سباق بن سلمان

27 أكتوبر 2018
+ الخط -
أن يتحدّث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بلغة الوحدة والشرق الأوسط المتضامن والنهضة الاقتصادية وتحويل المنطقة إلى "أوروبا جديدة"، يكون قد دخل عملياً مرحلة صدّام حسين ومعمّر القذافي وحسني مبارك وزين العابدين بن علي. لم يخرج هؤلاء من السلطة إلا بالقوة، وحين استشعروا خروجهم، بدأوا بالعودة إلى الوحدة والدين والكلام المنمّق والمُختار بدقة. حاول بن سلمان، في مؤتمر "دافوس الصحراء" في الرياض، ترسيخ قوته "ساعياً للوحدة الخليجية أولاً" ثم "الشرق أوسطية ثانياً". اختار أن يكون إلى جانبه في المنصّة الرئيسية رئيس الوزراء اللبناني المكلّف سعد الحريري، وولي العهد البحريني سلمان بن حمد، في رسالة مبطنةٍ لدَوري لبنان والبحرين، المتقدّمين، في الصراع مع إيران.
بدا بن سلمان، في حديثه في المؤتمر الأربعاء الماضي، أقرب إلى شخص يسعى إلى الخروج من مأزقٍ ما، عبر توسيع مروحة الأهداف الإيجابية لدوره في السعودية، والحديث عن المصالح الاقتصادية للدول الأخرى مجتمعة. أراد من خلال المؤتمر، وبمن حضر، تكريس نفسه زعيماً خليجياً صاعداً، غير مبالٍ بما يحصل في قضية مقتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي. يريد بن سلمان ديمومة مصالحه الاقتصادية التي من خلالها أطلّ على العالم، فتحدّث بلغة الأرقام، وبمستقبل "اقتصادي مشرق"، مشدّداً على أنه يتمنّى ألا يفارق الحياة قبل رؤية الشرق الأوسط "أوروبا الجديدة".
جميلٌ حديث ولي العهد السعودي، غير أنه خلف الصورة البرّاقة لحديثه تكمن المصاعب. الأوروبيون والأميركيون والمجتمع الدولي لم يتوقفوا عن الضغط على السلطات السعودية، من أجل إجراء تحقيقاتٍ حقيقيةٍ في قضية خاشقجي. وعزّز الأمر تلميح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى أن بن سلمان متورّط في الاغتيال. كما أن جاريد كوشنير صهر ترامب، بدأ بالدفع باتجاه القيام بتحقيقات فعلية. عليه، فإن هناك نظريتين: إما أن ترامب والسعوديين تدبروا الأمر خلال زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو الرياض، وبدأوا بالهجوم لاقتناعهم بأن دور بن سلمان سيكون هامشياً في القضية، فيعتبرون أنفسهم قد قاموا بالواجب، وفي الوقت نفسه، تُبّرأ ساحة بن سلمان. أو أن الأميركيين قد تمكّنوا من الفوز بولي عهد سعودي جديد ليخلف بن سلمان، ونجحوا في تأمين متابعة الاتفاقات التي عقدها بن سلمان معهم، وهنا يخوضون معركته بوجه ولي العهد الحالي.
بالتالي، كلام بن سلمان عن أن "قضية خاشقجي قد أماطت اللثام عن الأصدقاء والأعداء الحقيقيين"، مشابه تماماً لأدبيات صدّام والقذافي ومبارك وبن علي. عندما اصطدم هؤلاء بالأميركي، بدأوا بالتعاطي معه على أساس "التوجّه شرقاً". وهذا أمرٌ صعبٌ على بن سلمان، فالتوجه نحو الشرق يعني الاتفاق مع روسيا والصين، واستطراداً إيران. الأمر غير وارد في حساباته حتى الآن، مع فتحه الباب أمام تركيا بقوله إنه ما دام هناك الملك سلمان بن عبد العزيز في السعودية والرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا، "لن يستطيعوا إحداث شرخٍ بيننا".
بات بن سلمان في سباق مع الوقت، لكنّ الأميركيين متحكمون أكثر باللعبة. يعلم أن هناك من سيعمل لإطاحته، خصوصاً أن سجله، منذ اختياره ولياً للعهد العام الماضي، يتضمن عدا مقتل خاشقجي، سقوط طائرات ومقتل ركاب مهمين على متنها، واعتقال أمراء وشخصيات. يدرك أن هناك مشكلةً تلوح في الأفق، تحديداً مغادرة عائلة خاشقجي السعودية إلى الولايات المتحدة، في انتظار خطواتها المقبلة، والتي قد تتراوح بين "لا شيء" و"رفع دعوى في المحاكم الدولية في شأن قضية والدهم". غنيّ عن التعريف أنه بمجرد وجود مواطن سعودي خارج البلاد، فهذا يعني أن بن سلمان في مأزق.
الأهم أنه بدأ يخوض السباق، للحاق بمنظومة تحالفاتٍ منافسةٍ للأميركيين، للدلالة على أنه "قادر على اختيار حلفائهم". ولكن على بن سلمان أن يعلم أن صدّام والقذافي ومبارك وبن علي خسروا سباقاتهم، وانتهوا في عالم النسيان.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".