روسيا و"صفقة القرن": خدمات متبادلة مع نتنياهو

31 يناير 2020
أطلع نتنياهو بوتين على تفاصيل الصفقة (ميخائيل ميتزيل/Getty)
+ الخط -

في إشارةٍ إلى الرهان الإسرائيلي على روسيا لدعم أو عدم تعطيل المضيّ في "صفقة القرن" الأميركية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإطلاعه على تفاصيل الصفقة ومحادثاته في واشنطن مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ولم تُصدر وزارة الخارجية الروسية أيَّ بيان عن الصفقة سابقاً، فيما قال الكرملين إنه يواصل دراسة بنودها، ويعوّل على معلومات إضافية من نتنياهو أثناء قمته مع بوتين، التي جرت أمس الخميس. وخلال اللقاء، لفت رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن بوتين هو "أول زعيم عالمي أقابله، وأتواصل معه بعد زيارتي إلى واشنطن والإعلان عن خطة ترامب". وأضاف نتنياهو "أعتقد أن لدينا اليوم فرصة خاصة للحديث، أود أن أسمع رأيكم، ولنرَ كيف يمكننا جمع القوة من أجل السلام والحياة الهادئة"، مشيراً إلى أن "العلاقات بين إسرائيل وروسيا أصبحت الآن أقوى وأفضل من أي وقت مضى".

وعلى الرغم من أن بوتين لم يُشر في كلمته الترحيبية إلى "صفقة القرن"، نقلت وكالة "تاس" عن مصدر في الوفد الإسرائيلي قوله بعد المباحثات "كان هناك نقاش مطول وعميق وشامل حول تفاصيل الصفقة وتأثيرها على المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، ناقش الزعيمان تطورات الأحداث في سورية والتنسيق الضروري بين إسرائيل وروسيا".


ويطرح تأكيد موسكو وتل أبيب أن العلاقات الثنائية في أفضل أحوالها، تساؤلات حول تغيرات في الموقف الروسي من القضية الفلسطينية. وفي حين أكد مصدر مقرب من الخارجية الروسية، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "لا تغييرات جذرية في الموقف الداعم لتسوية على أساس القرارات الأممية والتفاوض المباشر بين الطرفين، مع الأخذ بموقف جامعة الدول العربية"، تشي زيارات نتنياهو المتكررة إلى موسكو و"الهدايا" التي يحصل عليها من الكرملين قبل الاستحقاقات الانتخابية في إسرائيل، بأن موسكو ليست في وارد القيام بأي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لدفعها إلى التسوية. ويبدو أن موسكو غير قادرة على توسيع دورها في تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر طرح مبادرات جديدة، نظراً لتعنّت الجانب الإسرائيلي. كما أنها لن تفرض ضغوطاً على تل أبيب، نظراً لأنها تراهن على دورها في التقريب مع الغرب في ملفي أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية، وملفات أخرى، لعلّ أهمها حالياً الجهود الروسية لتفصيل تسوية سياسية في سورية وفق رغبة موسكو.

وسعت روسيا للتأكيد بشكل متواصل على أن حلّ القضية الفلسطينية يُعدّ أولوية للوصول إلى الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لكن بدا واضحاً تراجع اهتمامها بهذا الملف، مقابل تزايد الاهتمام بإيجاد تسوية للوضع السوري، عبر استضافة المؤتمرات وطرح المبادرات والتنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية ضمن مسارات عدة. كذلك اتجهت موسكو إلى إثبات حضورها في الملف الليبي، من خلال حضور المؤتمرات وجمع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية على طاولة المفاوضات، والتدخل في الأزمة بين إيران وبلدان الخليج العربي، بطرح مبادرات للأمن الجماعي. وفي دليلٍ على عدم قدرة أو عدم رغبتها في التأثير في الملف الفلسطيني، أخفقت موسكو في إقناع نتنياهو بعقد قمة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ 2016. وقبل أربعة أيام من قمة كانت مقررة مع عباس وبوتين في 9 سبتمبر/أيلول 2016، أعلن نتنياهو أنه قرر "التريث". ولم تفلح دعوات موسكو المتكررة في نهاية 2018 في عقد الاجتماع، وكشف لافروف حينها، في مؤتمر صحافي مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي، أن "عباس يقول دوما إنه مستعد لمثل هذا اللقاء... وإسرائيل غير مستعدة للاتفاق على موعد محدد له حتى الآن"، معرباً عن استعداد بلاده لاستضافة الزعيمين. وجدد لافروف، في مارس/آذار 2019، الدعوة من الدوحة، وقال إن "روسيا مستعدة لاستقبال عباس ونتنياهو لحوار بلا شروط مسبقة".

