. هذه هي "الصفقة" التي يعرضها آخر مبعوث أميركي: اقبلوا بعبودية المزارع أو كفّوا عن الوجود. وربما تكون أجندة ترامب قد نجحت في دفن حل الدولتين. وسوف يعود الفلسطينيون إلى المتاريس، ويتهيأون للمقاومة" (صفقة السلام الإسرائيلية بالكامل، كاونتربنتش: 29/6/2018- ترجمة: علاء الدين أبو زينة، الغد الأردنية:7/7/2018). نقل الصحافي البريطاني روبرت فيسك عن كوشنر قوله: "أعتقد أن أبناء الشعب الفلسطيني أقل اهتماماً بالأمور التي يتحدث عنها السياسيون من اهتمامهم برؤية كيف يمكن أن تعطي صفقة لهم ولأجيالهم المستقبلية فرصاً جديدة، ووظائف أكثر وأفضل دخلاً، وآفاقاً أفضل للحياة". ("الصفقة النهائية" التي يقترحها كوشنر ستجرد الفلسطينيين من كرامتهم الإنسانية، كاونتربنتش: 3/7/2018- ترجمة: علاء الدين أبو زينة، الغد الأردنية: 9/7/2018).
وكانت الإدارة الأميركية قد بدأت بالضغط على السلطة الفلسطينية، لدفعها إلى الرضوخ لخطتها عبر قرارات سياسية ومالية، مثل: إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتأكيد تصنيف منظمة التحرير منظمة إرهابية، وخصم قيمة مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى من المعونات المقدمة للفلسطينيين (مشروع تايلور- فورس)، وتقليص المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطنيين (أونروا) بخصم 65 مليون دولار، والسعي إلى إلغائها وتغيير صفة اللاجئ، والتهديد بقطع جميع المساعدات عن الفلسطينيين؛ ما لم يقبلوا العودة إلى المفاوضات بالشروط الأميركية، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وإخراجها من المفاوضات؛ ونقل السفارة الأميركية إليها، والعمل على تمرير قانون يجرّم مقاطعة إسرائيل، وقانون محاسبة الفلسطينيين الذي فتح الباب على تشريع سلسلة من العقوبات على الفلسطينيين والمنظومة الدولية، عمّدته بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
سعى الثنائي كوشنر غرينبلات، إلى معرفة موقف الدول العربية التي زاراها (مصر،
السعودية، قطر، الأردن) والعمل على جمع مبالغ لإطلاق مشاريع تنمية قطاع غزة (كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنهما نجحا في جمع ما قيمته 500 مليون دولار)، الهدية المسمومة التي يعتقدان أنها ستنجح في اختراق الرفض الفلسطيني، ودفع عامة الفلسطينيين للضغط على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للعودة إلى المفاوضات والانخراط في "الصفقة"، لكنهما لم يفصحا عن نتائج جولتهما في انتظار تحديد الصيغة النهائية لـ "الصفقة"، والتوقيت المناسب لإعلانها.
لكن التسريبات حول خطة "السلام" الأوسع وحقيقة أنها ربما تهدف إلى فصل غزة عن الضفة الغربية، وإقامة دولة منفصلة هناك، قد "تسببت في جعل عديدين من أصحاب المصلحة الرئيسيين يرفضون أي حلول. وقد رفضت السلطة على الفور الخطة الأميركية لغزة، وقالت إنها طريقة لخلق غزة مستقلة اقتصادياً، ومقدِّمة لتأسيس منطقة منفصلة عن الضفة الغربية. كما أن من غير المرجح أن يذهب المصريون مع هذه الخطة، خشية أنه إذا أصبحت غزة معتمدة باطراد على مصر، فإنها ستصبح مشكلة مصر، بدل أن تكون مشكلة إسرائيل" (خطة كوشنر للسلام: كارثة في انتظار الحدوث، إيلان غولدنبرغ، فورين بوليسي: 25/7/2018، ترجمة: علاء الدين أبو زينة، الغد الأردنية:11/7/2018).
