سرطان الأسمنت يهدّد قوت التونسيين

30 سبتمبر 2015
الأمن الغذائي التونسي في خطر (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
الاكتظاظ وتدنّي الخدمات وانتشار أحزمة الفقر في المدن، ارتدادات أساسية للنسق السريع لتطوّر العمران وتضخّم المدن التونسيّة. ولكن الارتدادات السلبية للانفجار العمراني طاولت القطاع الزراعي، خصوصاً على مستوى تآكل الأراضي الزراعية التي تحوّلت إلى أحياء فوضويّة تخنق المدن، مهددة الأمن الغذائي للمواطن التونسيّ.

يشير الخبير في علم الاجتماع ناصف التومي إلى أنّ تدنّي الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة في المناطق الداخليّة للبلاد وأريافها أدّى خلال العقدين الأخيرين إلى موجات نزوح كبرى إلى المدن الكبرى شرق وشمال البلاد، خصوصاً العاصمة ومدن الساحل التونسيّ. إذ بلغت نسبة الاستقطاب ما يقارب 107% في آخر عام 2014، وهو ما يعني أنّ 7% تقريباً من سكّان الداخل يهاجرون سنويّاً نحو المدن الكبرى. ويعود ذلك بالأساس بحسب محدّثنا إلى استئثار المدن بنحو 70% من الاستثمارات العموميّة والخاصّة والمركزيّة الاقتصاديّة، وهو ما أدّى إلى تمركز 67% من إجمالي السكان في المدن، لتحتكر العاصمة وضواحيها 40% من سكان الحضر، بحسب دراسة أعدّها المعهد التونسي للإحصاء في سنة 2014 حول التوزع الديمغرافي للسكان في تونس.

سرطان الأسمنت
انتشرت ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية بشكل كبير، لتلبية حاجات الزيادة السكانية في المدن، وإنشاء العديد من المجمعات السكنية والتجارية. ويقول المهندس العمراني والخبير في التخطيط الحضري أنيس الليلي "إنّ معدل الامتداد العمراني على حساب الأراضي الفلاحية بتونس الكبرى بلغ 250 هكتاراً خلال الفترة المتراوحة بين 2004 و2014، ما يمثل نسبة 40% تقريباً من المعدل السنوي لاستهلاك الأراضي الصالحة للتعمير والمقدر بنحو 600 هكتار". ليضيف بأنّه تم تغيير صبغة 6280 أي ما يقارب 62 مليون متر مربّع من الأراضي الفلاحية خلال نفس الفترة بمعدل 628 هكتاراً سنويّاً.

اقرأ أيضا: تونس بلد الفلاحة: إشاعة

ويشير الليلي إلى أنّ الزحف العمراني على حساب الأراضي الفلاحية يعود بالأساس إلى امتداد البناء الفوضوي الذي بلغ 40% من نسبة النسيج العمراني في تونس العاصمة على سبيل المثال، وهو ما أدّى إلى انعكاسات سلبية تمثّلت في تدهور مستوى العيش الحضري ونوعية الحياة والمساس بجمالية الأنسجة العمرانية وبالمنظومة البيئية إلى جانب امتداد مسافات التنقل بين مختلف أجزاء المدينة.

الأمن الغذائي في خطر
يعلّق الخبير الاقتصاديّ محمد ياسين السوسي على تأثير الزحف العمرانيّ على القطاع الفلاحيّ مشيراً إلى الدراسة الأخيرة لوكالة التنمية الفلاحية التي بيّنت تراجع الأراضي الصالحة للزراعة، خصوصاً الحبوب، من مليون و643 ألف هكتار سنة 2004 إلى مليون و100 ألف هكتار السنة الماضية. كذلك تضمّنت الدراسة المذكورة تراجع إنتاج الحبوب من مليوني طن سنة 2004 إلى مليون و200 ألف طن في سنة 2014، أي بنسبة 40% تقريباً خلال عشر سنوات، لافتاً إلى أن مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج المحليّ الإجمالي تراجعت من 17% في تسعينيات القرن الماضي إلى 8% في أواخر السنة الماضية، كما انخفض عدد العاملين في القطاع من 45% إلى 16%.

تقلّصت الأراضي الزراعية نتيجة التوسّع غير المدروس للعمران، وهو ما أدّى بحسب محدّثنا إلى تراجع الإنتاج في مختلف المنتوجات الفلاحيّة، إذ تبرز الإحصاءات تواصل عجز الميزان التجاريّ الغذائيّ بنسبة 30%، فقد عجزت الصادرات التونسيّة من مختلف المواد الغذائيّة خلال العشريّة الماضية عن تغطية واردات البلاد من احتياجاتها ولم تتجاوز نسبة التغطية حتّى منتصف سنة 2015 ما يناهز 70%، إذ تبلغ واردات البلاد من المواد الغذائيّة 1.2 مليار دولار سنوياً، وهو ما يستنزف احتياطيّ البلاد من العملة الصعبة.
المساهمون