تتبلور شيئاً فشيئاً معالمُ الأيام المقبلة في عموم المنطقة الجنوبية لسورية، خاصة محافظة درعا، التي تُسيطر المعارضة السورية على نحو ثلثي مساحتها، فيما يُخضع النظام المساحة المتبقية، مع وجودٍ ضئيلٍ محصور ببعض قرى وادي اليرموك لـ"جيش خالد" (المُبايع لداعش)؛ إذ تتأهبُ فصائل الجيش السوري الحر هناك لـ"خيار الحرب"، مع دفع النظام السوري لتعزيزاتٍ عسكريةٍ "ضخمة" نحو المحافظة.
وتلوحُ وفق المُعطيات الحالية بوادرُ معارك كبرى قد تشهدها المنطقة الجنوبية لسورية، قريباً، خاصة أن مساء الإثنين شهد تقدماً طفيفاً للنظام نحو ما يُسمى بـ"كتيبة حران"، شرق درعا، بالقرب من مدينة بصر الحرير، التي تعرضت خلال الأيام الأربعة الماضية لهجماتٍ مدفعية عدّة، أدت إلى مقتل سبعة مدنيين على الأقل.
كذلك شوهدت مع هذه التطورات أولى حركات النزوح لمدنيين من هذه المدينة، نحو عمق مناطق سيطرة المعارضة في درعا، خشية تقدم قوات النظام.
وعلى الرغم من أن تقدم النظام في "الكتيبة"، لا يمنحه أي تفوق استراتيجي، و"لا يُعتبر بحد ذاته إنجازاً عسكرياً، لكون الكتيبة كانت خالية من عناصر الجيش الحر"، بحسب قيادي عسكري بالمعارضة، إلا أنّ الذي يؤرق الفصائل العسكرية التابعة للجيش الحر في درعا، هو حجم التعزيزات العسكرية للنظام، التي تصل تباعاً لشرق المحافظة، وقد كثَّفَها الأخير بدفع أعداد كبيرة من القوات البرية، المزودة بدباباتٍ وناقلات جندٍ، ومدافع ومنصات لإطلاق الصواريخ.
وفيما تقول وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري إن هذه التعزيزات العسكرية هي لـ"معركة الحسم" التي "اقتربت" في درعا، أصدرت بدورها كبرى الفصائل المُعارضة هناك بياناتٍ "حربية"، قالت فيها إنها "ذَخَّرتْ سبَطانات البنادق والمدافع، وأعدت لأسوأ الخيارات".
وأجرت هذه الفصائل العسكرية استعراضاتٍ عسكرية عدّة، على مدار الأيام العشرة الماضية، لإظهار عدد أفرادها وحجم سلاحها ونوعيته، بالتزامن مع دفع النظام لمزيدٍ من التعزيزات العسكرية، في وقتٍ كانت اتصالات أهم الدول الإقليمية والدولية المؤثرة في درعا جارية، لمحاولة التوصل إلى حلٍ يُغلق ملف المنطقة الجنوبية المُدرجة ضمن اتفاقٍ روسي - أميركي بمشاركة الأردن وإطلاع إسرائيل، لوقف التصعيد فيها منذ منتصف السنة الماضية.
غير أن الوقائع تقول إن هذا الاتفاق يفقد صلاحيته، إذ ومع بسط النظام لنفوذه في الغوطة الشرقية منذ إبريل/نيسان الماضي، بدأت إرهاصاتُ عودة التصعيد لدرعا بالظهور، وهذا ما تأكد لاحقاً عندما بدأ النظام يقول صراحة إنه متجهٌ إلى درعا لـ"استعادتها عبر المصالحة أو الحرب".
وكانت الولايات المتحدة قد حذرت، الأسبوع الماضي، على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية في واشنطن هيذر نويرت، من أنها "ستتخذ إجراءات حاسمة ومناسبة"، في حال أقدم النظام على التصعيد العسكري في درعا، بينما من المعروف أن المطلب الإسرائيلي هناك وفي عموم المنطقة الجنوبية لسورية، هو إبعاد المليشيات الإيرانية من هناك نهائياً، كي تكون بعيدة عن حدود فلسطين المُحتلة، فيما تُكافح المملكة الأردنية لإيجاد حلٍ، بعيداً عن "الحرب"، لخشيتها من موجات نزوحٍ جديدة نحو شمالي الأردن، وهي التي أعربت أساساً عن موقفٍ مرنٍ نحو عودة النظام للسيطرة على المناطق الحدودية معها.
وتلعب التوافقات السياسية بين الدول الإقليمية والدولية الكبرى الفاعلة في سورية، دوراً أهم وأكبر من الميزان العسكري على الأرض، في معارك كثيرة سابقة في سورية، وهو ما ينسحب أيضاً على الوضع في المنطقة الجنوبية لسورية، التي لها خصوصيةٌ لكونها حدودية مع كل من الأردن وفلسطين المُحتلة.
غير أنه ومع عدم توصل الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، بالإضافة لإسرائيل، التي زار رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، أمس، العاصمة الأردنية والتقى مع الملك عبد الله بن الحسين، لحلٍ توافقي حتى الآن، طغت أجواء الاستعدادات والجاهزية العسكرية للنظام والمعارضة على الأرض وفي وسائل الإعلام.
ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، الإثنين، عن "مصدر ميداني" قوله إن "الجيش(السوري) لن ينتظر كثيراً"، حتى تُقرر فصائل المعارضة "المصالحة أو الحرب"، قائلاً: "يبدو أن معركة الجنوب تقترب أكثر فأكثر لا سيما في الجزء الغربي المتعلق بدرعا والقنيطرة".
وفي هذا الشأن، كان المتحدث باسم "جيش الثورة" (الجيش الحر) أبو بكر حسن، قد قال لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الثورة في المنطقة الجنوبية ترصد تحركات في المنطقة الجنوبية تتمثل بتحريك بعض القطع العسكرية، ورفعنا الجاهزية وأعلنّا أننا جاهزون لرد عدوان مليشيات الأسد وإيران، ومستمرون بتأدية واجبنا بحماية أهلنا المدنيين في المنطقة الجنوبية".
وأضاف أن "نظام بشار الأسد مسلوب القرار، فهو لا يملك قرار السلم والحرب، والتحركات تهدف بشكل أساسي للنيل من صمود الشعب، الذي خرج بتظاهرات ترفض الاستسلام تحت مسمى المصالحة".