رمضانيات: يوميات أم غزيّة في رمضان بلا كهرباء

01 يوليو 2014
الصورة لـ(بول غيلهام /Getty)
+ الخط -
تأكّدت الآن، بعد سبع سنوات من الحصار، بأنّني أعيش في إمارة إسلامية. لأنّ الكهرباء تظلّ مقطوعة طول النهار. أي خلال فترة الصوم. كأنّها تصرّ أن تشاطرني الثواب والأجر، أنا وأولادي الأربعة الذين أنهوا امتحاناتهم ولم يعد أمامهم أي عمل في غزّة المحاصرة سوى النوم، أو مشاهدة التلفاز لساعات قليلة جداً. إذ لا تتوافر وسائل ترفيه كثيرة أخرى. وهكذا فهم يقبعون في البيت بانتظار بداية العام الدراسي والجامعي بعد شهرين.
في أوّل أيام شهر رمضان المبارك حرصت على إعداد مائدة مميّزة. دخلت مطبخي الصغير، والمعتم، قبل موعد الإفطار بخمس ساعات، لأتيح لنفسي فرصة إعداد الطعام على دفعات. فكلّما أنجزت خطوة، كأن أسلق المعكرونة، أخرج من المطبخ الحارّ والمعتم وجسمي يقطر عرقاً لأقف في الشرفة لعلّي أتنسّم بعض الهواء، وأعود بعد قليل لأعدّ الصلصة وأحمّر الدجاجة... وهكذا.
مطبخي صغير الحجم وله نافذة صغيرة واحدة تطلّ على صالة بيت الجيران. لذلك من الصعب أن أفتحها، بحسب عاداتنا في غزّة. ومع انقطاع الكهرباء يكون مطبخي معتماً في عزّ النهار، إضافة إلى الحرّ الشديد، خصوصاً هذه الأيام. إذ يُعتبر وقوفي في المطبخ وإعداد طعام الإفطار لأولادي نوعاً من أنواع الجهاد. لأنّني أشعر بمشقّة لا تُوصف، لكن أعزّي نفسي بأنّ هذا حال كثيرات من ربّات البيوت في غزّة، التي تعاني من شحّ الكهرباء، دينامو الحياة.

على مائدة الإفطار وبعد غياب طويل، وانتظار، عادت الكهرباء، فرقص أولادي وهلّلوا وغرّدوا، خصوصاً حين امتلأت بطونهم وارتوى عطشهم. وهنا تذكّرت مقولة أمي رحمها الله حين كانت تقول "إذا جاعوا زنّوا، وإذا شبعوا غنّوا". وقرّرت أن أشاركهم ابتهاجهم، فرقصنا الدبكة على أنغام تيتر مسلسل "باب الحارة"، واسترجعنا بعض أحداث الأجزاء الأولى منه، وتابعنا أحداث الحلقة الأولى، غير مصدّقين أنّنا، مثلنا مثل باقي البشر، ننتظر متابعة جزئه الجديد. لكن مع انتهائه وانتهاء صلاة التراويح في المسجد القريب انقطعت الكهرباء، فساد الصمت والسّخط أرجاء شقتي الصغيرة بعد أن كانت تضجّ بالحياة.
لم يجد أولادي حلاً أمامهم سوى النوم المتقطّع. وكذلك فعلت أنا. وكلّما غفا أحدهم قليلاً يستيقظ من شدّة الحرّ ويجوب أنحاء الشقة ليتأكّد بأنّ الكهرباء لم تَعُد أثناء نومه، فتكون تلك كارثة: أن يفوته وجودها. وكنت قد تركت قوابس الكهرباء مفتوحة أملا ببُشرى سارّة عن عودتها. وقد حدّد أولادي جدولهم بقول ابني "أنا باشتغل على الكهرباء يا ماما، لما بتقطع بصير خارج التغطية وما باعمل شي، وبسّ ترجع باتنشّط وباتحرّك، يعني لمّا تقطع بتقدري تكتبي على صدري يافطة: مغلق للصلاة".
واقترب موعد السّحور، ولم تَعُد الكهرباء. ونفدت بطاريّات اليد الصغيرة، وغرقنا في ظلام دامس، فاقترح ابني، وهو يضيء مصباحاً صغيراً بهاتفه النقّال، أن نتناول طعام السّحور فوق سطح البناية، حيث ينشر القمر بعضاً من نوره.
وهكذا كنّا نتناول سحورنا ولسان حالنا يدعو الله أن يغيّر هذا الوضع الذي مرّ عليه سنوات، وحاولت أن أضحك فيما كنت أقول لأولادي: بيكفّي طمع، مش معقول تفطروا في وجود الكهرباء، وتتسحّروا كمان في وجودها، حبّة كده وحبّة كده!.

 

المساهمون