ربما أعبر البحر
والبحر بحيرة زرقاء،
البحر شارعٌ أو نهرٌ.. البحر طريق.
ربما أغادر، في مساء هادئ
أو في أوّل النهار
والأمل يلمع في منزلي
شعاعَ نورٍ على حائط،
أو غيمة من شتاء الأمس
تُركت على الكرسي، مضاءةً
أو رأس غزال معلّق في الردهة.
ربّما أبدأ مرّة أخرى،
سوف أخرج من النهر هذه المرة
هادئاً وبسيطاً،
والساحرات يتركن جرابهن عندي،
مملوءة ذهباً
والذهب فراغٌ،
مرايا تعكس الجرح المُخبّأ
هل نحرق القوارب أولاً.. كي لا نعود؟
ونسمي أبناءنا بأسماء أشياء نراها
زهرٌ أبيض
وردٌ ينمو أمام أعيننا
هل ندفن الذكرى؟
وننحر الخيل المقابِلَ حين يتبعنا أهلنا..؟
نحن متنا خلال النهار
وغنّى في جنائزنا رجال طيبون
يخبئون الله في الأدراج
تعويذة زرقاء وكلاماً قديماً.
نحن متنا في طفولتنا
أنا حضرت عارياً،
وضعوني في ملاءة بيضاء
وودعوني وداعاً خفيفاً
لا أذكر الأشياء واللغة
وصورة البيت ذابت،
ملحاً على حجر مبلّل
لكني أشعر بالدفء
ربما كان بيتنا دافئاً،
أمي تلفُّ يديها حول النار
وتهمس لها
والنار تخرج من طفولتها،
زهرةً حمراء.
نحن متنا في طفولتنا
ورمينا أسماءنا الطويلة في هدير السيل.
لم ينج أحد من غيابنا
أنا غبتُ عن أحد غاب عنّي
رجل من الصحراء يتعبه الثلج والمنفى في روما
هل أغلقتَ -مثلي- الباب على جرحك؟
ودسست تحت الباب منشفة تجفّف الدم حين يخرج حاراً ورطباً؟
غفرتُ لوالدي
ورأيت طفولتي غزالة منحورة في حجرة البيت.. فهل غفرتَ لوالدك؟
وعلقتَ رأس غزال، أملاً ذهبياً يلمع في الردهة؟
أنا غفرتُ لك
وقلتُ: يتعبه الثلج والمنفى في روما.
هذا هو البيت
وحداثة الأقفال هدهدة الزمن لطفل كبر في غيابك.
ماذا سأفعل إذن؟
سأبيت في المنفى، أيلاً تائهاً، وأحيا سهواً
سأرحل أنا أيضاً
فهم قد ماتوا قبلي
لاموا المنائر والبلاد.. وغنوا حول النار
ودفنوا مفاتيحهم القديمة في الطين، وماتوا
جرائر من طين، وشموسًا من طين وبكاءً من طين
هم قد رحلوا.. منحازين إلى التيه
وسمعوا خبراً قديماً عن تيه الإله.. وتاهوا
وعن ندم الإله، وندموا
وعادوا شيوخاً طيبين للبيت
وللأطفال الذين كبروا في الغيابِ فأعادوا طلاء المنازل وغيّروا الأقفال
عنّي أنا تغيب؟ لا... قلتُ، سأعبر البحر أيضاً.
سأبدأ مرة أخرى.. واضحاً وبسيطاً.
أتوب عن هزائمَ قديمة، وجراحٍ قديمة
أقرع كأسي، كأس الوحيد، بحجر
وأقول لجرح في المخيلة:
تشبه شخصاً أعرفه،
وحيداً ومنفياً في روما
أقول لجرح في المخيلة:
لا.. ربما كان حلماً
*شاعرة من مصر