تعيش محافظة إدلب والأجزاء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في كل من ريفي حماة واللاذقية، بالإضافة إلى ريف حلب الغربي، حالة ترقب حذر، بانتظار ما ستؤول إليه التفاهمات بين روسيا وتركيا حول مصير هذه المنطقة، وحول شكل الحل الذي يسبب الرعب لسكان تلك المناطق فيما إذا كان عسكرياً. ففي الوقت الذي طمأنت فيه تركيا، بعد اجتماعات سوتشي الأخيرة، بأنه سيتم الحفاظ على إدلب كمنطقة خفض تصعيد، تشير كل التصريحات الروسية إلى أن موسكو ستقود عملاً عسكرياً في المحافظة، ولكن ضمن بعض المناطق في اللاذقية وريف إدلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، فيما يقود النظام حملة إعلامية، عنوانها العريض أن الوجهة القادمة لقواته هي إدلب، هذا في الوقت الذي بدأت فيه قوات النظام في محافظة درعا بحملة اعتقالات ضمن البلدات التي سيطرت عليها دون مصالحات.
وتبين التصريحات الروسية المتلاحقة حول بعض المناطق في محافظة إدلب النقاط التي من الممكن أن تكون أهدافاً للعملية الروسية في المحافظة، والتي كان آخرها تحذير وزارة الدفاع الروسية من أن مسلحين من "هيئة تحرير الشام" (التي تعتبر جبهة النصرة عمودها الفقري) وتنظيمات أخرى يحشدون قواتهم في شمال محافظتي حماة واللاذقية وفي جنوب غرب مدينة حلب، ويقصفون من هناك مراكز سكنية، الأمر الذي اعتبره مراقبون أنه قد يكون تمهيداً للعملية العسكرية المرتقبة للنظام وروسيا في المنطقة، والتي رجحت مصادر عسكرية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن تكون "محدودة"، وتشمل ريف اللاذقية وغرب إدلب وشمال حماة، وليس محافظة إدلب كلها. ودعت الدفاع الروسية، على لسان رئيس المركز الروسي للمصالحة في سورية، اللواء أليكسي تسيغانكوف، "قادة التشكيلات المسلحة غير الشرعية إلى التوقف عن العمليات الاستفزازية المسلحة، والتحول إلى مسار الحل السلمي في المناطق الخاضعة لهم" حسب قوله. وأضاف تسيغانكوف أن المسلحين الناشطين في منطقة خفض التصعيد في إدلب "مستمرون في انتهاك نظام وقف إطلاق النار، حيث قتل عسكريان سوريان وأصيب 4 مدنيين جراء القصف خلال الساعات الـ24 الماضية".
هذا وكانت اندلعت صباح أمس الجمعة اشتباكات متقطعة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين فصائل المعارضة وقوات النظام على جبهة السرمانية في سهل الغاب غربي حماة، بالتزامن مع قصف من قبل قوات النظام استهدف مناطق المعارضة هناك. وأعلن "الحزب الإسلامي التركستاني" أنه تمكن من قتل وجرح عدد من عناصر قوات النظام ومحاصرة مجموعة حاولت التسلل على محور جبهة السرمانية. كما امتدت الاشتباكات إلى محور المشاريع في سهل الغاب. واستهدفت قوات النظام الموجودة في جورين، بقذائف المدفعية الثقيلة والصواريخ، قرى قسطون والزيارة والقرقور غربي حماة بالتزامن مع تحليق مكثف لطيران الاستطلاع في المنطقة. وطاول القصف المدفعي أيضاً منطقة تل عثمان وقرية البانة في الريف الشمالي الغربي لحماة. وفي محافظة حلب، قصفت قوات النظام مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في حي جمعية الزهراء غرب مدينة حلب. وطاول القصف أيضاً منطقة الكاستيلو والملاح شمال حلب، فيما سقطت قذيفة على حي شارع النيل في القسم الغربي من مدينة حلب الخاضعة لسيطرة قوات النظام. كما سقطت عدة قذائف، أمس الجمعة، على منطقة الحمدانية في القطاع الغربي من مدينة حلب، ما تسبب بأضرار مادية، بينما أفادت أنباء عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة خمسة، جراء سقوط قذائف صاروخية، ليلة أول من أمس، على أحياء شارع النيل والزهراء وحلب الجديدة والمهندسين في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة قوات النظام.
