خيارات فلسطينية مفتوحة رداً على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل

07 ديسمبر 2017
ترامب أثناء زيارته القدس المحتلة بمايو (رونين زفولون/فرانس برس)
+ الخط -
تجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب جميع التحذيرات التي توالت على مدى الـ48 ساعة الماضية من معظم الدول حول العالم، وقرر الإعلان عن الاعتراف بالقدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل، في تطور تجمع مختلف الآراء على أن تداعياته سترسم معالم مشهد سياسي جديد أوله في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تواجه اليوم حرباً مفتوحة عليها تهدف إلى قضم ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بحق عودة اللاجئين وحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تملك السيادة وتكون عاصمتها القدس، بما يضع الفلسطينيين أمام خيارات مفتوحة ستكون الأيام القليلة المقبلة كفيلة بإيضاح بعض من معالمها وإن كان تجدد الانتفاضة أبرزها.
لكن تداعيات الخطوة الأميركية، التي تحمل الكثير من الدلالات إن في ما يتعلق بتوقيتها في ظل خلافات عربية لا تنتهي، وتواصل إسرائيلي غير مسبوق مع عدد من الدول العربية، أو في ما يتعلق بأهداف ترامب الداخلية التي دفعته إلى إسقاط السياسة الأميركية المتبعة منذ عقود تجاه قضية القدس، ستمتد إلى كامل الشرق الأوسط ليكون القرار، على حد وصف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، "بداية لزمن التحولات المرعبة على مستوى المنطقة" التي كانت تعج على مدى الأشهر الماضية بالأحاديث عن "صفقة القرن". ولذلك لم تجد المحاولات الأميركية للتهوين من خطورة الإعلان الأميركي أي صدى أمس، بما في ذلك قول وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إن ترامب ملتزم للغاية بعملية السلام في الشرق الأوسط وفريقه يعكف على وضع أساليب عمل جديدة، لا سيما أن ترامب، الذي استحق وصفه بأنه "رمز أسوأ ما في أميركا على الإطلاق"، سمع على مدى أيام متواصلة تحذيرات دولية وإقليمية وعربية من خطورة قراره وما يمكن أن يفضي إليه من كارثة. 
ويتحدث الفلسطينيون عن خيارات مفتوحة أمامهم للرد على القرار الأميركي وللتأكيد على حقوقهم الثابتة سواء على المستوى الرسمي الدبلوماسي أو القانوني أو الفصائلي والشعبي، وهو ما تزامن مع سلسلة اتصالات أجرتها القيادة الفلسطينية، أمس الأربعاء وقبل ساعات من إعلان ترامب عن قراره، في ما بدا أنه محاولة أخيرة لمحاولة وقف تهور ترامب، بما في ذلك الاتصال الذي أجراه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أمس الأربعاء، بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، الذي أكد خلاله على "ضرورة تدخل الأطراف كافة، للحيلولة دون تنفيذ القرار الأميركي، لما له من تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم". 

ويأتي التحرك الفلسطيني تجاه أوروبا نظراً لوجود مواقف أوروبية حاسمة ضد التحرك الأميركي. وفي السياق، أكد السفير الفلسطيني لدى الاتحاد الأوروبي، عبد الرحيم الفرا أن "الدول الأوروبية كافة ترفض التوجه الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل. وأوضح أن "عددا من القادة الأوروبيين شددوا على أنهم لن يسمحوا بمرور هذا القرار الأميركي، الذي يهدد استقرار الشرق الأوسط الذي يقود أيضاً لزعزعة استقرار القارة الأوروبية برمتها".
وكشف عن "توجّه 12 دولة أوروبية للاعتراف بفلسطين، إذا ما اعترفت بها فرنسا على حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها"، مشيراً إلى أن "وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز، أكد أنه في حال اعترفت فرنسا بدولة فلسطين فإن بلاده ستعترف بها بعد أقل من ساعة". وأضاف الفرا في حديث لإذاعة "صوت فلسطين" الرسمية، أمس الأربعاء، أنه تنديداً بالخطوة الأميركية، علّقت دول الاتحاد الاجتماع الذي كان مقرراً لمجلس الشراكة الأوروبي الاسرائيلي وسط مساعٍ أوروبية لإلغاء المجلس". 

من جانبه، أعلن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، في حديث لإذاعة "صوت فلسطين" الرسمية، أمس، عن "ثلاثة مسارات للتحرّك فلسطينياً لمواجهة الخطوة الأميركية، تتمثل بالمسار السياسي عبر الأمم المتحدة، والانضمام للمعاهدات والاتفاقيات الدولية لتعزيز مكانة دولة فلسطين، وكذلك على المستوى القانوني بتحريك الدعاوى القضائية، وأخيراً على المسار الشعبي السلمي في كل الأراضي الفلسطينية والشتات، ناهيك عن دعم وتنشيط حملة المقاطعة".

