داليدا

20 مارس 2017
داليدا في عام 1981 (دومينيك فاجيه/ فرانس برس)
+ الخط -
"المرأة التي تطوّق أنوثتها تساوي رجلاً/ أردت أن أموت من دون أن يكرهني أحد/ أريد أن أموت مثل فكرة: التزام، تفان، من دون ندم. فلن أموت مرة أخرى/ أشعر بتحسّن. مهنتنا ممتازة في هذا. حوّلت كلّ المعاناة إلى مهنة/ السعادة؟ لا أعرف ما هي/ لم أكن امرأة، كنت مصنعاً للأغنية/ لا أزال غير راضية، وأنا في حاجة إلى زيارة الجحيم مرة أخرى لمعرفة السبب/ جئتُ إلى هذا العالم وحقّقت الكثير. لكنّ حياتي هي التي لم تنجح". وأخيراً: "رجاء أغفروا لي. الحياة أصبحت لا تطاق".

هذه داليدا وبعضٌ ممّا قالته في حياتها. وفيلم "داليدا" لا يعكس جزءاً من حياتها الخاصّة فقط، بل يعكسنا فيها أيضاً. لا حاجة إلى أن تكون موجودة بجسدها. روحها وأرواحنا أقوى، تلتقي في مواقف ومشاعر كثيرة. الرغبة في الحياة أو الرغبة في الموت، علاقتنا مع عائلتنا، وتلك التفاصيل التي تجد مكاناً في ذاكرتنا. تفاصيل خبيثة، تنام طويلاً وتُحدث بلاء في أجسادنا قبل أن تقضي عليها تماماً. وعلاقاتنا مع الآخرين، وأفكارنا عنهم وعن أنفسنا، والبحث عن الحياة التي نريد.

"أنتِ تُشعرين ملايين الناس بالأمل. لكن من يجعلني أشعر بالأمل؟". علاقات حبّ فاشلة. وقبلها وبعدها علاقة فاشلة مع نفسها. في فترة من حياتها، أرادت أن تكون امرأة فقط، فيما كانت كثيرات يرغبن في أن يكنّ مثلها. كلّ يريد أن يكون الآخر. وبعد الآخر، يبحثُ عن آخرين. في كلّ هذا الكون، في المسارح الكثيرة وفي العيون الناظرة إليها بإعجاب وتقدير، لم تجد نفسها. وفي عينيها، كانت ترى حزناً يغلبها كثيراً وتغلبه أحياناً، حين تصير الأغنية على المسرح. ربّما كانت تُدرك أنّ الحياة ليست أغنية.

وقبلَ أن تموت، كانت قد تعرّفت على الموت كثيراً. ما كلّ هذه الكآبة؟ لو أنّنا نلمس هذا الشيء الذي قد يجعل إنساناً كئيباً إلى هذه الدرجة ونقتله. الماضي؟ المواقف؟ البشر أنفسهم؟ نحن؟ هي قتلت نفسها. لم تتّهمها، لكنّها فضّلت أن ترتقي بها. ألا تصعد أرواحنا إلى السماء؟
داليدا. كلّ هذه الموسيقى وكلّ هذا الغناء لا يكفي. ونحنُ لا نخالها إلّا على المسرح تمنحنا ذلك الأمل. حتّى اليوم، ما زالت على المسرح. ويصبح خبر انتحارها أقدم من وجودها في الحياة.

القول إنّنا وجدنا أنفسنا فيها قد يبدو مضحكاَ لآخرين. داليدا مرّة واحدة؟ لكنّها مثلنا. لطالما وجدت نفسها في أخريات، ربّما في أمٍّ تُسرّح شعر ابنتها. وجدت لنفسها مهنة، قبل أن تجد نفسها. نشبه داليدا وتشبهنا، طالما أنّنا مثلها، عثرنا على كلّ شيء قبل أن نعثر على أنفسنا. رجاء اغفروا لنا.

المساهمون