سرقونا حتى لحمنا [1/ 2]

21 مارس 2016
عرف السمسار المواصفات التي يريدها الثري (مواقع التواصل)
+ الخط -
"يرضيك كده يا ريس.. سرقونا حتى لحمنا"! كانت تلك الاستغاثة التي نطق بها النجم الراحل نور الشريف في فيلم "إلحقونا" مؤثرة إلى أبعد الحدود، رأي البعض أن صناع الفيلم بهذا المشهد أرادوا توريط القيادة السياسية وتحميلها المسؤولية في حالة الشقاء التي وصل إليها الشعب.

ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن نداء الاستغاثه تلك كانت منذ ما يزيد على العشرين عاما! قامت الرقابة وقتها بحذف صورة مبارك من المشهد، ولاحقا تم حذف المشهد كاملا، فيما رأي البعض في أنها كانت محاولة لإبعاد القيادة السياسية عن المسؤولية، والتورط في الوضع القائم عبر تصويرها على أنها لا تعرف ما يحدث للشعب الذي لم تنصفه حتى منصة القضاء فلجأ للرئيس باعتباره "المنقذ"!

إلى القاع
ربما لا تدرك بعض الطبقات المصرية المرفهة حقيقة ما آلت إليه الأمور في بلادنا، وكيف أن رحى الفقر قد طحنت عظام البعض حتى ألجأتهم حرفيا إلى بيع "لحمهم"، فلن يضطر أحد اليوم لسرقته، ولا أعني بالطبقة المرفهة هنا ساكني قصور التجمع الخامس أو غيرها من سفن نوح التي يختبئون داخلها من طوفان الجوع والفقر والعشوائية التي تضرب بلادهم.

ولكني أعني بالطبقة المرفهة حقيقة كل من لا يشعر ولا يحتك بتلك الطبقة المطحونه، فلا يكفيك أن تقرأ وتتعاطف معها فتعتبر نفسك ملما بآلامها، ولكن إذا أردت أن تعرف حقيقة ما يدور هناك فعليك أن تقترب أكثر وإن شئت الدقة أن تنزل أكثر، وهذا ما قدر لي أن أعيشه بحكم عملي في فترة من أشد فترات حياتي سوادا واكتئابا.

في السطور القليلة القادمة سأروي بعض المشاهدات التي لم أسمعها بأذني أو حكاها لي صديق أثق به، بل سأروي لكم ما عايشته فسمعته بأذني ورأيته بعيني عندما نزلت إلى القاع الأشد اتساخا مما يعرض على شاشة السبكي في أطلال السينما المصرية.

الدائرة المفرغة
كانت البداية بفكرة عمل تحقيق مصور حول الزواج السياحي في مصر، وهو موضوع ليس بجديد وتتم معالجته منذ الثمانينيات، تخيلوا منذ ما يقارب الثلاثين عاما لم ينجح المصريون في القضاء على ظاهرة تمس شرفهم وشرف بناتهم، واكتفوا بأن حاربوها بفيلم يهيج المشاعر حقيقة ولكن عبر المشاهد والإيحاءات الجنسية -لمعلمة الأجيال- إيناس الدغيدي، لكنني مع هذا كله شعرت أن ثمة زاوية جديدة ربما يمكننا تقديمها للناس بشكل أكثر عمقا ومهنية، وهو ما أعطاني إحساساً قوياً بأنني لن أدور مع ذات الموضوع في دائرة مفرغة.

انطلقت وفريق البحث معي في جمع الخيوط معا حتى تشكلت أمامنا رؤية واضحة عما يحدث في تلك الزاوية المظلمة من المجتمع المصري، كان علينا أولا أن نمسك بطرف الخيط، حقيقة كان الإمساك به سهلا نسبيا في إحدى مناطق الجيزة الريفية هناك حيث بدأ كل شيء.

السلعة والبائع والمشتري
يكفي أن تتعرف على أحد أهالي المنطقة، ليفتح لك الطريق كي تصل إلى أطراف عملية "البيع" الممنهج تلك التي تتم لبنات مصر في هذه المنطقة، لكن لا بد أن يكون "المشتري" جاهزا، وأن يكون خليجي الجنسية وإلا فلن تتم "الصفقة"!

