رسالة إلى صاحب الفضيلة بالإخوان... هذه قصتي

05 مارس 2016
سيدي..اذهب فلن يكون الحال بعدك أسوأ من الآن(مواقع التواصل)
+ الخط -
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى من يهمه اﻷمر..
أو إلى صاحب الأمر..
أو مَن يحاول أن يتولى الأمر..
أو المتمسك بالبقاء في إدارة الأمر..


سيدي صاحب الفضيلة:
تحية طيبة وبعد،
أحكي لك قصتي وأرجو من سيادتكم قبل أن تقرأها.. أن تغفر لي استقطاعي من وقتك الثمين وأن يتسع صدرك لفضفضتي وثرثرتي وآهاتي وأنّاتي.

أعرفك بنفسي أنا شاب أحببت الإخوان وانضممت لهم من سنين وأثناء فترة... آسف يا سيدي..

سأوفر عليك الوقت وأنتقل إلى اللحظات الهامة التي أريد سردها وسأتجاوز قصتي مع الانضمام والاعتناق والاعتقال والتصعيد والانتخاب.

المشهد اﻷول (يناير):
قبيل ثورة يناير كان يملؤني الغضب من كل شيء في مصر.. فقررت أن أشارك في دعوات التظاهر ودعوت كل من أعرفهم لذلك، ولا تتخيل يا سيدي فرحتي الممزوجة بالفخر وأنا أرى الإخوان في مقدمة الصفوف.. وعلى مستوى الحدث وعند حسن ظن الشعب بها.

وكنت أتصدى بقوة لكل من يحاول التقليل من دورها أو التعليق على تأخر لحظة إعلان مشاركتها.

المشهد الثاني (لن نشارك):
مليونيات عديدة بعد يناير أشارك فيها خلسة حتى لا ألقى لوماً من المسؤول عني.. وأذكر كم كنت أبذل جهداً مضنياً في إقناعه كل مرة بأهمية النزول والمشاركة وكيف كنت ألح عليه أن يوصل صوتي لكم وينقل حيثيات رأيي -بالمناسبة هل وصلتكم؟-.

أذكر كم كانت تخيب آمالي تلك الثواني التي كان يخرج فيها للإعلام عضو مكتب الإرشاد الدكتور (فلان) ليصرح تصريحاً مقتضباً: "نحن لن نشارك في مليونية الجمعة القادمة، ﻷننا لم نتفق مع القوى الوطنية على أهداف موحدة".

وبعدها كان ينبغي عليَّ أن أبرر قراركم الذي لا أعرف حيثياته ولا ما وراءه للناس.. وبالطبع كان يجب أن أبذل قصارى جهدي في ذلك.

ليس هذا فحسب، بل أحداث وخيارات سياسية كنت مختلفا معها ومضطراً دون قناعة مني أن أواجه بها المجتمع حولي..

تذكر يا سيدي كيف سمّينا إحدى المليونيات على موقعنا الرسمي "جمعة الوقيعة بين الجيش والشعب"؟! وتوقيعنا على وثيقة تأييد الجيش؟! والفاتورة الباهظة التي تحملناها من التحالف مع حزب النور وتكلفة تصريحات قيادته وقنواته وهتافاته؟!

تذكر التصريحات السيئة المنفرة لبعض متحدثي الجماعة التي استعدت الناس ضدنا؟

المشهد الثالث: (محمد محمود ومجلس الوزراء)
أقسم لك يا سيدي أنني في هذه الأيام القاسية لم أذق طعم الراحة.. كانت مشاهد القنص وفقء العيون لا تغيب عن ذهني وصوت الآية التي كنتم تقرأونها علينا عندما كنا نهب لنصرة إخواننا في فلسطين والعراق "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر" يتردد في أذني.. وأمام هذا التزامي التنظيمي يُقيدني.. فقد كان المنع من المشاركة قوياً والرفض باتاً!

كنت أقول في نفسي إن الإخوان يلجمون الثورة ويكبحون جماح فرسها المنطلق! بهذه الخيارات الإصلاحية!

وما تعودنا أن نكون في مؤخرة الصفوف، خاصة في معركة عدوها ومدبرها واضح..!

مهما كانت غايتنا نبيلة ولكننا كنا صيداً سهلاً.. جماعة منظمة قوية لكن ردود أفعالها متوقعة فرسم لنا العسكر المسار الذي أرادونا أن نسير فيه..

كاد عقلي أن يذهب وأنا أسأل نفسي كيف لا ترون مخطط العسكر لاغتيال الثورة وزرع الشقاق بين رفقائها؟!

لقد نصب العسكر للقوى السياسية الفخ وأدخلنا معركة استقطاب طاحن.. وأزكينا نحن لهيبها.

استهلكنا أنفسنا معهم واستهلكوا أنفسهم معنا في معارك جانبية بعيدا عن العدو الحقيقي الذي ظل يشاهدنا باستمتاع ونحن نكسر عظام بعضنا البعض.

ورغم عدم قناعتي بمبررات تجنب الصدام مع العسكر والخوف من إلغاء الانتخابات.. إلا أنني في النهاية التزمت بقراركم وأقنعت نفسي بما قاله متحدثنا الرسمي وقتها: "نحن نعلم ما لا تعلمون"!