ورغم التصريحات المتلاحقة للنظام، والتي بدأت من الإعلان عبر رأس النظام بشار الأسد، أن إدلب هي الهدف المقبل لقواته بعد درعا، إلا أن المتابعين للوضع في المنطقة يرون أن القوات الروسية ليست بوارد دعم عملية واسعة في إدلب بسبب كلفتها السياسية والعسكرية الكبيرة. فمن ناحية سياسية ستؤدي عملية واسعة على إدلب إلى تراجع كبير في العلاقة المتنامية بين روسيا وتركيا، فيما يتواجد في محافظة إدلب، عسكرياً، عدد كبير من المقاتلين الذين لم يتبقَّ لهم ما يخسرونه، وفي الوقت ذاته قد يفتح خط إمداد لهم من تركيا على عكس الوضع مع الجنوب. وبالتوازي مع التحركات العسكرية، انتهت تركيا، أول من أمس، من ترتيب فصائل المعارضة ضمن كيان موحد سمي "الجبهة الوطنية للتحرير" كي يكون نواة لحل مشكلة "جبهة النصرة" والتنظيمات المشابهة، سواء بإقناعها بحل نفسها أو محاربتها، في الوقت الذي بدأت فيه "هيئة تحرير الشام" بحملة منذ 28 مايو/أيار الماضي، تستهدف خلايا تنظيم "داعش" شمالي إدلب، مع فرض حظر للتجول في عدد من المناطق بسبب تلك الحملة. كما توعدت فصائل من الجيش السوري الحر وكتائب إسلامية في محافظة إدلب قبل أيام بقتل كل شخص يروج لعقد "مصالحات" مع النظام.
وفي جنوب سورية، وبعد تمكن قوات النظام من السيطرة على محافظتي درعا والقنيطرة وإنهاء ملف تنظيم "جيش خالد بن الوليد"، المبايع لتنظيم "داعش"، في منطقة حوض اليرموك، بدأت تلك القوات منذ الخميس الماضي بحملة من الاعتقالات والمداهمات في عدد من قرى وبلدات اللجاة في ريف درعا الشمالي الشرقي. وأكد ناشطون من المنطقة، لـ"العربي الجديد"، على مداهمة مليشيا "النمر"، التي يقودها العقيد سهيل الحسن المحسوب على روسيا، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، بيوت المدنيين واعتقال اكثر من 80 شاباً مدنياً ومقاتلاً من قرى اللجاة بعد تفتيش منازلهم وسوقهم إلى جهة مجهولة وسط توتر بين صفوف المدنيين. وأوضح الناشطون أنّ حملة الاعتقالات تركزت على قرى وبلدات مسيكة والزباير وقيراطة، بينما رافقت القوات المقتحمة طائرة حربية تحلق على علو منخفض. يذكر أنّ منطقة اللجاة وقّعت على اتفاق تسوية مع قوات النظام، تم خلاله ترحيل غير الراغبين بالتسوية إلى إدلب، فيما تم إعطاء مهلة قدرها ثلاثة أشهر قبل سوق الموقعين على التسوية للخدمة العسكرية بجيش النظام.
وتواصل قوات النظام عمليات تمشيطها للوديان الواقعة أقصى ريف درعا الجنوبي الغربي، وذلك بعد استسلام نحو 90 عنصراً من "جيش خالد" كانوا تجمعوا في منطقة وادي اليرموك مع مدنيين آخرين، وتعرضوا لإطلاق نار من قبل قوات النظام، ومن قبل حرس الحدود الأردني، إضافة إلى جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين قتلوا سبعة منهم. وبعد محاصرتهم في بقعة ضيقة، استسلم العناصر لقوات النظام بالقرب من قرية القصير، حيث اقتادتهم قوات النظام عبر حافلات إلى جهة مجهولة. وحسب مصادر في المنطقة، فإن هؤلاء العناصر كانوا يرغبون في عقد اتفاق مع قوات النظام لنقلهم إلى شرقي السويداء، أسوة بالدفعة التي خرجت قبلهم من منطقة وادي اليرموك، لكنهم تراجعوا عن ذلك بعد تصفية العشرات من زملائهم على أيدي فصائل كانت معارضة وهي تقاتل اليوم مع قوات النظام. في هذا الوقت، تتولى روسيا التفاوض مع تنظيم "داعش" لإطلاق سراح 30 سيدة وطفلا خطفهم قبل أكثر من أسبوع خلال هجوم شنه في محافظة السويداء. وقال أحد مشايخ عقل الطائفة الدرزية في سورية، الشيخ يوسف جربوع، لوكالة "فرانس برس"، إن "الجانب الروسي يتولى التفاوض بالتنسيق مع الحكومة السورية"، معرباً عن اعتقاده بأن التنظيم "خطط لاختطاف رهائن بهدف الضغط على الدولة السورية لتحقيق مطالب معينة". ولم يحدد جربوع ما هي مطالب "داعش"، إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أوضح أن التنظيم يطالب بإطلاق سراح مقاتلين تابعين له تحتجزهم قوات النظام من منطقة حوض اليرموك. وناشد جربوع "المجتمع الدولي والأمم المتحدة مساعدتنا لإطلاق سراح الرهائن والضغط لعدم استخدام المدنيين كدروع بشرية". وقال "المشاعر حزينة للغاية مع قلق تام لدى أسر المختطفات كما هو حال أسر الشهداء"، مضيفاً "تعرضنا لمحنة، لمصيبة كبيرة".