شروط عودة سورية عربياً

07 يناير 2019
+ الخط -
صدرت خلال الأيام الماضية إشارات متزايدة إلى قبول عربي بفكرة إعادة تأهيل بشار الأسد عربياً. وتتوالى أنباء عن تحضيرات عربية لإنهاء تجميد عضوية سورية وإعادة مقعدها في جامعة الدول العربية إلى نظام الأسد. 
تتباين دوافع تحول المواقف العربية تجاه سورية/ بشار من دولة عربية إلى أخرى، فبعض الدول التي كانت تصر على إسقاط بشار مضطرة إلى التعامل معه، بعد التطورات الميدانية التي كفلت استمرار النظام، ونجاحه في استعادة السيطرة على نسبة كبيرة من الأراضي السورية، بعد أن ثبت، بشكل نهائي وبفضل الخذلان الأميركي ثم التدخل الروسي، عدم واقعية تبني الحل العسكري لتحقيق مطالب الشعب السوري.
وفي الوقت ذاته، ثمّة أهداف مشتركة تجمع بشار ودولاً عربية، تبرّر استيعاب سورية بشار مجدّدا في الحاضنة العربية، منها الحفاظ على وحدة الدولة السورية، فبالنسبة لبشار، يمثل التقسيم تهديداً حيوياً لسلطته، فضلاً عن تقليص نطاقها. وبالتالي، تراجع أهميته شخصاً ونظاماً إقليمياً ودولياً، وربما إطاحته لاحقاً.
عربياً، تمثل وحدة الأراضي السورية أولويةً قصوى لمعظم الدول العربية، خصوصاً الملاصقة لسورية، الأردن والعراق ولبنان، فتقسيم سورية يمثل تهديداً وجودياً لكل من هذه الدول الثلاث، بينما يعد تهديداً جيواستراتيجياً لمصر التي تعتبر سورية خط دفاع أمامياً لها.
وبمعيار ترتيب المخاطر ودرجات التهديد، فإن سقوط نظام بشار، في ظل المعطيات القائمة على المديين القصير والمتوسط، سيعني ما هو أبعد وأخطر من تفتت الدولة، أو تقسيمها جغرافياً، وهو وقوع بعض مناطقها تحت سيطرة جماعات إسلامية وفصائل مسلحة، وربما أيضاً مليشيات وقوات مرتزقة تابعة لقوى خارجية. الأمر الذي تعتبره غالبية، إن لم تكن كل الدول العربية، تهديداً مباشراً لاستقرارها بشكل عام، ولبقاء نظم الحكم فيها بصفة خاصة.
بالمعيار نفسه، يضطلع نظام بشار الأسد بدور وظيفي في مواجهة ما تعتبره بعض الدول العربية مشروعاً أو مخططاً تركياً إقليمياً، يعمل على عودة الهيمنة الإمبراطورية العثمانية بشكل معاصر.
ومن شأن غياب هذا الدور الوظيفي بانهيار نظام حكم الأسد أن يسمح لأنقرة بالتجرؤ على اختراق سورية واتخاذها بوابة واسعة إلى الفضاء الاستراتيجي العربي. وقد بدأت بالفعل بعض ملامح هذا التصور تتحوّل إلى واقع على الأرض، بالتدخل العسكري التركي المباشر لمواجهة النفوذ الكردي، وإقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية. ولم يعد سراً أن أنقرة تسعى إلى إحداث وضع جديد تملك فيه نقاط وجود عسكري ومحطات انطلاق، وبالتالي قدرة على التحرك داخل الأرض السورية في أي وقت.
مقابل هذه السياقات المشتركة بين العرب وبشار الأسد، هناك سياقات أخرى تحتاج إلى ضبط، ووضع نقاط فوق حروفها. ومن أهم تلك الحروف وضعية إيران، وبروزها الراهن في الجملة السورية، فالدول العربية تدرك جيداً أن الوجود الروسي مؤقت، وفي النهاية هو وجود عسكري، بينما التغلغل الإيراني هناك متنوع ومتشعب، بشكل يجعل تفكيكه أمراً معقداً، وعمليةً قد تستغرق وقتاً غير قصير، فضلاً عن استحالة مواجهة ذلك التغلغل من دون موافقة تامة ومشاركة فعلية من نظام الحكم السوري.
ليس واضحاً ما إذا كانت الدول العربية تدرك الفرق بين "تعريب" الدولة السورية مجدّداً، بعد أن صارت تحت هيمنة روسية إيرانية، و"تعويم" شخص بشار الأسد الذي فقد أهميته شخصاً منذ ثلاث سنوات، وبات رمزاً لنظام. لكن المؤكد أن إعادة سورية/ بشار إلى الحاضنة العربية غير ممكنة من دون تفاهم عربي وتنسيق مع موسكو وقبول من واشنطن. إذن، هي صفقة متعدّدة الأطراف، ولكل طرف مكاسب يتوقعها أو يتمنّاها وأثمان سيدفعها أو يُدفع دفعاً إليها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.