وكان لافتا تقاطع العناصر المسرّبة من "الصفقة"، خصوصا في مرحلتها الغزية، وتطابقها مع خطط وتصورات إسرائيلية، دعت إلى إقامة كيان فلسطيني في قطاع غزة وحكم ذاتي في مناطق الكثافة الفلسطينية في الضفة الغربية، ما يطرح خطر تحويل "القطاع" فقط إلى كيان فلسطيني، كان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط غيورا أيلاند، قد طرحها في دراسة أعدها لمركز "بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية"، نشرت يوم 15/11/2017 في 37 صفحة من القطع الكبير تحت عنوان "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين". أوضح فيها أن إسرائيل باتت ترفض بشكل واضح فكرة اقتسام "تلك" المساحة الضيقة من الأراضي مع الفلسطينيين، لإقامة دولتين لشعبين، فهذا الحل يضرب نظرية الأمن الإسرائيلي في مقتل، من ناحية، ويتجاهل الواقع في الضفة الغربية، من الناحية الأخرى، الذي يحول دون إخلاء 290 ألف مستوطن من "بيوتهم"، لما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة، ويحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجي، وينتهك الخصوصية الدينية والروحية التي تمثلها الضفة الغربية بالنسبة للشعب الإسرائيلي (تلميح إلى أنها أرض الميعاد، الكاتب). واعتبر حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، وإنما مسؤولية الدول العربية أيضا التي يتوجب عليها بذل جهود إضافية لرفع معاناة الفلسطينيين، وحدّد مصر والأردن بالذات، للمشاركة بصورة فاعلة وإيجابية في صياغة حل إقليمي متعدّد الأطراف، "فليس هناك منطق يقول إن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي في انتظار أن تقدم تل أبيب الحلول على طبق من ذهب أو فضة"، حسب قوله. وعرض تصوره الذي يقوم على تقديم مساحة من أرض سيناء المحاذية لقطاع غزة، تبدأ من الحدود المصرية مع القطاع وحتى حدود مدينة العريش، مساحتها بحدود الـ 720 كيلومتراً مربعاً، ضعف مساحة القطاع البالغة 365 كيلومترا مربعا، على أن تحصل مصر على مساحة مساوية من صحراء النقب الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، توازي هذه المساحة 12% من مساحة الضفة الغربية. وفي مقابل هذه المنطقة التي ستُضم إلى قطاع غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة الغربية لتدخل ضمن الأراضي الإسرائيلية.
تمنح هذه المساحة، وفق الدراسة، القطاع 24 كلم إضافية من السواحل المطلة على المتوسط، بكل ما يترتب على ذلك من مزايا، مثل التمتع بمياه إقليمية تصل إلى تسعة أميال بحرية، وإيجاد فرص وفيرة للعثور على حقول غاز طبيعي في هذه المياه، كما تمكن الفلسطينيين من إنشاء ميناء دولي كبير (في القطاع الغربي من غزة الكبرى)، ومطار دولي على بعد 25 كلم من الحدود مع إسرائيل. والأهم، بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل، تخفف الكثافة السكانية في القطاع البالغ عدد سكانه 1.5 مليون نسمة، ويتوقع أن يصبح عددهم عام 2020 حوالى 2.5 مليون نسمة، وتشكل منطقة تطور ونمو طبيعي لسكان قطاع غزة والضفة الغربية، بل ويمكنها استيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في دول أخرى، ناهيك عن الفوائد الاقتصادية العظيمة التي ستترتب على هذا التوسع، فغزة الجديدة ستتحول إلى منطقة جذب تفيض بفرص النمو الاقتصادي، وتصير، بين عشية وضحاها، مركزاً تجارياً دولياً. وعلى الفلسطينيين، في المقابل، أن يتنازلوا عن جزء من الضفة الغربية الذي يشغله
المستوطنون الإسرائيليون، وقواعد الجيش الإسرائيلي منذ عشرات السنين. ربما يكون هذا التنازل مؤلما، لكن لا يمكن مقارنته بحجم الفوائد والمكاسب التي سيحققها قطاع غزة في المستقبل. وقدم لمصر حافزا كبيرا بمنحها حق شق نفق يربط مصر بالأردن يبلغ طوله حوالي 10 كلم، يقطع الطريق من الغرب إلى الشرق (على بعد 5 كلم من إيلات)، يخضع للسيادة المصرية الكاملة، والحركة من مصر إلى الأردن (وبعد ذلك شرقا وجنوبا للسعودية والعراق) ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن من إسرائيل.