وطالب مجدلاني الدول التي اعترفت بدولة فلسطين بـ"رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، وكذلك التي لم تعترف بها، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967"، مشيراً إلى أن "موقف الرئيس الأميركي وضعنا أمام مرحلة جديدة وتحديات إضافية تتطلب التعامل معها بكل المستويات المطلوبة، الأمر الذي وضع حداً لعملية السلام وللرعاية الأميركية لها".



فصائلياً وشعبياً، أفاد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأنه "لا بد من مواجهة القرار الأميركي المعادي لحقوق الشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية ولقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي والذي يشكل زعزعة للوضع في المنطقة". وأبدى اعتقاده بأن "الفصائل الفلسطينية جميعاً أكدت على أهمية تواصل الجهد الرسمي الذي تبذله القيادة الفلسطينية مع أطراف المجتمع الدولي، مع مواصلة الجهد الشعبي الداخلي من أجل الاستمرار بفعاليات تؤكد على رفض هذا القرار الأميركي، والتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بحق عودة اللاجئين وحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تملك السيادة وتكون عاصمتها القدس".

وشدّد أبو يوسف على أنه "في حال المضي بالإعلان من قبل ترامب عن هذه الخطوة، فسيكون هناك حالة من الغضب، ليس فقط فلسطينياً بل على مستوى الشعوب العربية والإسلامية، للتأكيد على أنها لن تقبل أن تكون القدس موضوع مساومة بالنسبة للولايات المتحدة". ولفت إلى أنه "سيكون هناك فعاليات تعم الأراضي الفلسطينية جميعاً، من خلال التأكيد على المشاركة في المسيرات بالساحات العامة وفعاليات أخرى في المساجد والكنائس، وغير ذلك، للتعبير عن رفض القرارات الأميركية، إضافة إلى حراك في العديد من عواصم العالم، للتأكيد على رفض هذا القرار الذي يمس بحقوق الشعب الفلسطيني".

وحول إمكانية اندلاع انتفاضة كما حدث قبل انتفاضة الأقصى الثانية (2000 ـ 2005)، أشار أبو يوسف إلى أنه "أمام هذه المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، فإن الأمور ستكون مفتوحة تماماً أمام كل الاحتمالات، فالولايات المتحدة عندما تعلن عن خطوتها هذه فهي تعلن حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني، لذا سيكون هناك مجموعة من الخطوات التي تؤكد على رفض وخطورة هذه الخطوة الأميركية على حقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها حقه الطبيعي بإقامة دولته وكفاحه ويؤكد على التمسك بهذه الحقوق والثوابت". وشدّد على أن "المطلوب الآن في ظل الإعلان من قبل ترامب بشأن القدس، ضرورة تكثيف وإنجاز الوحدة الوطنية لبناء مواجهة لهذه التحديات التي تحاول الولايات المتحدة من خلالها المساس بحقوق الشعب الفلسطيني".



من جانبه، قال القيادي في حركة "حماس" بالضفة الغربية، حسن يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الاعلان يؤكد صدق رؤيتنا أن الولايات المتحدة لم تكن في يوم من الأيام نزيهة وعادلة، ولم تؤد دوراً نزيهاً ولا يمكن أن تقرّ بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني. وهذا موقف أميركي قديم ـ جديد يتنكّر لحقوق شعبنا الفلسطيني، بالاستجابة لرغبات تلتقي مع الرغبات الإسرائيلية في أحلامها والمعتقدات. لذلك هناك قول عن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وهو (من العار علينا أن يأتي عام 2000 ولا يُبنى الهيكل)، بمعنى هدم المسجد الأقصى. هذه أحلامهم القديمة الجديدة وترامب هو وريثهم، وتخطى مواقف حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وغلاة الصهاينة في تنفيذ أحلامهم على حساب مقدساتنا".

ودعا يوسف "إلى خطوة عملية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تضم الجميع، للوقوف أمام المخاطر المحدقة بقدسنا ومقدساتنا وحقوقنا، ونعتبر أن هذه هي الطريق الأنجح للوصول إلى أهدافنا والتخلي عن كل المسارات الأخرى بعد فشلها والتي لم تأت بأي خير للشعب الفلسطيني". وأكد القيادي في حماس أن "خيار السلطة الفلسطينية الوحيد الآن هو وحدة الشعب الفلسطيني، وأن تتحد مع بعضها البعض للوقوف في وجه هذه المخاطر، وعدم الرهان على أية مشاريع أخرى لأنها كلها فشلت ووصلت إلى طريق مسدود".

