سورية: زوجة ثانية تحت خط الفقر

27 مارس 2017
(حفل زفاف في كوباني السورية، تصوير: ياسين أكغول)
+ الخط -


بعد سنوات من المعارك الطاحنة في سورية، وما نتج عنها من تدهور للوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، بدأت تظهر الأرقام والنسب الصادمة حول الفقر وآثاره، وأعداد النساء مقابل الرجال وانتشار ظاهرة تأخّر الزواج، وحالات الطلاق وحالات الزواج غير مكتملة الشروط التي نشرتها مراكز الدراسات والمؤسّسات الرسمية وغير الرسمية.

وتشير هذه الإحصائيات إلى أنه مقابل 65% من نسبة الإناث، هناك 35% من الذكور في سورية، ما يدّل على غياب كبير للشبان الذين تفرّقوا، هاجروا، ومن قتلوا جرّاء المواجهات والقصف والتعذيب في المعتقلات والتجنيد الإجباري.

وتضيف المصادر أن أكثر من 70% منهم يعيشون تحت خط الفقر، بمعدّل أقل من 60 دولارًا للفرد شهريًا، وأمام انخفاض القوّة الشرائية لليرة السورية بنسبة 90% من قيمتها، بادر القاضي الشرعي الأوّل للنظام بدمشق محمود المعراوي باقتراح "الزواج الثاني كأحد الحلول للقضاء على ظاهرة تأخّر الزواج التي بلغت 70% بين الإناث".

نمت بين هذه النسب والأرقام، ظاهرة "الزواج الفاسد" أو غير الصحيح بسبب غياب الحماية القانونية، كزواج قاصرات ممن أجبرن عليه، وتزويج المرأة لرجل آخر من دون أن يحصل طلاق من الرجل الأوّل بإرغام من أحد أطراف العائلة أو تحت ضغط الظروف البائسة، مثلما حصل مع الشابة أمل التي تعيش أسوأ الظروف في إحدى بلدات جنوب العاصمة دمشق، وكان أخوها قد أرغمها على الزواج من رجل آخر بعد أن هجرها زوجها الأوّل ولم يحصل طلاق أو أي تفرقة بين الطرفين، وتستقبل المحكمة الشرعية بدمشق عددًا كبيرًا من معاملات تصحيح الزواج بحسب تصريحات القاضي الشرعي ذاته.

ويرى أسامة محيسن (40 سنة)، ويقيم بجرمانا في دمشق، أن قرار المعراوي "هو ما يحتاج إلى تصحيح وليس الزواج"، مردفًا رغم إبداء رغبته بالزواج "كيف لنا بواقع هذا الغلاء والفقر وعدم توافر الأمن أن نقوم بالتوفيق بين اثنتين ولو كانت متطلّبات أهل المرأة الثانية بسيطة؟".

من جهتها استخفّت الشابة هديل بالفكرة، ورأت أنها تزيد من أعباء الأنثى في سورية وتدعو الرجال إلى ممارسة أكثر قسوة مع النساء، و"تشعره بأنه يملك تهديدً جديدًا لحياتنا يمارسه عندما تحدث المشاكل بين الطرفين".

في الوقت الذي تنتشر به حالات تأخّر الزواج وما يُثار من جدل حول الزواج الثاني، ترتفع في الجهة الأخرى حالات زواج القاصرات اللواتي لم يبلغن الـ 18، بل أعمار بعضهن لم تبلغ الـ 12 والـ 13 عامًا، تزوّجن بالإكراه في كثير من الحالات ودون إدراك منهن، لتخفيف الأعباء الاقتصادية أحيانًا، ومن تلك الزيجات ما يكون قصير الأجل فيكون أشبه باستغلال جنسي تحت مسميات قانونية.

بالتزامن مع هذه الوقائع، ظهرت صفحات ومجموعات الزواج على الفيسبوك، كمجموعة "زواج سوريين بشرع الله"، و"زواج سوريين بالشام وكافة أنحاء المحافظات السورية"، والكثير على الشاكلة ذاتها، يتمّ فيها نشر مواصفات للفتيات والشبان من كافة الفئات والمهن ومستويات التعليم والأعمار، ممن يرغبون بالزواج، فتجد "فتاة سمراء طويلة.. العيون سود.. محجبة.. ترغب بالزواج في الشام ولا مشكلة إن كان على سفر"، ويذيّل الآدمن هذه الإعلانات بالرجاء من المهتمين التواصل على الخاص.

وترى الفتاة ضحى، وهي إحدى روّاد مجموعات الباحثين عن الزواج، فإن مثل تلك المجموعات هي بمثابة "خطابة إلكترونية بعد أن كانت الخطّابة تدور بين المنازل على أقدامها"، وتوافقها الرأي الشابة رولا التي كانت من عائلة ميسورة الحال قبل تدهور أوضاعها، بأنه "لا مانع من التعارف لا أكثر من خلال هذه المجموعات، فيُمكن أن يأتي الحب أو الزواج عبرها، وإن لم يكن ذلك فأنا حرّة خلف الشاشة".

تدلّ الأرقام السابقة والحالات المنتشرة وما نتج عنها من ظواهر متناقضة وجديدة في المجتمع السوري، على مدى تشرذم الحالة الاجتماعية، وتشتّت أوصال الأسر، وانتهاك مستمر للأنثى في ظلّ غياب القانون، كل ذلك دون ذكر من غيّبهم النظام في المعتقلات، والظروف التي تعيشها الأسرة السورية وشباب خارج سورية، وخاصّة في دول الجوار مثل لبنان والأردن وفي مخيّمات اللجوء على الحدود، ومن يخضعون لسيطرة "داعش"، وما أعقب هذه الظروف من انتهاكات متلاحقة تعرّضت لها الفتاة السورية وغاب من يدافع عنها في أماكن لا أمان فيها ولا قانون يحكمها.

       
المساهمون