سباق لإرضاء الشارع الغاضب: قروض لإعادة تشغيل 4 آلاف مصنع عراقي متوقف

17 أكتوبر 2019
عقبات عديدة تواجه المشروعات الصغيرة (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

 

كشف مسؤول عراقي بارز لـ"العربي الجديد"، أن اتفاقا بين الحكومة والبنك المركزي جرى التوصل إليه في اليومين الماضيين للبدء بمنح أصحاب المعامل والمصانع بالقطاع الخاص قروضا مالية، لمساعدتهم على إعادة تشغيلها مجددا واستقطاب اليد العاملة.

يأتي ذلك، مع ترقب الشارع العراقي لحزمة قرارات جديدة مزمع إعلانها قريباً من قبل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ستكون الثالثة من نوعها منذ اندلاع التظاهرات في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، للمطالبة بالإصلاحات ومحاربة الفساد وتوفير فرص العمل.

وحسب المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، فإن البرنامج يشمل 4 آلاف من المصانع المتوقفة، سواء بسبب العمليات الإرهابية أو تلك التي لم تتمكن من منافسة المستورد، وتوقفت بفعل الخسائر وسرحت العاملين فيها.

وأشار إلى أن خبراء عراقيين تم تكليفهم بإعداد خطة واسعة من أجل تحديد المصانع وفرز الطلبات ومعرفة أي المصانع أحق بالقروض، لمنع تكرار الخطأ السابق في منح الفلاحيين قروضا على أرض لم يستصلحوها"، وفقا لتعبيره.

وأكد أن الخطوة قد تسهم في توفير فرص عمل لما لا يقل عن 50 ألف عراقي، في حال نفذت بشكل صحيح، ومن المؤمل أن تباشر اللجنة المكلفة بإعداد خطة عمل متكاملة لاستكمال المشروع بشكل صحيح واستقبال الطلبات.


وفي إطار المنافسة بين الحكومة والبرلمان على إرضاء الشارع، أكد رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي هيثم الجبوري، الاتفاق على تخصيص القروض الخاصة بتشغيل آلاف المصانع وبدون فوائد تترتب عليها لأول مرة في البلاد.

وأوضح الجبوري، في بيان صحافي، أول من أمس، أن القروض ستكون لإعادة الحياة للمصانع والمعامل المتوقفة، وهي من ضمن مساعي البرلمان مع الجهات التنفيذية للاستجابة لمطالب المتظاهرين".

وأكد الجبوري في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية عراقية أن "اجتماعاً مشتركاً جمع اللجنة المالية بمحافظ البنك المركزي العراقي ورئيس اتحاد الصناعات العراقية ومدير عام المصرف الصناعي، للتباحث حول مبادرة البنك المركزي لإقراض المصرف الصناعي مبلغ 200 مليار دينار عراقي (نحو 180 مليون دولار) لإعادة تأهيل وتشغيل المصانع المتوقفة".

وتابع أنه سيتم تخصيص مبالغ لأصحاب الورش والحرف والمهن الحرة حسب حاجتهم، بعد ضمان كفيل لتسلم المبلغ.

من جانبه قال عضو اتحاد الصناعيين العراقيين، هيثم البلداوي، لـ"العربي الجديد"، إن القروض تتعلق بالمصانع المتوسطة أو الصغيرة فقط في الوقت الحالي، كون المصانع الكبيرة تحتاج لمبالغ ضخمة وخطط تشغيل ترتبط بقدرة تجهيزها بالكهرباء ورخص البيئة والمياه، وأغلبها مر سنوات كثيرة على توقفها وتحتاج إلى جهود كبيرة وفترة غير قصيرة لإعادة تشغيلها.

وتابع البلداوي: "هناك آلاف المعامل والورش الخاصة بالحدادة والنجارة وتصليح السيارات والكهرباء واللدائن والبلاستك والحرف اليدوية، توقفت بفعل العمليات الإرهابية أو فشلها في مقاومة المستورد وتكبدها خسائر، وهنا يجب على الدولة عدم الاكتفاء بإعادة تشغيلها بل حمايتها أيضا من خلال دعم المنتج المحلي على حساب المستورد".

