دائماً ما تحلّ ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتحمل معها مزيداً من الأسى، وضغطاً على الجرح الذي لم يندمل بعد في نفوس كل من شارك في هذه الثورة وآمن بها. إلا أنّ هذه الجراح لا تنفي الحلم الذي يتجدّد مع كل دعوة للتحرّك، ومع كل منعطف يذكّر بأنّ هناك حلماً يسع الجميع، لكن لم يتحقّق بعد.
يقول أسامة محمد (اسم مستعار بناءً على رغبة صاحبه)، وهو شاب مصري في العقد الثالث من العمر، إنّ تكرار ما حدث في 25 يناير "يبدو حلماً عفوياً وطفولياً، لكني متمسّك به بقوة. ففي عام 2022، سيعاد التاريخ نفسه، وسيتزامن يوم الثلاثاء مع تاريخ 25 يناير، ويوم الجمعة مع تاريخ 28 يناير، كما حدث عام 2011، حينها سيمنحنا القدر فرصة ثانية".
وكانت اندلعت الشرارة الأولى لثورة يناير يوم الثلاثاء في الـ25 من ذلك الشهر عام 2011، في عيد الشرطة المصرية، رفضاً لممارسات العنف والتعذيب على يد قوات الأمن، وامتدت الشرارة ليوم الجمعة في 28 يناير من ذلك العام، فيما عرف حينها بـ"جمعة الغضب"، إذ كانت المواجهات عنيفة، وسقط عدد كبير من القتلى والمصابين، وأعلن الثوار الاعتصام بالميادين، وتحوّل الهتاف من "الداخلية بلطجية" إلى "الشعب يريد إسقاط النظام".
من جهتها، تقول نيرة عبد الرحمن (اسم مستعار بناءً على رغبة صاحبته)، إنّ "الجيل الحالي الذي شارك في الثورة، مكسور، يحركه اليأس والغضب، لا حلم التغيير. جيل منهك من الأعباء النفسية التي لحقت به خلال الأعوام التي تلت الثورة. جيل مشغول بالصراعات السياسية والحزبية".
وبرأيها، فإنّ "الثورة لا بدّ أن تتفتّق من جيل أكثر وعياً، وأقلّ انخراطاً بالصراعات والخلافات السياسية والأيديولوجية. من جيل مؤمن بالتغيير، وحالم بوطن من أجل للجميع". وتوضح: "يمكننا التمهيد لهذا الجيل من خلال تنشئة أبنائنا ليكونوا أسوياء ونافعين. الأمل فيهم، والحلم يمتدّ معهم مهما طال الزمان. ويوماً ما، سيمسكون بالراية ويحققون الحلم".
أمّا بالنسبة إلى الشاب الثلاثيني، عماد رأفت (تم تغيير الاسم كذلك، بناءً على رغبة صاحبه)، والذي يقطن بالقرب من ميدان التحرير بوسط القاهرة، فإنّ "هناك زاوية واحدة مشرقة وسط كل هذه العتمة، هي الإفراج عن المعتقلين الذين دفعوا الثمن الباهظ لمشاركتهم في هذه الثورة". ويضيف "ليفرجوا عنهم وليكن بعد ذلك ما يكون".
عماد رأفت له العديد من الأصدقاء والأقارب في السجون على خلفية قضايا سياسية، ووصل لدرجة من اليأس والإحباط إلى حدّ أنّ منتهى آماله هو الإفراج عن المعتقلين.
على الجانب الآخر من الحدود الغربية لمصر، يوجد حلم أكثر بساطة لدى عبد الله أحمد (اسم مستعار)، يتمثّل في مجرد العودة لبلده، بعد أن اضطر للخروج منها مرغماً، إذ تأكّد أنّ اسمه مدرج في بلاغات ضبط وإحضار على خلفية انتمائه لحركات سياسية مصرية منذ ما قبل ثورة 25 يناير.
ويقول لـ"العربي الجديد": "العودة لمصر حلم يتجدّد كل صباح. ومع هذا، لا أتمنى العودة إلا منتصراً ومرفوع الرأس، لا خائفاً من ملاحقات أمنية أو إيقاف في المطار وترقّب وصول". ويضيف "لا يغيب الوضع في مصر عن مخيلتي لحظة، أتابع عن كثب كل ما يدور فيها والعالم، علّ ذلك يحمل أيّ بصيص أمل لانفراجة مزمعة تقربني من الحلم".
بدورها، تقول الصحافية المصرية "أ. ع" (تمّ حذف الحروف الأولى من اسمها لدواعٍ أمنية، بناءً على رغبتها)، التي شاركت في ثورة يناير وما سبقها من أحداث سياسية: "منذ كنت صغيرة وأنا أردد: تحرير القدس يبدأ من تحرير القاهرة. بهذا المنطق درست الإعلام لأكون مراسلة صحافية في فلسطين، ومن هذا المنطلق شاركت في ثورة 25 يناير، وإلى اليوم شغلي الشاغل هو قضية العرب الأولى: القدس".
وتضيف "أ. ع"، أنها كانت تشارك منذ ما قبل الثورة في تظاهرات حركة "كفاية" (الحركة المصرية من أجل التغيير)، وجميع الثورات والتحركات المناصرة للقضية الفلسطينية. وتوضح: "كنت أشارك في التظاهرات من دون علم أهلي. أخرج من الجامعة باتجاه دار القضاء العالي لأشارك في تظاهرة لحركة كفاية. أو أتوجّه من جامعة القاهرة إلى جامعة عين شمس للمشاركة في مسيرة لدوس العلم الإسرائيلي في شارع الخليفة المأمون أمام الجامعة. أو أتوجه إلى نادي القضاة بجوار نقابة الصحافيين في وسط القاهرة للمشاركة في اعتصامهم".
هكذا تبلورت فكرة الثورة في عيون "أ ع"، قبل أعوام من اندلاعها، وهكذا تنامى داخلها ربط أحداث مصر بالوطن العربي والعالم، ورفضها لـ"مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يسير عليه النظام المصري الحالي ببيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، واستيراد الغاز المصري من إسرائيل، ومباركة خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بصفقة القرن". وبناءً عليه، تتساءل: "اليوم، بعد تسعة أعوام من الثورة، وبعد كل هذه السياسات الممنهجة التي يتبعها النظام المصري المعادي لها، أليس تحرير القدس يبدأ من تحرير القاهرة؟".