وما يزيد من دقة الموقف وخطورته التناغم المرحلي القائم بين الكيان الصهيوني والحركة الإنجيلية المسيحية التي تُعرف باسم الحركة الصهيونية المسيحية، وتعتبر إقامة إسرائيل وسيلةً لا بد منها من أجل الهدف الأسمى والأهم، وهو العودة الثانية للسيد المسيح، ذلك أنه، في الأدبيات الدينية لهذه الحركة، لن يظهر المسيح إلا في مجتمع يهودي، كما حدث في المرة الأولى. وأنه لن يعلن عن ظهوره وعودته الثانية إلا في الهيكل اليهودي. ولذلك لا بد من بناء الهيكل في القدس، والحركة الصهيونية المسيحية (الإنجيلية) ليست مجرد حركة من الحركات الدينية في الولايات المتحدة، إنها حركة واسعة الانتشار (70 مليون عضو)، ومن أعضائها شخصيات مرموقة في المجتمع الأميركي، سياسية وعسكرية ومالية ودينية. وتنتشر قاعدتها الشعبية في الولايات الجنوبية (توصف بالحزام الإنجيلي)، وفي وسط البلاد (حيث المجتمعات الزراعية). ومعروفٌ عن هذه المجتمعات أنها عميقة التدين، وشديدة التعلق بالتعاليم التي يقول بها قساوسة الحركة ووعّاظها. وقد شكلت القاعدة الشعبية الواسعة التي حملت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ولذلك، اختار ترامب مايكل بنس، أحد قادة هذه الحركة، وأحد أبرز رموزها، ليكون نائباً له، بنس هذا شبه رئيسه ترامب، خلال الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، بالملك داود، الملك التوراتي بالنسبة لبني إسرائيل.
وسواء كان الرئيس ترامب شخصياً مؤمناً بنظرية العودة الثانية للمسيح، وبشروط هذه العودة (كالرئيس الأسبق رونالد ريغان مثلاً)، أو غير مؤمن (كالرئيس كلينتون) فإنه يتصرف، وكأنه مؤتمن على تنفيذ هذه النظرية بكل تفاصيلها ومستلزماتها. فهو من جهة أولى يعزف على وتر الأحاسيس الدينية لقاعدته الشعبية، فيزيد من قوة ولائها له ودفاعها عنه، وهو، من جهة ثانية، يستقطب تأييد اللوبي اليهودي الأميركي (إضافة إلى إسرائيل) في معاركه الداخلية المتفاقمة، وقد عكست ذلك التبريرات التي أطلقها سواء في قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، أو في قرار إقامة المبنى الجديد للسفارة في القدس، وخصوصا بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لإقامة إسرائيل.
من هنا، كان التنسيق عالي المستوى بين الإدارة الأميركية وحكومة الكيان الصهيوني، الذي كتبت مجلة ذي نيويوركر الأميركية يوم 12/6/2018 إن هدفه "وضع خطة يرفضها الفلسطينيون، وتقبل بها دول الخليج، خصوصا التي تشارك إسرائيل العداء لإيران، وإن الهدف هو زراعة الخلاف والضغينة بين الفلسطينيين ودول الخليج وتقريب هذه الدول من إسرائيل"، كان المحلل الإسرائيلي، شاؤول أريئيلي، قد اعتبر في مقالة له "صيغة ترامب وبصمات نتنياهو" الاقتراح الأميركي بمثابة "صب الزيت على النار"، سيدفع الطرفين إلى التمترس في مواقفهما. الفلسطينيون سيرفضونه رفضا باتا وحكومة إسرائيل ستستغل هذا حتى النهاية "لإثبات" أنه لا يوجد شريك فلسطيني (هآرتس: 24/6/2018).
