شارع الاستقلال في إسطنبول.. ملتقى السوريين والعرب بجميع أطيافهم

23 سبتمبر 2015
(Getty)
+ الخط -
سوري: ألو، أين نلتقي؟
سوري آخر: في ساحة تقسيم، أول شارع الاستقلال.
موعدنا بشارع الاستقلال، ربما لتوسطه إسطنبول أحد الأسباب، وقد يكون لتوقهم للاستقلال، جل الأسباب، موعدنا بالاستقلال لازمة قد تكون عامة، للقاء بين السوريين، مع بعض شواذ القاعدة، إن كان اللقاء سياسياً، أو له علاقة بصفقات و تهريب، حتى غدا أشهر شوارع إسطنبول الذي يزوره زهاء ثلاثة ملايين شخص يومياً. شارع عربي بامتياز، نظراً لتهافت سيّاح من دول الخليج العربي، والتواجد شبه الدائم لمهجّري دول الربيع العربي، وللسوريين التي ضاقت بهم الأرض على وجه الخصوص، بعد أن ناف عددهم في تركيا على مليونَي لاجئ، حصة إسطنبول وحدها نحو 700 ألف منهم .
وزاد من أصباغ الشارع الممتد لنحو 1400 متر، من ساحة تقسيم، قرب تمثال مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، حتى محطة الترام، مرورا بميدان ومدرسة غلتة سراي، بالطابع الشرقي، بعد أن كان نقطة الانطلاق لمشروع تغريب تركيا منذ عهد السلطان عبد المجيد، أخذ السوريون حصتهم من الأرصفة والطرقات، ليتشاركوا مع الآخرين من كُرْدٍ وأوروبيين، كرنفالات الهواء الطلق اليومية، يمجدون الإنسان والثورات، في طرائق عزف شرقي وغناء عربي ورقص فولكلوري، لم يعهدها الأتراك، في تعلم ثقافات غيرهم، ومعرفة الوجه الآخر للسوريين ومعاناتهم .
يجوب بعض المتسولين السوريين شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم "بيوغلو" وما يتفرع عنه من أزقة ومقاه وملاه، طالبين المعونة للعيش أو لتسديد إيجار البيت، أو ربما لاستكمال مبلغ الهجرة نحو بلاد الأحلام بحراً، في حالة أشبه ما تكون، تكملة لأركان اللوحة السورية، التي جمعتها إسطنبول، بكل خطوطها وتباين ألوانها، لتكون كما تركيا، بديلاً مؤقتاً عن دمشق، إن لم تك أُمّاً للسوريين الذين افتقدوا الحنان، حتى في العواصم العربية.
وتنتهي اللوحة بنقاشات المقاهي ذات الخلافات والأصوات المرتفعة، التي عهدها الأتراك والعابرون عن السوريين، فلكل ممر يتفرع عن شارع الاستقلال، من ممر الزهور وسوق السمك ومسجد الآغا وأزقة السفارات والمطاعم، لون سوري يختلف عن غيره، وربما لا قاسم بينهم، سوى الحلم بنصر الثورة والعودة "للشام" رغم اختلاف اللهجات والانتماءات وأسباب تحميل المسؤولية في تأخير النصر .
يصنف شارع الاستقلال، الذي يمتد من ميدان تقسيم وحتى النفق الذي يربط الشارع بمنطقة كراكوي، مروراً بمنطقة بيرا التابعة لمنطقة بيوغلو في القسم الأوروبي من إسطنبول، بأنه من أشهر الأماكن السياحية بالمدينة التي يزيد عدد سكانها عن 23 مليون نسمة، ويتميز بجمعه كل التناقضات التي تعبر عن الحالة التركية الجامعة للاختلاف، فكما يضم المساجد ويعتبر مصدرا للباس المحجبات من عباءات وأغطية الرؤوس، يشتهر بملاهيه الليلية ومحلات بيع الخمور، فضلاً عن احتوائه على المحال التجارية والمباني الأثرية والمكتبات والمصارف ودور السينما والملاهي والمطاعم وتمثيل كثير من الدول الأوروبية، من قنصليات وسفارات .
ويعود شارع الاستقلال، أو تسميته بهذا الاسم على الأقل، بعد أن كان يعرف بالشارع الكبير وملتقى المثقفين، إلى إعلان الجمهورية التركية في 29 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1923، وقت تم تغيير اسمه، إحياء لذكرى انتصار حرب الاستقلال التركية، وليس بزمن السلطان محمود الأول، الذي أطلق على ميدان تقسيم هذا الاسم، نظراً لكونها نقطة تجمع خطوط المياه وتقاسمها، كما يشاع .
ويحتوي شارع الاستقلال على ترام واي قديم، منذ 1875 وأعيد تشغيله عام 1990 لإحياء الجو التاريخي للشارع، الذي لا تمر عبره السيارات والمركبات الخاصة، ونقل السائحين، من ساحة تقسيم أمام تمثال أتاتورك، الذي نحته الفنان الإيطالي بيترو عام 1928، حتى منطقة النفق القديم في منطقة غلتة، ومنه الوصول إلى البرج، أحد أشهر معالم إسطنبول التاريخية .
وما زال شارع الاستقلال، حتى اليوم، رغم ما شهده من احتجاجات على هدم حديقة "غازة" عام 2013 وما يشهده باستمرار من تظاهرات ومسيرات، منارة ثقافية نظراً لما يحتويه من مراكز الفنون الجميلة وأماكن الترفيه والمراكز الثقافية، كمركز أتاتورك والمركز الفرنسي، فضلاً عن دار الأوبرا ومراكز السفارات والقنصليات الثقافية .
وربما لا جديد طرأ على الشارع الذي لا ينام، سوى ما أدخله السوريون للشارع من محال سورية تبيع الطعام إلى جانب التركية، ومتاجر بيع أقمشة ومنتوجات سورية يدلل عليها "شقيعة" يسحبون الزبون من الشارع، بما يمكن تسميته "الشطارة الشامية".
المساهمون