أما القيادي في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بدران جابر، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "ترامب والولايات المتحدة لم يخلعوا جلدهم حتى اللحظة، منذ عام 1967 حتى اليوم. والموقف الأميركي الداعم للكيان الصهيوني والاحتلال، ولسقف التحرك الرسمي والشعبي العربي في دائرة التبعية والإخضاع، وسقف عملية التطور والتنمية والتطبيقات، كلها تؤكد صحة القراءة التي قالت إن الاحتلال مستند للولايات المتحدة وإن الولايات المتحدة هي عدو الشعب الفلسطيني الأول".



ولفت جابر إلى أن "الرهان على أن أميركا من الممكن أن تكون دولة عدل ومساواة تقف ضد العدوان وتعيد فلتان الاحتلال الإسرائيلي إلى حالة من التواجد في العلاقات الدولية هو خاطئ. إسرائيل تمثل بالنسبة لأميركا القاعدة الجوية والبرية والبحرية التي منها تقود العدوان". 
وشدد على أنه "ومن خلال التطورات التي تجري الآن على الساحة الفلسطينية، واعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن ذلك يجب أن يقود إلى جملة من الدروس والعبر، أولها أن تخرج أميركا من عند الواهمين الفلسطينيين والعرب من خانة الوسيط إلى خانة العدو، الأمر الثاني هو أنه لا ينبغي أن تترك الجماهير الفلسطينية بعيداً عن الحدث السياسي في ظل احتكار القرار السياسي بالتوجه السياسي من قبل القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى تنظيم علاقاتنا عربياً بطريقة تقود إلى إمكانية تشكيل جبهة عربية لمواجهة القرار الأميركي".

ورأى جابر أن "علينا أيضاً التوافق على برنامج واحد، سواء بالضفة الغربية أو في قطاع غزة أو في الخارج. هذا البرنامج يطالب بالتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية، ويقرّ بأن القدس هي جوهر القضية الفلسطينية كما حق العودة وحق تقرير المصير". وحول كيفية مجابهة القرار الأميركي، أشار جابر إلى أن "على الجماهير أن تنزل إلى الشارع وأن تواجه العدوان الأميركي على القدس بكافة الأشكال الممكنة، للتأكيد ميدانياً على رفضها القاطع لمثل هذا القرار".


وأكد جابر أنه "يجب العمل بشكل سريع قبل فوات الأوان، وعدم الركون إلى بعض النخب التي تقرر عن الشعب، ويجب على هذه النخب أن تشرك الشعب الفلسطيني في القرار السياسي وإطلاعهم على ما يجري، وعلى حقيقة الموقف الأميركي الإسرائيلي والرجعي العربي، لتأخذ الجماهير حقها".

ولفت جابر إلى أن "من الخيارات التي يجب أن تنفذ وبشكل سريع قبل فوات الأوان، هو أن يتم تفعيل دور مجلس الأمن وتفعيل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى تفعيل العلاقات العربية والإسلامية والدولية بشكل واضح ضد النهج الأميركي، ثم التحرك الشعبي الفلسطيني والعربي من أجل رد الصاع صاعين للولايات المتحدة وسياساتها، على أمل أن نعي نحن أولاً أن مهمتنا ليست البحث عن سلام مع الكيان الإسرائيلي، وإنما البحث عن تعزيز أطر وسبل المقاومة ضد الاحتلال".

في سياق متصل، أشار مدير دائرة الخرائط التابعة لجمعية الدراسات العربية في بيت الشرق، خليل تفكجي، إلى أن "أعداد الفلسطينيين حتى منتصف العام الحالي في القدس المحتلة، وصلت إلى 320 ألفاً، في مقابل 215 ألف مستوطن يقطن في 15 مستوطنة أقيمت على أراضي المواطنين المقدسيين التي احتلت عام 1967". ولفت إلى أن "من هذا التعداد، ما مجموعه 32 ألف مقدسي يقطن في بلدة القدس القديمة في مقابل 4500 مستوطن يهودي".

تجدر الإشارة إلى أن السفارة الأميركية، شُيّدت قبل نحو خمس سنوات على أراض على حدود القدس المحتلة عام 1948، وهي أراضٍ لأهالي بلدة صور باهر جنوبي القدس، التي صودرت قبل عقود، وبني عليها حي "أرنونا" الاستيطاني. وكانت الإدارة الأميركية نقلت مقر قنصليتها من شارع نابلس في القدس الشرقية المحتلة عام 1967 وحولتها إلى مقر تحت مسمى "البيت الأميركي"، في منطقة متاخمة بمقبرة "مأمن الله" الإسلامية في القدس الغربية، حيث تدير القنصلية أعمالها من هناك.