على الرغم من الرفض الفلسطيني المعلن "للصفقة"، إلا أن ثمة نقاط ضعف قاتلة تحيط بموقف السلطة الفلسطينية: استمرار الانقسام الفلسطيني؛ وانفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية؛ وفشل محاولات المصالحة حتى الساعة، غياب موقف عربي موحد وداعم، على الرغم من بيان القمة العربية التي عقدت في السعودية، حيث ثمة توجه خليجي لتمرير صفقة القرن، وتوظيفه لخدمة موقفها ضد إيران، تطمح بهذا التأييد دفع واشنطن إلى اتخاذ موقف عملي ضد إيران، ضعف الموقف الأوروبي في الدفاع عن حل الدولتين، فشل الرباعية الدولية في تحقيق أي تقدم في الملف الفلسطيني. وهذا بالإضافة إلى سعي حكومة الكيان الصهيوني، في المرحلة الحالية، إلى تغذية النزاع الفلسطيني الداخلي، عبر إبراز خطوة العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية في رام الله على موظفي قطاع غزة، واستغلال التوتر الحاصل بين السلطة الفلسطينية ودول الرباعية العربية (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، خصوصاً مصر، التي تضطلع بدور متعاظم في كل ما يتعلق بقطاع غزة ومشاريع إعادة الإعمار، أو إطلاق مشاريع تنمية بدعم أميركي وتمويل خليجي، وسط تفاهم ضمني أو غير رسمي مع سلطة حركة حماس في القطاع، يضع السلطة الفلسطينية في موقف دقيق وحرج والقضية الفلسطينية أمام خطر داهم.
إذا كان رد الفعل الشعبي ضد "الصفقة"، الذي عكسته تظاهرات "الضفة" ومسيرات العودة في "القطاع"، وتحفظ الدول العربية القريبة من حدود فلسطين (مصر والأردن)، لما تنطوي عليه "الصفقة" من سلبياتٍ على مصالحها الوطنية، قد دعم موقف السلطة الرافض؛ فإن عدم نجاحها (السلطة) هي وقادة الفصائل في رأب الصدع والاتفاق على خطة وطنية لمواجهة التحرّك الأميركي الصهيوني سيخدم هذا التحرك؛ ويفتح الباب أمام تحقق مضمون نكتة سوداء، انتشرت في أوساط منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في ثمانينات القرن الماضي، على خلفية الصراع بين أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة.. تقول النكتة: ابن غزة: سنبني دولة في القطاع. ابن الضفة: منين راح تصرفوا عليها؟ ابن غزة: راح نبيع الضفة قطعة قطعة ونصرف عليها.
