رائد الريفي... مكفوف يصلح سيّارات غزة

24 يونيو 2015
الريفي في ورشته داخل القطاع (العربي الجديد)
+ الخط -
على باب ورشته في شارع المشاهرة شرق غزة، يقف المارة لمشاهدة الشاب رائد الريفي، وهو يتحسس بكلتا يديه سيارة أصابها عطل خارجي، ليبدأ بعدها في إصلاح ما اكتشفه بعناية فائقة.

الريفي البالغ من العمر 37 عاماً، تعرض لحادثة قبل أربعة أعوام، فَقَدَ على إثرها بصره تماماً. حادثة لم تمنعه من استكمال شق الطريق إلى مهنته التي بدأ فيها، عندما كان في سن الثانية عشرة بإصلاح السيارات التي تعرضت إلى حوادث مرورية.

يقول الريفي لـ "العربي الجديد": "برغم العجز وفقدان البصر لم أستسلم لهذا الواقع الصعب، وصمّمت على الرجوع إلى مهنتي التي حلمت بها منذ طفولتي. فأنا جزء من أسرة مكوّنة من ستة أفراد، وأريد تلبية حاجاتها كافة، كي لا أحتاج إلى المساعدة والمعونة من الآخرين. شعاري دوماً لا يأس مع الحياة".

مهنة "سمكرة السيارات" أي تصليح السيارات، كما يطلق عليها هنا في غزة، تحتاج إلى دقة كبيرة واستخدام آلات عديدة لتعديل الانحناءات الحاصلة في السيارة. يشرح الريفي أنه "في البداية كان الحال مؤلماً، أن أرى نفسي فاقداً للبصر، لكن إصراري وعزيمتي نجحا في إعادتي إلى عملي، حيث لم أواجه الكثير من الصعوبات، لأن لدي مخزونا من الخبرة المتراكمة والمعلومات السابقة للاستمرار في مهنة "السمكرة"، على الرغم من فقدان البصر واختلاف ظروف العمل".

الإتقان سر النجاح
داخل الورشة، يتنقل الريفي من سيّارة إلى أخرى، ممسكاً إمّا بآلة تعديل الانحناءات أو آلة الجلخ الخاصة بتنعيم السيارات. يشرح الريفي أن عمله داخل ورشته "يكمن في التعديل بصورة أساسية، كذلك تجليس غطاء السيارة الأمامي، بحاسة اللمس التى أجيدها أفضل من المبصرين. كما أقوم بتركيب الأضواء واللوحات". أمّا الأعمال الأخرى التي يواجه صعوبة ويعجز عن تنفيذها، يقول "أعتمد على اثنين من عمالي ليقوما بهذا العمل مثل اللحام والقص".

يرى الريفي أنه الوحيد في العالم الذي يعمل في مهنة سمكرة السيارات وهو مكفوف البصر. الجميع، وفقه، يشعرون بالغرابة "عندما يشاهدونني، لكن داخلياً أنا سعيد بعزيمتي القوية، إذ أقوم بإصلاح كل أنواع السيارات، وتحديداً السيارات الحديثة".

يعمل مع الريفي عاملان اثنان، خاضا معه مغامرته منذ بدايتها، وقد تولّى هو تعليمهما المهنة، واستمرا معه بعد فقدانه بصره، حيث يتعاطون جميعاً مع بعضهم بعضاً كما لو أنهم أسرة واحدة.

أمّا علاقته مع زملائه في المهنة فهي جيدة، كما يقول، إذ يستعينون بي في بعض أمور العمل، خصوصاً الدقيقة منها.

ويتميّز عمل الريفي بالإتقان الواسع في معالجة آثار الحوادث التي تتعرّض لها السيّارات، فـ "الإقبال على ورشتي كبير نتيجة عملي المميّز والمتقن". فهو "مضطر لأن يكون مميزاً كي يحصل على ثقة الزبائن، خصوصاً عبر اللمسات الفنية التي تجلب لي عشاق الاهتمام بسياراتهم".

إصرار للاستمرار
لا يخفي الريفي أن سبب نجاحه وتغلبه على واقعه يعود بالفضل إلى عائلته، وتحديداً زوجته، التي وقفت بجانبه، وساعدته على استكمال حياته. فهي لم تيأس، ودفعت به للعودة إلى مهنته بمعنويات عالية.

في الورشة، يصفه أحد زبائنه أبو عاذرة بأنه "يمتلك قدرة عالية على تصليح السيارات، بالرغم من فقدانه للبصر. سيارتي تعرضت لحادث كبير، إلا أنها عادت كما كانت بفضل خبرة وعمل رائد، فهو متميز عن الكثيرين، ويفد الناس إليه من أبعد المسافات".

يضيف أبو عاذرة بأنه دائماً ما ينصح أصدقاءه ومعارفه بتصليح سياراتهم لدى رائد، فـ "نحن عندما نأتي ندعمه ونرفع من معنوياته، حتى لا يشعر باليأس من الحياة".

أمّا أمنيات الريفي فليست كثيرة. يقول: "أتمنى أن يعاد لي بصري، وأن أستطيع تنفيذ كل الأعمال التي تقتضيها مهنتي، وأن أطوّر نفسي في ظل امتلاكي المهارات والتميز والمعدات، كذلك أتمنّى رؤية أبنائي، خصوصاً أصغرهم الذي لم أره منذ ولادته".
دلالات
المساهمون