شهدت الصراعات السياسية في حزب "نداء تونس" منعرجاً غير مسبوق، خاصة بعد اجتماع أعضاء من الكتلة النيابية للنداء، وإصدارها بياناً دعت فيه إلى الاستقرار السياسي "ضماناً لدحر الإرهاب" وإلى دعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ليسارع المتحدث الرسمي باسم "نداء تونس"، منجي الحرباوي، إلى وصف الاجتماع بـ"غير القانوني ولا يمثل الهيئة السياسية"، مؤكداً أن موقفهم الرسمي من الحكومة هو ذاته.
ويبدو أن الموقف من رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد زاد حدّة الانقسامات والتجاذبات التي يشهدها النداء بين داعم ورافض لبقائه، وهي أزمة ذكرت الرأي العام في
تونس بالانقسامات الحادة التي عرفها الحزب منذ بضع سنوات بين مؤيدين للمدير التنفيذي حافظ قائد السبسي ورافضين لبقائه، وعرفت آنذاك بأزمة الشقوق وأدت إلى تصدعات وانشقاقات كبيرة في الحزب الحاكم.
ويقود الدعوة إلى دعم الشاهد رئيس كتلة "نداء تونس" وعضو الهيئة السياسية سفيان طوبال، الذي جمع أغلب أعضاء الهيئة السياسية للحزب المقدر عددهم بـ 9 أعضاء للإعلان عن موقف مساند لرئيس الحكومة، معلنين ضرورة المحافظة على الاستقرار السياسي، وهو موقف متناقض تماماً مع موقف الحركة الرسمي.
وأكّد محمد رمزي خميس، النائب عن "نداء تونس" وعضو لجنة تقييم عمل الحكومة التي تم تشكيلها من قبل الحزب مؤخراً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماع أعضاء الكتلة النيابية لنداء تونس ودعوتهم إلى دعم الاستقرار تأكيد على دعم الحكومة، لأنه لا يوجد أي إجراء قانوني وواضح لسحب الثقة أو إعفاء الحكومة من مهامها"، مبيناً أنه طالما أن الحكومة "موجودة وتعمل، فإنه لا بد من دعمها، خاصة من قبل الحزب الحاكم الذي رشح رئيس الحكومة ويشارك في تركيبتها بعدد من الوزراء".
وبيّن النائب عن "نداء تونس" أنه "توجد اليوم انقسامات داخل النداء بسبب الشاهد والموقف من الحكومة، وهي خلافات طبيعية وغير عميقة، لأن الهدف منها الإصلاح والوصول بالحزب إلى المؤتمر النهائي"، مشيراً إلى أن هدفهم الأول والأخير هو "أن يسترجع نداء تونس مكانته التي يستحقها ويعود كحزب يمكنه تعديل الكفة السياسية".
وتابع خميس أن "نداء تونس فقد جزءاً مهماً من صورته كحزب أول وحاكم يقود البلاد، ولا بد أن يسترجع الصورة التي كان عليها في 2014، ومن أجله صوّت له الناس والمنخرطون"، مبيناً أنه "لا رغبات شخصية أو طموحات سياسية من وراء موقفهم الأخير الداعم للشاهد".
وأشار المصدر نفسه إلى أنّه "توجد مصلحة وطنية يجب أن يراعيها الجميع، خاصة أن تونس مهددة اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، فبعد العملية الإرهابية الأخيرة الغادرة التي وقعت في تونس وتحديداً في جندوبة، فإن الوضع متأزم ولا بد من مراعاة مختلف هذه المسائل".
وقال النائب إنه "لا بد من الاستقرار لاستكمال الانتقال الديمقراطي في تونس واستكمال المؤسسات الدستورية التي لا يمكن لها أن تتم إلا بالاستقرار السياسي، أي بالاستقرار على مستوى رئاسة الحكومة والحكومة أيضاً"، مؤكداً أن موقفهم "صريح ولا لبس فيه"، وأنهم اجتمعوا في إطار قانوني وطبقاً للنظام الداخلي للهيئة السياسية.
وأفاد بأن "الهيئة السياسية المنبثقة عن مؤتمر سوسة في يناير/ كانون الثاني 2016 تعنى بالحزب وبنفقاته وبأعماله بدءاً من 2016 إلى غاية اليوم، وهي نفس الهيئة التي صادقت على القائمات البلدية للانتخابات البلدية، وزكّت وعينت حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي للحزب حاليا وتم تكليفه بالإدارة التنفيذية للحزب، وبالتالي فإن اجتماعهم قانوني بل إنهم يرون أنّ تصريحات المتحدث الرسمي باسم الحزب هي التي تعتبر غير قانونية، لأن الناطق الرسمي يجب أن يكون عضواً في الهيئة السياسية للنداء، ولكنه نائب ولا يمكن أن يكون قانونياً ناطقاً رسمياً".
وأوضح خميس أن "أعضاء الهيئة السياسية معروفون بالاسم، وأنه بعد الاستقالات التي حصلت ووفاة سليم شاكر وزير الصحة سابقاً فإنهم لم يعودوا 32 كما روج مؤخراً بل بقوا 19 عضواً فقط في الهيئة السياسية، ولا يوجد من ضمنهم اسم المتحدث باسم الحزب".
وأضاف أنّ "التغيير الجزئي أو الكلي للحكومة موضوع لم يتم البت فيه من أي جهة"، مبيناً أن هناك أطرافاً موقعة على وثيقة قرطاج، وهي الأطراف التي كونت حكومة الوحدة الوطنية ضمن نقاشات يشرف عليها رئيس الجمهورية والتي تم تعليق اجتماعاتها".
وزاد في السياق ذاته "يوجد أيضاً برلمان هو الذي من شأنه أن يسحب الثقة من الحكومة عن طريق لائحة لوم، وأن يأتي رئيس الحكومة ويعرض حكومته على البرلمان طبقاً للفصل 98، وطالما أن كل ذلك لم يحدث ولا توجد أيضاً أي بوادر لحدوثه فإنه لا بد من توفير السند اللازم للحكومة الحالية".
وقال المتحدث الرسمي باسم "نداء تونس" منجي الحرباوي إن "التصريحات الصادرة هي مجرد آراء شخصية لا تلزم إلا أصحابها، وخاصة في ما يتعلق بالمسائل الوطنية الكبرى المتعلقة بالحكومة والاستقرار الحكومي"، مؤكّدا أنّ "حركة نداء تونس ما تزال متمسكة بموقفها الوطني المنحاز للمصالحة الوطنية العليا ولمصلحة الشعب التونسي بدون حسابات سياسية ضيقة".
وأوضح الحرباوي في تصريح إعلامي أنّ "لقاء بعض أعضاء الكتلة النيابية عن حركة نداء تونس لا يعتبر اجتماعاً رسمياً للهيئة السياسية، خاصة في ظل غياب الممثل القانوني لنداء تونس ومديره التنفيذي"، مضيفاً أن "كتلة نداء تونس تستنكر هذا الموقف الصادر من قبل بعض أعضاء اللجنة المذكورة التي انحرفت بأعمالها بعيداً عن الهدف الحقيقي الذي أحدثت من أجله".
وأشار إلى أن "الإدارة التنفيذية ستنظر في إنهاء أعمال هذه اللجان ضماناً للاستقرار ولوحدة الصف داخل الكتلة وهياكل الحزب".