لم يُعلن محتوى "الصفقة"، حيث ما زالت الإدارة في مرحلة السبر وجس نبض دول عربية بشأن موقفها ومساهمتها في تمريرها؛ لكن تسريبات إعلامية أوردت كل أو بعض محتوياتها وهي:
قيام دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة على نصف مساحة الضفة الغربية وكل قطاع غزة. احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية على معظم الضفة الغربية ومعابر الحدود. بقاء وادي الأردن تحت السيادة والسيطرة العسكرية الإسرائيلية. ضم الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى الدولة الفلسطينية، باستثناء البلدة القديمة التي ستكون جزءًا من "القدس الإسرائيلية". "أبو ديس" العاصمة المقترحة للدولة الفلسطينية. دمج غزة في الدولة الفلسطينية الجديدة بشرط موافقة "حماس" على نزع السلاح. لا تتطرق الخطة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن سيتم إنشاء آلية تعويض وإدارة من المجتمع الدولي. الاعتراف بإسرائيل وطنا للشعب اليهودي، وفلسطين بسيادة محدودة وطنا للفلسطينيين. تتشارك فلسطين والأردن السلطة الدينية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس. (هاني المصري: قراءة من منظور فلسطيني في السياسة الأميركية وصفقة القرن، مركز الجزيرة للدراسات: 4/6/2018)
لم يقتصر هدف الجولة على معرفة موقف قادة هذه الدول من "صفقة القرن"، بل واستدراج
يطمح أصحاب "الصفقة" إلى تمريرها، بدءا من قطاع غزة بحيث تخلق الاستثمارات الضخمة مناخا إيجابيا بين الفلسطينيين، عبر قيام مصلحة ذاتية لهم في إنجاح الحل لاستدامة الظروف الجديدة: فرص العمل، البنية التحتية الجيدة، الخدمات، قدرت التكلفة بـعشرة مليارات دولار تدفعها دول الخليج، رفع الحصار، في ظل شروط حياة آمنة ومستقرّة، واستخدام هذا المناخ في كسر تحفظ القيادة الفلسطينية، ودفعها إلى القبول بتنفيذ بقية عناصر الخطة، ومنحها الشرعية بتغطيتها سياسيا. وهذا ما روجّه كوشنر، في حديثه المطول لصحيفة القدس الفلسطينية يوم 24/6/2018، حيث لم يشر من بعيد أو قريب إلى الاحتلال والاستيطان، أو حقّ الفلسطينيين في دولة مستقلّة، واختار اللعب على وتر وعود للشعب الفلسطيني، بتحسين الظروف المادية والاقتصادية والمعيشية، من دون أن يتطرق لحقوقهم السياسية المشروعة. وقد علق المحامي الأميركي (يهودي الديانة)، ستانلي كوهِن، على ما جاء في المقابلة بقوله: "يهين كوشنر الفلسطينيين، ولا يعرض عليهم سوى الخضوع الاقتصادي في رؤيته عن منطقة التكنولوجيا العالية والتمكين الاقتصادي.. وادي سيليكون في منطقة المتوسط. وحسب رؤيته، يمكن للفلسطينيين، المجرّدين من الحقوق الإنسانية، وأي مستقبل سياسي، أن يخدموا الإسرائيليين فقط قوة عمل أسيرة من دون ولايةٍ ولا سيطرة. هذه هي "الصفقة" التي يعرضها آخر مبعوث أميركي: اقبلوا بعبودية المزارع أو كفّوا عن الوجود. وربما تكون أجندة ترامب قد نجحت في دفن حل الدولتين. وسوف يعود الفلسطينيون إلى المتاريس، ويتهيأون للمقاومة" (صفقة السلام الإسرائيلية بالكامل، كاونتربنتش: 29/6/2018- ترجمة: علاء الدين أبو زينة، الغد الأردنية:7/7/2018). نقل الصحافي البريطاني روبرت فيسك عن كوشنر قوله: "أعتقد أن أبناء الشعب الفلسطيني أقل اهتماماً بالأمور التي يتحدث عنها السياسيون من اهتمامهم برؤية كيف يمكن أن تعطي صفقة لهم ولأجيالهم المستقبلية فرصاً جديدة، ووظائف أكثر وأفضل دخلاً، وآفاقاً أفضل للحياة". ("الصفقة النهائية" التي يقترحها كوشنر ستجرد الفلسطينيين من كرامتهم الإنسانية، كاونتربنتش: 3/7/2018- ترجمة: علاء الدين أبو زينة، الغد الأردنية: 9/7/2018).
