سلافة معمار تصنع من معتقلها مدرسة للتمثيل

04 يوليو 2014
أحد مشاهد "قلم حمرا"
+ الخط -
يبدو أداء النجمة السورية سلافة معمار في مسلسلها الأخير "قلم حمرة"، للمخرج حاتم علي والكاتبة يم مشهدي، درساً في فنّ التمثيل. هذا على الأقلّ ما تشي به مشاهد شخصيتها "ورد" المعتقلة. فإذا كانت مساحة الحكي كبيرة لدى شخصيتها خارج المعتقل، فإنّها، أي الشخصية، تحتاج إلى ما هو أكثر من الحكي في داخل المعتقل.
في أمتار السجن المحدودة، وسط ظلام نسبيّ، حيث الحركة مقيّدة، تتفجّر أحاسيس فيها الكثير من الانفعالات رغم القليل من الحركة. وهو أمر يحتاج إلى أكثر من ممثلة تؤدّي فعل الضحك، أو فعل البكاء، أو فعل الغضب... المطلوب هنا سينوغرافيا جسدية ونفسية متلوّنة ومتشابكة في آن معاً. كأن يضحك الحزن الذي فيك، ويتكلم الصمت في وجهك، ويتحرّك جسدك الجامد.
هو ذا حال "ورد" لمن يلتقط روح الشخصية وسط جدران المعتقل. فظلمة المكان النسبية تسلب من الوجه جزءاً من ملامحه. أي أنّها تسلب من الممثل جزءاً من أدواته التعبيرية. فإذا أضفنا محدودية مساحة المعتقل إلى تلك الظلمة النسبية، يطيح المكان كل ما يمنحه "الميز ان سين - Mise en scene"، من أحاسيس ومشاعر عبر الصورة المرئية. فالمشهد يبدو قاصراً، إذ أنّ حركة الممثل، كما حركة الكاميرا، والإضاء الضعيفة، عناصر مقيِّدة، مع فقر تام في الديكور على نحو لا يبقي سوى صوت الممثل وانفعالاته بين فعل وردّ فعل، كي تجسّد المشهد وحدها. وهذا ما برعت فيه سلافة معمار.
البطلة تتحدّى النسيان الذي يريد تحويلها إلى مجرّد رقم، وتواجه أقدارها الصعبة في المعتقل بإرادة الإنسان البدائي. فتقف في كلّ مرة أمام برد المعتقل وارتفاع درجة حرارة جسدها ونزيف دم دورتها الشهرية، لتسأل بتحدٍّ: ما الذي كان سيفعله الإنسان البدائي في هذه الأحوال؟ لأعبر محنة سجني هذه بلا مظاهر مدنية، كما عبر هو حياته. وفي كلّ مرة كانت تظهر سلافة معمار قدراتها كممثلة، وتبرز تقنياتها الفنية في التركيز والانتقال إلى مطارح جديدة وبعيدة أكثر اتساعاً من سجنها، معتمدة على أكثر من موهبتها ودراستها الأكاديمية. فهي تلتقط البعد الاجتماعي والنفسي للشخصية بوعي المثقف، وبوعي صاحب التجربة، وبوعي من يمتلك مخيّلة متقّدة. وهي نجحت في القبض على روح الشخصية. تلك التي يوحي بها النصّ المكتوب ولا يقولها. وتلتقطها الكاميرا كما هي، ولا تصنعها بالتواطؤ مع المكياج والمونتاج والمكساج.
هذه دعوة إلى البحث عن تعريف جديد لنجومية الممثل، وعن محدّدات تجعلنا نحكم على أدائه، بعيداً عن النجاحات السريعة التي يحقّقها البعض بقوّة دفع المسلسل والمحطة التي تعرضه والبروباغندا الإعلامية التي تقف خلفه.
المساهمون