شجرتان وعائلة

11 أكتوبر 2015
كانت الشمس تصل إلينا والنجوم تحمينا (Getty)
+ الخط -

ربما نقع بعد قليل أو غداً. ثمة هاوية عميقة. مهلاً تكاد لا تنتهي، كأنها حلم. النهار يمحو ذلك المتسلّل في العتمة، ويظن أنه يضيء أشياء جديدة. يخبرنا أن الشمس تسطع فوق كل ما تراه تحتها. حتى أنها تنير البشر وتزيل شرورهم. تراها تعقّمهم. هذا حلم النهار، مثل بداية الأشياء. نثق به لأنه بداية ونخشى الليل لأن حياتنا تصب فيه. نخلع ثيابنا ونستلقي تحت سقف ممدّد أسفل النجوم. لا نراها. نتخيل فقط أنها بقايا شمس. فإن راحت تماماً، يعم الشرّ.

النجوم مثل ملائكة تقينا شرنا. بدأ الليل أو انتهينا إليه. وهج النجوم ضعيف. والتفاح يسقط من الأشجار. ما زال لونه مائلاً إلى الأصفر. باهت وإن كان طعمه حلواً. لن نخطئ. طاهرون نحن. ربما تأكله صغيرة جائعة. العلكة لا تشبعها. لا تتحلّل في جسدها. أحياناً تلتصق على جدران معدتها. أمها تقول لها ألا تبلعها. فقط تمتصّ سكرها وترميها. وهذه عبرة. الأشياء الحلوة لا تدوم. وفي الحياة، ليس هناك ما يكفي من علكة لنمتص سكرها كلّما انتهينا إلى ليل. أمها تصمت اليوم. وإن أكلت تفاحاً بعد العلكة، ستصمت أيضاً.

الشمس لم تُنقّ الأحداث. كنا نرسمها في زاوية الورقة البيضاء، تنير بيتاً سقفه من قرميد أحمر، ونرسم شجرتين على يمينها ويسارها، وعائلة سعيدة يلهو أطفالها. عرفنا أنهم سعداء حتى لو لم نصنع لهم ثغوراً باسمة. أطفال الورق أفضل حالاً إذاً. وشمس الورق أكثر دفئاً ولا تخطئ في نثر أشعتها بين الأوراق.

الأفضل أن نُنشر على حبال الغسيل. كلّما ابتلينا بالشرور، سلمنا أنفسنا للشمس. على الأرجح، لم تكن تصل إلى بيوتنا وأماكن عملنا. تحت، في المدن، سقفٌ تلو آخر. وهي تعبت من المراوغة. على الحبال سنتمدد طويلاً. وفي الليل، نتقيأ وقد تلقينا ضربتها. وإذا ما عجزت صغيرتنا عن إيجاد ما تأكله غير العلكة، سننتظر شمساً بفارغ الصبر. وبعد الآذان، سننشر أنفسنا على الحبال بلا ملاقط. لا بأس إن خرجت روائح كريهة من أجسادنا. لا ذنب للشمس. نحن فقط لم نكن قادرين على شمها.

ونحن صغار أفرغنا الكون من شموسه، والزوايا من فراغاتها. هناكَ، كانت حيواتنا مجرّد رسمة واثنتين وثلاث، وألف. نراقب غيوماً تحتل شمساً وأحياناً العكس. وفي الليل، نسمع الحكايا. حورية البحر والجميلة والنهايات السعيدة. كانت الشمس تصل إلينا، والنجوم تحمينا. سقوف كثيرة اليوم وأوراق أقل. لو نحصل على واحدة فقط، ونصنع قارباً نرسله إلى صغيرتنا لتصعد إليه وحدها. وفي الورقة، قد تجد شمساً قديمة وشجرتين وعائلة.

اقرأ أيضاً: حلقات دائريّة
المساهمون