وكانت الإدارة الأميركية قد بدأت بالضغط على السلطة الفلسطينية، لدفعها إلى الرضوخ لخطتها عبر قرارات سياسية ومالية، مثل: إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتأكيد تصنيف منظمة التحرير منظمة إرهابية، وخصم قيمة مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى من المعونات المقدمة للفلسطينيين (مشروع تايلور- فورس)، وتقليص المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطنيين (أونروا) بخصم 65 مليون دولار، والسعي إلى إلغائها وتغيير صفة اللاجئ، والتهديد بقطع جميع المساعدات عن الفلسطينيين؛ ما لم يقبلوا العودة إلى المفاوضات بالشروط الأميركية، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وإخراجها من المفاوضات؛ ونقل السفارة الأميركية إليها، والعمل على تمرير قانون يجرّم مقاطعة إسرائيل، وقانون محاسبة الفلسطينيين الذي فتح الباب على تشريع سلسلة من العقوبات على الفلسطينيين والمنظومة الدولية، عمّدته بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
سعى الثنائي كوشنر غرينبلات، إلى معرفة موقف الدول العربية التي زاراها (مصر،
لكن التسريبات حول خطة "السلام" الأوسع وحقيقة أنها ربما تهدف إلى فصل غزة عن الضفة الغربية، وإقامة دولة منفصلة هناك، قد "تسببت في جعل عديدين من أصحاب المصلحة الرئيسيين يرفضون أي حلول. وقد رفضت السلطة على الفور الخطة الأميركية لغزة، وقالت إنها طريقة لخلق غزة مستقلة اقتصادياً، ومقدِّمة لتأسيس منطقة منفصلة عن الضفة الغربية. كما أن من غير المرجح أن يذهب المصريون مع هذه الخطة، خشية أنه إذا أصبحت غزة معتمدة باطراد على مصر، فإنها ستصبح مشكلة مصر، بدل أن تكون مشكلة إسرائيل" (خطة كوشنر للسلام: كارثة في انتظار الحدوث، إيلان غولدنبرغ، فورين بوليسي: 25/7/2018، ترجمة: علاء الدين أبو زينة، الغد الأردنية:11/7/2018).
وكان لافتا تقاطع العناصر المسرّبة من "الصفقة"، خصوصا في مرحلتها الغزية، وتطابقها مع خطط وتصورات إسرائيلية، دعت إلى إقامة كيان فلسطيني في قطاع غزة وحكم ذاتي في مناطق الكثافة الفلسطينية في الضفة الغربية، ما يطرح خطر تحويل "القطاع" فقط إلى كيان فلسطيني، كان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط غيورا أيلاند، قد طرحها في دراسة أعدها لمركز "بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية"، نشرت يوم 15/11/2017 في 37 صفحة من القطع الكبير تحت عنوان "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين". أوضح فيها أن إسرائيل باتت ترفض بشكل واضح فكرة اقتسام "تلك" المساحة الضيقة من الأراضي مع الفلسطينيين، لإقامة دولتين لشعبين، فهذا الحل يضرب نظرية الأمن الإسرائيلي في مقتل، من ناحية، ويتجاهل الواقع في الضفة الغربية، من الناحية الأخرى، الذي يحول دون إخلاء 290 ألف مستوطن من "بيوتهم"، لما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة، ويحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجي، وينتهك الخصوصية الدينية والروحية التي تمثلها الضفة الغربية بالنسبة للشعب الإسرائيلي (تلميح إلى أنها أرض الميعاد، الكاتب). واعتبر حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، وإنما مسؤولية الدول العربية أيضا التي يتوجب عليها بذل جهود إضافية لرفع معاناة الفلسطينيين، وحدّد مصر والأردن بالذات، للمشاركة بصورة فاعلة وإيجابية في صياغة حل إقليمي متعدّد الأطراف، "فليس هناك منطق يقول إن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي في انتظار أن تقدم تل أبيب الحلول على طبق من ذهب أو فضة"، حسب قوله. وعرض تصوره الذي يقوم على تقديم مساحة من أرض سيناء المحاذية لقطاع غزة، تبدأ من الحدود المصرية مع القطاع وحتى حدود مدينة العريش، مساحتها بحدود الـ 720 كيلومتراً مربعاً، ضعف مساحة القطاع البالغة 365 كيلومترا مربعا، على أن تحصل مصر على مساحة مساوية من صحراء النقب الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، توازي هذه المساحة 12% من مساحة الضفة الغربية. وفي مقابل هذه المنطقة التي ستُضم إلى قطاع غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة الغربية لتدخل ضمن الأراضي الإسرائيلية.