وتنطلق مواقف موسكو في السنوات الأخيرة من أن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير ممكنة من دون الولايات المتحدة، وتراهن في الوقت ذاته على أن واشنطن لن تنجح في هذه التسوية بمفردها، وتطالب بالعودة إلى العمل الجماعي مثل رباعية الوسطاء الدوليين التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالتنسيق الوثيق مع جامعة الدول العربية، لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ومعلوم أن الرباعية الدولية أنشئت في عام 2002 بعد نحو عامين من انتفاضة الأقصى، وأخفقت في التوصل إلى أي حلول على الرغم من عقدها 61 اجتماعاً، وتعيش موتاً سريرياً منذ صيف 2016.

وفي محاولة منها لإظهار دعمها للفلسطينيين، نظّمت موسكو في السنوات الأخيرة بدعوة من مؤسسات أكاديمية، لقاءات حوار فلسطينية تضم كل الفصائل، كان آخرها في فبراير/شباط 2019، ولم يتمكن فيها 12 فصيلاً فلسطينياً من التوصل إلى بيان كان من المنتظر أن يحمل اسم "إعلان موسكو"، وقيل إن روسيا كانت تراهن عليه من أجل تقوية موقفها في القضية الفلسطينية.

وبالنسبة لـ"صفقة القرن"، لم يكن موقف موسكو رافضاً لها، بل جاءت التعليقات بأنها تدرسها. وقال نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، بعد الإعلان عن بنود الصفقة: "سندرسها، والشيء الأهم هو أن يعبّر الفلسطينيون والعرب عن موقفهم منها"، وشدد على أن "أي تسوية في الشرق الأوسط تتطلب إجراء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، ونعتقد أن عليهم الانخراط في المفاوضات المباشرة والتوصل إلى حلول توافقية مقبولة للطرفين"، موضحاً أن بلاده تنتظر ردود الأفعال من الطرفين.

وعشية زيارة نتنياهو، أوضح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن موسكو تواصل تحليل هذه المعلومات ودراسة الخطة التي أعدتها إدارة البيت الأبيض، مضيفاً "سنتلقى المعلومات من المصدر"، في إشارة إلى قمة بوتين – نتنياهو. وأشار بيسكوف إلى أن "الخطة وجدت دعماً من طرف إسرائيل، ودعماً من عدد من الدول الأخرى، لكنها لقيت رفضاً قطعياً من فلسطين، الطرف المشارك بطريقة مباشرة في ما يسمى صفقة". وجدد التأكيد أن روسيا ستبقى عضواً مسؤولاً في رباعية "التسوية في الشرق الأوسط، وهي على استعداد لبذل جهود من أجل سلام دائم في الشرق الأوسط".

وقبل ساعات من إعلان بنود الصفقة، نفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف علم بلاده بأي تفاصيل، وقال في مؤتمر صحافي "تواصلنا مع الولايات المتحدة ولم يعلمونا بتفاصيل هذه الصفقة... هم دائماً يحاولون حل المشكلة بضربة واحدة وبطريقة واحدة ويسعون إلى إيجاد حلول لقضايا عديدة عالمية، لكن هذا لا يأتي بنتائج إيجابية"، وخلص إلى أنه إذا ثبتت صحة التسريبات "فإننا نتحدث عن طريقة تسوية مختلفة عن تلك المعترف بها دولياً لحل القضية، وهذا النهج يختلف عما تم الاعتراف به على المستوى الدولي، بما فيها قرارات مجلس الأمن ومبادرات مدريد والمبادرة العربية". واستدرك "يجب الانتظار إلى حين نشر النص، وعندما يكون واضحاً، فيمكن أن ننظر في موقف الأطراف، بالدرجة الأولى الجهة الفلسطينية، بما فيها تشكيل الدولة الفلسطينية... ويجب معرفة ردّ فعل الأصدقاء العرب لفلسطين، وجامعة الدول العربية". وانتهز لافروف الفرصة من أجل إعادة إحياء عمل اللجنة الرباعية لـ"تقييم الصفقة والتوصل إلى حلول قابلة للتطبيق عالميا".