حيث لا تنتهي الحرب أبداً
انتبهوا..
هذا الرغيفُ الأبيض الفاخر،
الذي يظهر كل ليلة،
في السماء،
ويبدو نحيلاً ـ أحياناً ـ
كعودِ قَصب،
ومستديراً
ـ أحياناً ـ
كقُرطٍ في أذنِ الغيم،
ليس قمراً،
صدِّقوني،
إنه آخر ما تبقى من دموعِ أجدادِنا،
الذين ماتوا في سالفِ الأزمان،
ببطونٍ خاوية.
هذا الرذاذُ الخفيفُ،
الذي يسقط في الخارج،
ـ الآن ـ
فيوحِل الأرضَ،
تحت أقدامنا،
ليس مَطراً
ـ ولا يَحزنونْ ـ
إنه عرقُ أجدادِنا،
الذي جمَعَه ملوكُ الأزمنة الغابرة،
وخبَّأوه ـ كالعادةِ ـ
في عَباءةِ السماء،
ليروي الأرضَ التي يحرسُها الأحفادُ
إلى الأبدْ.
هذا الشاطئ،
الذي يتمدّد كمَخدعٍ للأشجار والعصافير،
وتلك المياه التي تجري منسابةً
إلى الجحيم،
ليست نهراً،
بل دموع أمهاتٍ فقدنَ أبناءهنّ في الحرب،
وبعد عصورٍ سَحيقة،
قرَّرت هذه الدموع،
أن تلقي نفسَها في البحر،
بسببِ هذه الحرب،
التي لا تُريدُ
ـ أبداً ـ
أن تنتهي.
■ ■ ■
نُدبة
كقُبلةِ وداعٍ
مزّقتها صافرةُ القطار،
كحافلةٍ سَقطت في النهرِ
فتبللت جيوبُ الموتِ
فجأةً.
كالذنوبْ والخطايا.
كسنٍّ مَعدنيةٍ تلمع،
فوق شفاه قاتل.
كشمعةٍ.
كطلقةٍ في الميدان،
مُصوَّبةٍ منذ أعوامٍ،
لكنها لم تصل
ـ بَعْد ـ
إلى سويداء القلب،
كطريقٍ فرشناه معاً
بالأسى والحنين،
كسمكتيْن وحيدتيْن
في "حوض" ضائع
أحبُّك..
أحبّك
كنُدبةٍ.
* شاعر مصري