تمنح هذه المساحة، وفق الدراسة، القطاع 24 كلم إضافية من السواحل المطلة على المتوسط، بكل ما يترتب على ذلك من مزايا، مثل التمتع بمياه إقليمية تصل إلى تسعة أميال بحرية، وإيجاد فرص وفيرة للعثور على حقول غاز طبيعي في هذه المياه، كما تمكن الفلسطينيين من إنشاء ميناء دولي كبير (في القطاع الغربي من غزة الكبرى)، ومطار دولي على بعد 25 كلم من الحدود مع إسرائيل. والأهم، بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل، تخفف الكثافة السكانية في القطاع البالغ عدد سكانه 1.5 مليون نسمة، ويتوقع أن يصبح عددهم عام 2020 حوالى 2.5 مليون نسمة، وتشكل منطقة تطور ونمو طبيعي لسكان قطاع غزة والضفة الغربية، بل ويمكنها استيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في دول أخرى، ناهيك عن الفوائد الاقتصادية العظيمة التي ستترتب على هذا التوسع، فغزة الجديدة ستتحول إلى منطقة جذب تفيض بفرص النمو الاقتصادي، وتصير، بين عشية وضحاها، مركزاً تجارياً دولياً. وعلى الفلسطينيين، في المقابل، أن يتنازلوا عن جزء من الضفة الغربية الذي يشغله
وما يزيد من دقة الموقف وخطورته التناغم المرحلي القائم بين الكيان الصهيوني والحركة الإنجيلية المسيحية التي تُعرف باسم الحركة الصهيونية المسيحية، وتعتبر إقامة إسرائيل وسيلةً لا بد منها من أجل الهدف الأسمى والأهم، وهو العودة الثانية للسيد المسيح، ذلك أنه، في الأدبيات الدينية لهذه الحركة، لن يظهر المسيح إلا في مجتمع يهودي، كما حدث في المرة الأولى. وأنه لن يعلن عن ظهوره وعودته الثانية إلا في الهيكل اليهودي. ولذلك لا بد من بناء الهيكل في القدس، والحركة الصهيونية المسيحية (الإنجيلية) ليست مجرد حركة من الحركات الدينية في الولايات المتحدة، إنها حركة واسعة الانتشار (70 مليون عضو)، ومن أعضائها شخصيات مرموقة في المجتمع الأميركي، سياسية وعسكرية ومالية ودينية. وتنتشر قاعدتها الشعبية في الولايات الجنوبية (توصف بالحزام الإنجيلي)، وفي وسط البلاد (حيث المجتمعات الزراعية). ومعروفٌ عن هذه المجتمعات أنها عميقة التدين، وشديدة التعلق بالتعاليم التي يقول بها قساوسة الحركة ووعّاظها. وقد شكلت القاعدة الشعبية الواسعة التي حملت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ولذلك، اختار ترامب مايكل بنس، أحد قادة هذه الحركة، وأحد أبرز رموزها، ليكون نائباً له، بنس هذا شبه رئيسه ترامب، خلال الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، بالملك داود، الملك التوراتي بالنسبة لبني إسرائيل.
وسواء كان الرئيس ترامب شخصياً مؤمناً بنظرية العودة الثانية للمسيح، وبشروط هذه العودة (كالرئيس الأسبق رونالد ريغان مثلاً)، أو غير مؤمن (كالرئيس كلينتون) فإنه يتصرف، وكأنه مؤتمن على تنفيذ هذه النظرية بكل تفاصيلها ومستلزماتها. فهو من جهة أولى يعزف على وتر الأحاسيس الدينية لقاعدته الشعبية، فيزيد من قوة ولائها له ودفاعها عنه، وهو، من جهة ثانية، يستقطب تأييد اللوبي اليهودي الأميركي (إضافة إلى إسرائيل) في معاركه الداخلية المتفاقمة، وقد عكست ذلك التبريرات التي أطلقها سواء في قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، أو في قرار إقامة المبنى الجديد للسفارة في القدس، وخصوصا بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لإقامة إسرائيل.
