العم ناصر الفرشيشي، لن أنسى هذا الاسم ما حييت. هذا الرجل الرمز الذي يحمل في طيّاته دلالات المواطن المخلص لبلده. يضحّي من أجله بكل شيء دون أن ينتظر مقابلًا على ذلك.
العم ناصر، رجل تبدو على وجهه ملامح الرضا والقناعة، رغم ما تركه الكبر ومعاناة الدهر من آثار وعلامات لا تخفى عن الأعين.
هو عامل نظافة متقاعد من بلدية باردو إحدى ضواحي تونس العاصمة، كرّس عمره في خدمة هذا الشعب، ورغم تقاعده واصل عطاءه. فكان يصحو كل صباح كعادته التي ظل وفياً لها. يأخذ مكنسته وكيسًا من البلاستيك لينظف شارع الاستقلال بضاحية في حي التضامن بتونس.
فهو يقدّم هذا العمل بكل حب وفرح، و بشكل تطوّعي من دون أن ينتظر مقابلًا. العم ناصر.. هذا الرجل قدّم درسًا للشباب العاطلين عن العمل الذين يفضّلون الجلوس في المقاهي في انتظار أن تتكرّم عليهم الحكومة بمنصب شغل.
قدّم بدوره درسًا لابنه الذي لامه ذات يوم عن العمل الذي يقوم به بعد تقاعده، فابنه الذي يجلس في مقهى الحي، سأله أصحابه عن سبب ما يفعله والده بشيء من السخرية والتهكّم.
عاد الابن غاضبًا إلى البيت، لكن العم ناصر قال له ببساطة: "يا ابني أنت كبرت بفضل هذا العمل ولا يمكن لك أن تخجل منه. فمهنتي شريفة و تفرض احترام الجميع لك وأنت مُطالب بأن تنسج على منوالي وتكون دومًا في خدمة شعبك من أي زاوية تختارها".
حقًا يستحقُّ هذا الرجل أن يتحوّل شارع الاستقلال الذي يعمل فيه، إلى شارع ناصر الفرشيشي. فهو جدير بهذا الجزاء المعنوي على الأقل، عربون تقدير لوفائه وتفانيه في خدمة وطنه وغيرته على نظافة شوارع حيّه وجمالها.