المشهد الرابع: (انتخابات الرئاسة)
في هذه اللحظة عاد لي التفاؤل من جديد رغم التخوفات الكثيرة بعدم قدرتنا على إدارة المعركة.. وحاولت أن أطمئن نفسي كثيراً بعد وعود الجماعة للصف وللشعب بأنها ستستطيع تغيير الوطن وتحقق نهضة كاملة.

وقناعتي زادت بذلك بعدما تم عزل طنطاوي وعنان.. كم كانت لحظة رائعة!

لم يطل الوقت بعدها حتى بدأت سلسلة أحداث مؤلمة ومربكة وكأنه عد تنازلي للسقوط.. الاتحادية وبورسعيد والبلاك بلوك وقطع الطرق وحرق المقرات وحصار النائب العام وجبهة الإنقاذ واعتصامات وإضرابات وقصف وتشويه إعلامي مستمر..

لا يعنيني ما الأسباب ومن السبب ولماذا وصلنا لهذا المشهد.. كل ما يعنيني أن الواقع كان مزرياً يا سيدي.

أركب المواصلات أو أمشي في الشارع أسمع الناس يصبون اللعنات على الرئيس ويسيئون إليه وإلى مؤيديه، حتى أصدقائي وأهلي الذين كانوا يحبون أن يستمعوا إلى كلامي ورؤيتي للأمور.. أصبحت بينهم مثار سخرية.

كنت أناقشهم وحدي وأتحمل وحدي.. لقد وجدتني أتحمل عبء وثمن أمور لم اقترفها.. وكثيراً لم أكن مقتنعاً بها ولا متسقاً معها.

المشهد الخامس (رصاص ودماء وسجون):
أحداث -لا أظن- أنني سأرى أسوأ منها في حياتي.. الدم في كل ناحية والقمع يطاول الجميع والمطاردات لا تتوقف.. وفقدان الأحبة والأصدقاء بالقتل أو بالاعتقال أصبح أمراً عادياً ويومياً، ورغم صمود اﻵلاف في اعتصام جمعتمونا فيه وفي مظاهرات قدتمونا فيها.. الآلاف لم يبخلوا بالتضحية بكل شيء لدعم قراراتكم وتحركاتكم.. إلا أن الدكتور محمد مرسي لم يرجع إلى القصر.. لا العصر ولا الفجر.. كما وعدتمونا!

النهاية (نهاية مفتوحة إلى ما لا نهاية):
بعد أكثر من سنتين أُنهكنا فيهما تماماً.. ومن تبقى منا يحاول أن يتماسك بصعوبة أمام أكبر أزمة عصفت بجماعة الإخوان.. لم ينج من ويلاتها قيادة ولا عضو ولا محب ولا متعاطف ولا خصم.. العسكر صوب فوهة بنادقه نحو الجميع.

سيدي صاحب الفضيلة
طوال شهور أرى في وسائل الإعلام صراعا بينكم على إدارة الجماعة.. حرب البيانات والبيانات المضادة وتصريحات من المتحدث والمتحدث المقال واتهامات متبادلة وقرارات تجميد وفصل بالجملة.

تخيل أنني ما زلت أحسن الظن فيكم.. ما زلت أنصفكم في نفسي، وأقول كالعادة "لعل الأهداف نبيلة".

ما زلت أقدر فضلكم وتضحياتكم وصلاحكم.

ولكن أين حقي في القرار؟ أين صوتي؟ أين رأيي؟ أين مكاني؟ أين أنا؟ هل أنا في عينيك لا شيء؟
هل تريدني دائماً مسلوب الإرادة؟ وأن أبقى دائماً مشغولاً بنفسي وبدوري اليومي كما تعودتم أن تقولوا لنا كلما اختلفنا مع شيء نفس الجملة (ركز في دورك واسأل نفسك عملت إيه؟)

أتدري يا سيدي كم تصوراً قدمته؟ وكم مقترحاً لحل المشكلات التي واجهتنا رفعته إليك؟ لا أدري ماذا فعلت بها؟
لكن لا شيء تغير..!

انتظرت طوال سنتين أن تأتيني وتصارحني بما حدث أو حتى اسمع منك أو أقرأ وسط عشرات البيانات التي تصدرها كلمة "اعتذار" لما وصلنا إليه.. أو حتى "توضيح" منك لماذا وصلنا إليه؟ أو "اعتراف" أنك المسؤول عما وصلنا إليه؟ وألا ينبغي أن نلوم القاتل وحده.. فقد وضعت رقابنا تحت حد سيفه.

أي انقلاب سيسقط ونحن بهذا الهوان على أنفسنا قبل أعدائنا؟ متى سندرك أن موطن المشكلة فينا قبل أن نلوم العقبات التي واجهتنا والعدو الذي سعى ﻹفشالنا؟!

سيدي صاحب الفضيلة
هل محصلة إدارتك دوماً "اجتهد فأخطأ".. ألن تجتهد يوماً فتصيب؟
هل فكرت يوماً أن تذهب بعيداً؟ أو تذهب قريباً لكن دون أن تكون صاحب الفضيلة؟
أما جال في خاطرك يوماً أن تسألنا عن رغبتنا في ذهابك أو بقائك؟
أما جاءك هاتف نفسك وقال لك: كفاك.. وكفاهم.. وكفانا ما وصلنا إليه؟

سيدي صاحب الفضيلة..
اسمعني ولو لمرة واحدة.. اذهب فلن يكون الحال بعدك أسوأ مما هو الآن.

(مصر)

المساهمون