من هنا، كان التنسيق عالي المستوى بين الإدارة الأميركية وحكومة الكيان الصهيوني، الذي كتبت مجلة ذي نيويوركر الأميركية يوم 12/6/2018 إن هدفه "وضع خطة يرفضها الفلسطينيون، وتقبل بها دول الخليج، خصوصا التي تشارك إسرائيل العداء لإيران، وإن الهدف هو زراعة الخلاف والضغينة بين الفلسطينيين ودول الخليج وتقريب هذه الدول من إسرائيل"، كان المحلل الإسرائيلي، شاؤول أريئيلي، قد اعتبر في مقالة له "صيغة ترامب وبصمات نتنياهو" الاقتراح الأميركي بمثابة "صب الزيت على النار"، سيدفع الطرفين إلى التمترس في مواقفهما. الفلسطينيون سيرفضونه رفضا باتا وحكومة إسرائيل ستستغل هذا حتى النهاية "لإثبات" أنه لا يوجد شريك فلسطيني (هآرتس: 24/6/2018).
على الرغم من الرفض الفلسطيني المعلن "للصفقة"، إلا أن ثمة نقاط ضعف قاتلة تحيط بموقف السلطة الفلسطينية: استمرار الانقسام الفلسطيني؛ وانفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية؛ وفشل محاولات المصالحة حتى الساعة، غياب موقف عربي موحد وداعم، على الرغم من بيان القمة العربية التي عقدت في السعودية، حيث ثمة توجه خليجي لتمرير صفقة القرن، وتوظيفه لخدمة موقفها ضد إيران، تطمح بهذا التأييد دفع واشنطن إلى اتخاذ موقف عملي ضد إيران، ضعف الموقف الأوروبي في الدفاع عن حل الدولتين، فشل الرباعية الدولية في تحقيق أي تقدم في الملف الفلسطيني. وهذا بالإضافة إلى سعي حكومة الكيان الصهيوني، في المرحلة الحالية، إلى تغذية النزاع الفلسطيني الداخلي، عبر إبراز خطوة العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية في رام الله على موظفي قطاع غزة، واستغلال التوتر الحاصل بين السلطة الفلسطينية ودول الرباعية العربية (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، خصوصاً مصر، التي تضطلع بدور متعاظم في كل ما يتعلق بقطاع غزة ومشاريع إعادة الإعمار، أو إطلاق مشاريع تنمية بدعم أميركي وتمويل خليجي، وسط تفاهم ضمني أو غير رسمي مع سلطة حركة حماس في القطاع، يضع السلطة الفلسطينية في موقف دقيق وحرج والقضية الفلسطينية أمام خطر داهم.
إذا كان رد الفعل الشعبي ضد "الصفقة"، الذي عكسته تظاهرات "الضفة" ومسيرات العودة في "القطاع"، وتحفظ الدول العربية القريبة من حدود فلسطين (مصر والأردن)، لما تنطوي عليه "الصفقة" من سلبياتٍ على مصالحها الوطنية، قد دعم موقف السلطة الرافض؛ فإن عدم نجاحها (السلطة) هي وقادة الفصائل في رأب الصدع والاتفاق على خطة وطنية لمواجهة التحرّك الأميركي الصهيوني سيخدم هذا التحرك؛ ويفتح الباب أمام تحقق مضمون نكتة سوداء، انتشرت في أوساط منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في ثمانينات القرن الماضي، على خلفية الصراع بين أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة.. تقول النكتة: ابن غزة: سنبني دولة في القطاع. ابن الضفة: منين راح تصرفوا عليها؟ ابن غزة: راح نبيع الضفة قطعة قطعة ونصرف عليها.