ساجدة الريشاوي: انتحاريّة فاشلة يكافئها "داعش"

31 يناير 2015
رهن الأردن مصير الريشاوي بمصير طياره الكساسبة (Getty)
+ الخط -

كان من الممكن أن تتأرجح "الانتحاريّة الفاشلة"، ساجدة الريشاوي، بحبل المشنقة، بعدما أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنيّة حكماً بإعدامها شنقاً حتى الموت، في العام 2006، بعد اتهامها بالمؤامرة بقصد القيام بأعمال إرهابيّة وحيازة مواد متفجرة من دون ترخيص قانوني، بقصد استخدامها على وجه غير مشروع.
وبعدما تجاوزت المشنقة، ها هي بعد تسع سنوات من صدور الحكم، تتأرجح بين آمال الأردنيين وهواجسهم، الذين لطالما طالبوا بإعدامها، كلما تذكروا الألم والتجارب القاسية التي عاشوها نتيجة تفجيرات فنادق عمّان التي هزت البلاد عام 2005.

وكان مقدراً للريشاوي (45 عاماً)، أن تتناثر أشلاءً، في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، بعدما تضغط على الحزام الناسف الذي كان يطوّق خصرها. لكنّ الديناميت خانها، ولم ينفجر حزامها الناسف، فهربت مع الهاربين، بعدما فجّر زوجها الانتحاري، علي الشمري، نفسه وسط حفل زفاف في فندق راقٍ في عمّان، ضمن سلسلة تفجيرات ضربت ثلاثة فنادق، فيما بات يُعرف بـ"الأربعاء الأسود"، الذي خلّف 57 قتيلاً.

نجت الريشاوي يومها، وهرعت تجوب شوارع العاصمّة، كقنبلة موقوتة، معرّضة للانفجار في أي لحظة، وقادتها قدماها إلى مدينة السلط (30 كليومتراً غرب العاصمة عمّان)، حيث لجأت إلى منزل شقيقتها المتزوجة من أردني، لكنّ عائلة زوج شقيقتها، سارعت إلى تسليمها للأجهزة الأمنية، لتقاد إلى المحكمة التي قضت لاحقاً بإعدامها.

وجاء وصول ساجدة إلى الأردن، برفقة زوجها الانتحاري وانتحاريين آخرين، بإيعاز من زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي قُتل في غارة أميركيّة عام 2006. وكان لها ظهوراً يتيماً على شاشة التلفزيون الأردني في نوفمبر 2005، لتقدّم إفادتها وهي ترتدي حزامها الناسف. وقالت يومها بهدوء: "زوجي فجّر قنبلته، وأنا حاولت تفجير قنبلتي، ولكنني فشلت... فرّ الناس من المكان، وأنا ركضت معهم". منذ ذلك الحين، تمضي الريشاوي أيامها في زنزانة انفراديّة، في سجن الجويدة للنساء، جنوبي عمّان. وتفيد المعطيات بأنّها تُمضي وقتها بقراءة القرآن ومتابعة القنوات الإسلاميّة، وترفض المشاركة في برامج التأهيل التي يعقدها السجن للنزيلات، ولا تفتح زنزانتها إلا لتقديم الطعام واجراء الفحص الطبي الأسبوعي لها. ولم تغادر الريشاوي أسوار السجن سوى مرة واحدة لإجراء فحوص طبيّة في إحدى المستشفيات القريبة، بناءً على توصية من منظمة حقوقيّة.

لم ينسَ الأردنيون، خلال السنوات التسع الماضية، الريشاوي، التي يتذكّرونها موسمياً عند إحيائهم ذكرى التفجيرات، وعندما يتجادلون بشأن عودة العمل بعقوبة الإعدام، التي جُمّدت في العام ذاته بعد صدور حكم الإعدام بحقّها، وأعيد العمل بها نهاية العام الماضي. وما لم يخطر في بال الأردنيين يوماً، هو احتمال عودة الريشاوي حرّة، وخصوصاً أنّ أحداً لم يطالب بإطلاقها يوماً، لكنّ حدث ما حدث. وعندما وقع الطيّار الأردني، الملازم الأول معاذ الكساسبة، في أسر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، بعد إسقاط طائرته خلال مشاركته في غارة للتحالف الدولي على التنظيم في منطقة الرقة السورية، عادت الريشاوي مجدداً إلى الضوء، عندما قدمتها وسائل الاعلام وقيادات في التيار السلفي الجهادي الأردني ثمناً لتحرير الطيار.

ومن الواضح أنّه يسهل احتساب الريشاوي على تنظيم "داعش"، فهي زوجة علي الشمري، أحد أتباع الزرقاوي، وشقيقة تامر الريشاوي، الذي كان يُعدّ الذراع الأيمن للزرقاوي، فيما كان أبو بكر البغدادي، زعيم "داعش"، أحد مساعدي مساعديه. من هنا، يبدو "داعش" بمثابة تطور طبيعي لتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، الذي أسسه الزرقاوي، وبالتالي من حقّ "داعش" اليوم أن يرث الريشاوي عن "قاعدة بلاد الرافدين".

وأعرب تنظيم "داعش"، في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، عن رغبته للمرة الأولى، باستعادة الريشاوي، لكنّه وضع حريّتها ثمناً لحريّة الرهينة الياباني، وليس لحريّة الطيّار الأردني، متعهّداً بالحفاظ على حياته وعدم قتله، ليس أكثر، في موازاة تهديده بقتل الرهينتين في حال عدم الاستجابة، ضمن مهلة زمنيّة حدّدها.

وفي اللحظة الحاسمة، قبل نهاية المهلة بدقائق، قال الأردن كلمته، بأنّ حريّة الريشاوي هي الثمن لحريّة طيّاره، وأن الحفاظ على حياتها أصبح في يد تنظيم "داعش"، في إشارة ضمنيّة إلى إعدامها في حال فشل المفاوضات، وسط إجماع أردني على إطلاق سراحها مقابل الطيار، واعدامها انتقاماً له، لتتأرجح الريشاوي اليوم بين الحريّة وحبل المشنقة.

المساهمون