سورية البلد الأخطر على الصحافيين

03 مايو 2016
سورية البلد الأخطر على الصحافيين (Getty)
+ الخط -
منذ انطلاقة الحراك الشعبي في سورية، آذار/ مارس 2011، اعتبرت السلطات السورية أن من أول أولوياتها التعتيم على ما يجري في البلاد، وخنق أي محاولة لنقل أخبار المظاهرات وأية أنشطة مناهضة لها، لوسائل الإعلام. لذلك بادرت إلى إغلاق المكاتب الصحافية لوسائل الإعلام العربية والأجنبية، إلا تلك المنسجمة في تغطيتها مع رواية السلطة عما يجري. كما عملت على ملاحقة ما عرف بالناشطين الإعلاميين الذين برز دورهم تدريجيًا في سد الفراغات الناتجة عن غياب وسائل الإعلام التقليدية، فقتل واعتقل المئات منهم خلال السنوات الماضية، وهم يحاولون نقل حقيقة ما يجري إلى العالم الخارجي، واعتراض رواية النظام التي ما زالت تصور المعارضة بكل تلاوينها، كمجموعات مأجورة أو إرهابية.

وخلال السنوات التالية، نجحت بعض وسائل الإعلام في إيجاد موطئ قدم لها داخل سورية بالاعتماد على الناشطين في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، بعد إخضاعهم لدورات تدريبية، أو حتى أحيانًا بشكل مموه في مناطق النظام نفسها. أما المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فما زال العمل الصحافي فيها مغامرة خطرة، قلة فقط من تجرؤوا على خوضها، ومن ثم مغادرة تلك المناطق قبل انكشاف أمرهم.

ويقوم الناشطون اليوم، المدربون منهم والذين يتعاونون مع وسائل إعلام معروفة، أو غير المدربين والذين يغطون الأحداث بشكل فردي أو عبر مؤسسات محلية، بالدور الأبرز في تغطية أخبار المعارك والقصف اليومي ومختلف أوجه الحياة التي باتت تتشابك فيها المصالح والأجندات، بحيث تنقل روايات متعددة، للحدث الواحد، في ظلّ تضارب المصالح المحلية والإقليمية والدولية.

وما يجري في حلب اليوم، يعطي صورةً واضحة عن هذا الوضع. وبينما تضجّ المنصات الإعلامية المتعاطفة مع المعارضة بالحديث عن مجازر ترتكبها قوات النظام في شرقي المدينة من خلال استهداف الأحياء السكنية والمراكز الطبية، موقعة مئات القتلى والجرحى، تصور وسائل الإعلام المتعاطفة مع النظام الأمر بشكل معكوس، وتتحدث عن قصف فصائل المعارضة لغربي المدينة الخاضعة لسيطرة قوات النظام، بل و"يستعير" بعضها أحيانًا مشاهد من نتائج القصف على شرقي المدينة، ويقدمها على أنها من آثار قصف المعارضة لغربي المدينة، وهو خداع وقعت فيه حتى محطات تلفزيونية مرموقة مثل "بي بي سي" العربية التي قدمت قبل يومين اعتذارًا عما سمته "خطأ" وقعت فيه في هذا الإطار.


ولا يختلف الأمر في بقية المناطق السورية، حيث لكل قصف، ولكل مجزرة، ولكل ظاهرة سلبية، روايات عدة، واحدة للنظام، وأخرى للمعارضة المتخاصمة، أو للناشطين المتعاطف كثير منهم مع هذا الفصيل أو ذاك، وهو ما يضيع الحقيقة غالبًا، ويضيع معها حق الضحايا والمظلومين في إيصال صوتهم، ومعاناتهم إلى العالم.

وإذا كان العمل الصحافي في مناطق سيطرة النظام محفوفا بالمخاطر، ويخضع لضغط شديد، حتى لا يستطيع أي شخص رفع هاتفه لتصوير أي شيء، من دون أن يخضع للمساءلة والاعتقال، فإنّ العمل في مناطق سيطرة تنظيم "داعش" لا يقل خطورة، حتى أنّ أغلب الناشطين غادروا تلك المناطق، باتجاه مناطق سيطرة المعارضة أو تركيا، لكن ذلك لم يحفظ أمانهم، وجرى قتل بعضهم حتى داخل تركيا، كما حدث مؤخرا مع الصحافي زاهر الشرقاط وقبله مع الصحافي ناجي الجرف.

أما الصحافيون الذين يعملون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فإنّهم يتمتعون بقدر أكبر من الحرية في العمل، ولكنهم يعملون تحت التهديد المتواصل للقصف والهجمات التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين. لكن حتى في هذه المناطق لا يتم التسامح دائماً مع النقد اللاذع لجماعات المعارضة وتصرفاتها، وكثيرًا ما تعرض العاملون في النشاط الإعلامي هناك للملاحقة والتضييق والاعتقال، مع تحطيم معداتهم ومقراتهم في بعض الأحيان.

أما المناطق المتنازع عليها، وخاصةً تلك التي تتشارك السيطرة عليها جماعات متطرفة، بما فيها الوحدات الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، فهي خطرة بدرجة كبيرة، حيث تعرض صحافيون سوريون وأجانب بصفة مستمرة للاختطاف والمعاملة القاسية هناك.

كما يعاني العاملون بحقل الإعلام في سورية، من ضعف الإمكانات، وعدم تلقي أية رواتب أو مكافآت عن عملهم في كثير من الأحيان، مما يجعل نتاجهم غير احترافي، وتنقصه المصداقية، فيما يظلّ الأمن الشخصي الهاجس الأكبر لكثير منهم، فيضطرون إلى تغيير أماكنهم باستمرار وبسرعة كبيرة لتجنب الوقوع في الأسر أو حتى القتل، فضلاً عن عدم إمكانية تحييد مشاعر من يعيش المعاناة، إذا كان هو نفسه من يكتبها، أو يحاول نقلها للعالم.

وسورية، ما زالت تحتل منذ سنوات مرتبة "المكان الأخطر على الصحافيين" في العالم، نظرًا لنسبة القتلى منهم في هذا البلد، والذين تجاوز عددهم العام الماضي وحده 110 صحافيين بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، بينما تعرض المئات منهم للاعتقال والخطف، خاصة من جهة النظام السوري وتنظيم "داعش".


المساهمون