وكان من اللافت أن يتزامن الاثنان اللذان يرتبط كلاهما بالآخر، بدرجة أو بأخرى. وإذا كانت مباحثات الرئيس الزائر مع سيّد البيت الأبيض قد بقيت عموماً محاطة بالتعتيم ولو أنها نزلت في رصيد الرئيس التركي، إلا أن الحديث عن سياسة الإدارة في سورية وبالتحديد حول التواجد العسكري الأميركي في شمال شرق سورية، قد برز بشكل ملحوظ. لكن بروزه جاء باتجاه المزيد من الغموض والضبابية المقصودة التي تترك الباب مفتوحاً أمام ترامب للعودة إلى ترجمة موقفه الأصلي بالانسحاب من سورية، عندما تقضي حساباته بذلك وبالتفاهم والتناغم مع الخطة الروسية التركية هناك.
ففي غضون 48 ساعة، تبدّل موقف الإدارة بخصوص الدور العسكري الأميركي هناك، وتعدّد بتعدد المسؤولين الذين تحدثوا عن هذا الموضوع. كل واحد أعطاه شحنة خاصة من الالتباس. وزير الدفاع مارك آسبر قال إن الإدارة قررت إبقاء قوة عسكرية هناك "من 600 جندي والعدد قابل للتغيير". لكنه لم يفصح عمّا إذا كان التغيير باتجاه الزيادة أم العكس. من جهته، كان رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك مايلي، أقل وضوحاً بشأن العدد الذي "قد يتراوح على الأرجح بين 500 و600". لكنه نأى عن تحديد حجم القوة ليترك المجال مفتوحاً أمام التغيير. والالتباس لم يقتصر على العدد بل طاول المهمة أيضاً.
وزير الدفاع قال إن هذه القوات "ربما قد تعمل مع قوات قسد لمطاردة بقايا داعش هناك". لكن الرئيس ترامب قال إن القوات الأميركية الباقية في المنطقة معنية "بحماية آبار النفط" في شرق سورية. وكان قد شدّد أثناء استقباله للرئيس أردوغان على أن العمليات العسكرية قد "قضت نهائياً على داعش كما أبلغتني قواتنا الأميركية هناك".
إذا كان الأمر كذلك لماذا إذن التراجع عن الانسحاب ثم الموافقة على إبقاء 200 جندي، ثم تعديل زيادة القوة فجأة لتصل إلى "500 أو 600"؟ جواب الإدارة ليس واضحاً فيما إذا كان تعزيز القوة لملاحقة داعش أم لحراسة منابع النفط السوري بالرغم من شحّ إنتاجه؟ وزير الدفاع آسبر يقول إن "الهدفين واحد"، لأن هزيمة "داعش"، "تقتضي حرمانه من الوصول إلى آبار النفط، وبالتالي من عائداتها التي تمكنه من شراء السلاح".
المبعوث الخاص للملف السوري، جيمس جفري، قال في لقاء مع الصحافة، يوم الخميس الماضي إن "سياستنا السورية لم تتغير"! كرر هذا الكلام السفير ناثان سيلز المختص بمحاربة الإرهاب الذي شارك جفري في اللقاء. لكن كلاهما عزف عن الدخول في التفاصيل لأن الادارة تتعاطى مع الملف السوري في ضوء تطورات اللحظة، في غياب المبادرة المبنية على سياسة طويلة الأمد؛ على نقيض السياسة الروسية الهادفة في سورية.
من هنا المأخذ على الإدارة بأنها تمارس سياسة التبعية، وبما يعزز التشكيك بأن ترسو على خط معيّن خلال المتبقي من ولايتها الذي سيكون رهينة لعملية إجراءات العزل كما للحملة الانتخابية.
من البداية كانت سياسة واشنطن من الأزمة السورية غير مستقرة. ومع إدارة ترامب تسارعت وتيرة تذبذبها. وبالتحديد حول الدور العسكري الأميركي في شمال شرق سورية. الموقف بخصوصه بقي وما زال يتأرجح بين الرغبة بالانسحاب والعدول عنه، بين تقليص هذا الحضور وتعزيزه. وفي كل الحالات كانت الضبابية القاسم المشترك وبما يحمل على الترجيح بأنه مستمر على هذه الحال خلال المتبقي من إدارة ترامب. موقف في الدائرة الرمادية بحيث يسمح بحرية التبديل والتغيير حسب مقتضيات اللحظة، والتي تشكل ركيزة السياسة الخارجية الترامبية.