ولفت إلى أن "بعض المعامل الصغيرة كانت تشغل من 10 إلى 15 عاملا وبعد إغلاقها وجدوا أنفسهم بالشارع، ومعروف في العراق أن وراء كل معمل أو مشروع صناعي أسرا كاملة تعيش من دخول من يعملون بها".

وتأتي خطوة منح القروض، بعد خطاب وجهه رئيس الوزراء العراقي قبل أقل من أسبوعين وعد فيه بإجراء حزمة من الإصلاحات في البلاد، عقب مظاهرات كبيرة عصفت بعدد من مدن العراق أسفرت عن مقتل أكثر من 120 متظاهرا وجرح نحو ستة آلاف آخرين.

وتعاني المصانع والمعامل العراقية من تهالك بنيتها التحتية وتوقفها عن العمل منذ احتلال البلاد عام 2003، فضلاً عن الدمار الكبير الذي لحق بمعظمها نتيجة الحرب والصراعات الداخلية وعدم إعادة تأهيلها على يد الحكومات المتعاقبة.

وحسب مراقبين، تدخل ملفات الفساد والضغوط السياسية الداخلية والإقليمية من قبل بعض دول الجوار، على خط تعطيل إعادة تأهيل هذه المصانع، لمنع العراق من الاكتفاء ذاتياً وتقليص الاستيراد الخارجي.

وفي هذا السياق، يقول المستثمر، عارف الزيادي، لـ"العربي الجديد" إن "أحد أسباب ارتفاع نسب البطالة التي تجاوزت حاجز الثلاثين في المائة ببعض المدن هو توقف آلاف المصانع عن العمل، والخطر يكمن في عدم رغبة دول محيطة بعودة هذه المصانع للعمل، لأن اقتصادها انتعش طيلة السنوات الماضية على التصدير للعراق، وليس من مصلحتها إعادة تأهيل هذه المصانع الضخمة التي سترفع من الاقتصاد العراقي كثيرا".

وحسب الخبير الاقتصادي، سلام الجبوري، فإن "دولاً مجاورة، وعلى رأسها إيران، ليس من مصلحتها إعادة تأهيل تلك المصانع، ليبقى العراق معتمداً عليها في استيراد مختلف البضائع والسلع، لذلك تمارس هذه الدول ضغوطاً سياسية هائلة كانت سبباً في تعطيل آلاف المصانع والمعامل طيلة السنوات الماضية".

ويبين الجبوري لـ"العربي الجديد" أن شلل القطاع الصناعي بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، تسبب بتسريح مئات آلاف العراقيين العاملين فيه، وفاقمت الحرب على "داعش" وفشل الحكومة في حماية المنتج الوطني من أوضاع القطاع، بسبب إغلاق المعامل والورش الصغيرة أو المتوسطة.

واعتبر أنه من الممكن أن تكون هذه القروض بمثابة جرعات إنعاش بسيطة للصناعة العراقية، كون القطاع الصناعي يحتاج مليارات الدولارات لإعادته"، معتبرا أن توجه الحكومة نحو الصين أخيرا في هذا الملف قد يكون الحل الأمثل لإعادة انعاشه إن لم تتسبب الضغوط من إيران في إفشاله، كونها المستفيد الأول من بقاء القطاع ميتا.

وينتظر عشرات آلاف العراقيين العاطلين عن العمل تنفيذ حزم الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة، آملين في الحصول على فرص عمل في هذه المصانع والمعامل لإعالة أسرهم، لكنهم في ذات الوقت متخوفون من أن تكون هذه الوعود على ورق فقط كسابقاتها.

وكانت وزارة الصناعة والمعادن أعلنت في شهر أبريل/ نيسان الماضي عن خطة جديدة لإعادة الحياة إلى المصانع والمعامل المتوقفة في مختلف محافظات البلاد، والتي تبلغ نحو 280 مصنعاً تم تشغيل 150 منها خلال الفترات الماضية.

وكشفت الوزارة عن خطة لإعادة الخطوط الإنتاجية لتأمين المنتجات المحلية وسد حاجة السوق من السلع وتنشيط القطاع الخاص مادياً وفنياً.

المساهمون