لذا كان علينا أن نقدم أحد أصدقائنا العرب باعتباره ثرياً خليجياً يبحث عن "زوجه" صغيرة في السن، وبهذا تكتمل أطراف المعادلة؛ فالمشتري جاهز وكامل المواصفات، هنا وعند هذه المرحلة يظهر "البائع" أو كما يطلق عليه أهل المنطقة بدون غضاضة "السمسار"! وهو عادة لقب يطلق على من يبيع ويشتري في العقارات، لكن صاحبنا هذه المرة متخصص فقط في بيع "الفتيات"!

على كل حال وصلنا إلى السمسار الذي كان هو وزوجته متخصصين متمرسين في العملية، بدأت المفاوضات، عرف الرجل المواصفات التي يريدها الثري، بكر لا تزيد عن 16 عاما جميلة القوام، انصرفنا على وعد بتقديم المطلوب في اليوم الموعود، وقد كان.

المعاينة
لم يكن ثمة ما يثير حماسنا حتى تلك اللحظة إلى أن اتصل بنا السمسار مهنئا بأنه قد أعد لنا جلسة "المعاينة"، والمعاينة عادة مصطلح يطلق على رؤية المشتري "للبضاعة" لدى المصريين، والبضاعة هذه المرة كانت مجموعة من الفتيات المصريات المراهقات!

ذهبنا والحماس يسوقونا إلى جلسة المعاينة التي عقدها الرجل في منزله، وهنا بدأت فصول أكثر المشاهد إيلاما في حياتي، جلسنا في صالة متواضعة في بيت السمسار الذي تبادل معنا الترحيب والضيافة، فيما بدأت زوجته تدير عملية المعاينة، فتدخل لتحضر الفتاة تلو الأخرى، وتجلسها بجوار صديقنا الثري المزيف ليحادثها ويتعرف عليها، فتخرج الفتاة المتزينة لتجلس وسط مجموعة من الرجال الغرباء الذين أتوا في الحقيقة لشرائها!

في جلسة المعاينة ستعقد الدهشه لسانك حتما، فالمشترك العام بين كل الفتيات تقريبا أنهن متعلمات، جميعهن تقريبا وصلن إلى مراحل مختلفة من التعليم بأنواعه، والكبيرات نسبيا منهن واللواتي أتين فوق البيعة كثير منهن متخرجات في معاهد فنية أو صناعية أو غيرها، وهن يعرفن تماما وبكل دقة ما الذي يجري حولهن ويتناقلن الحديث مع بعضهن البعض في داخل الغرفة التي حشرتهن بها زوجة السمسار!

عروض وتخفيضات
كان علينا أن نقنع السمسار بأن المشتري لم تعجبه البضاعة في جلسة المعاينة وأنه يحتاج إلى رؤية المزيد من الفتيات كي يجد غايته المنشودة، وهنا ينبري السمسار في الوعود بأن الجلسة القادمة ستكون أكثر إغراء من سابقتها، وأن ما رأيناه لم يكن سوى "تسخين" فقط، لكن دعنا نتفق أولا على الأمور المادية والبضاعة "هتيجي هتيجي"!

كانت زوجة السمسار الأكثر جرأة في عملية التفاوض، والأكثر تقديما للعروض للثري العربي، ولكل عرض ثمنه وتسهيلاته، فـ "الزواج" الشرعي له ثمن معلوم، أما "الزواج"العرفي لوقت محدد يتفق عليه الطرفان فله سعر آخر، وجميع تلك الاتفاقات القذرة لا يزيد سعر الفتاة فيها عن 2000 دولار، أما إذا ما رغب الثري في اصطحاب الفتاة معه إلى بلاده فيجب عليه أن يترك رهنا "شهادة استثمار" باسم الفتاة بمبلغ تافه، ربما ينفقه الثري الحقيقي في جلسة عشاء في أحد فنادق بلاده.

انتهت جلسة المعاينة، خرجنا من عند السمسار والأرض تميد بنا غير مصدقين لما رأيناه بأعيننا، لكن ثمة من تلقفنا ونحن نخرج من القرية، ربما سمع بوجود "زبون جديد" فأسرع إلينا في طريق عودتنا ليعرض علينا خدماته، أدركنا مما قاله لنا الرجل أن "البضاعة" التي يعرضها علينا ستكون مختلفة تماما! من هنا بدأت القصة تأخذ منحى جديدا تماما وتهبط بنا أكثر إلى القاع... يتبع.

(مصر)

دلالات
المساهمون