خريجو الصحافة في غزة: عاطلون "متطوعون"

05 اغسطس 2018
45 % من خريجي الصحافة في غزة عاطلون(عبدالحكيم أبورياش)
+ الخط -
عندما كان عبدالعزيز في مرحلة الثانوية العامة، ويتابع مراسلي الأخبار صدفة على شاشات التلفزيون، كان يتولّد لديه انطباع جيد حول عملهم، حتى قرر دراسة الإعلام في الجامعة، وأمله في الوصول إلى تلك المكانة يوماً ما، غير أن الشاب الفلسطيني لم يكن يعلم شيئاً عن واقع الصحافة "المؤسف" في غزة.

عبد العزيز (25 عاماً)، أنهى دراسة الإعلام عام 2014، في حين لا يزال رهين طابور البطالة الممتد في غزة حتى اللحظة، وهو الذي علِم عن واقع الصحافة في القطاع، وقت دخوله معترك الدراسة الجامعية وانخراطه في المجال، حتى تبدد انطباعه الأول عن المراسلين، وتبدل إلى "إحباط وندمٍ على ما أفناه في سنواته الدراسية من دون أن يستطيع اللحاق بسوق عمل الصحافة".

ويقول عبد العزيز لـ "العربي الجديد": "في بداية الأمر لم أكن أعلم أن غالبية خريجي الصحافة بلا عمل رسمي في غزة. كنت أدرس وأخضع للتدريب هنا وهناك، وأعزز من مهارات المجال لدي. لكن مع تخرجي رسمياً من دون إيجاد عمل في المجال، أيقنت أن هناك بطالة حقيقية في سوق الصحافة في غزة، على غرار البطالة المتفشية عموماً... أنا نادم على دراسة الإعلام".



أما فادي (24 عاماً)، فمنذ تخرجه من تخصص الإعلام في "جامعة الأقصى" في غزة في 2015، لا يزال يفني عمره "متدرباً" في إحدى وكالات الإعلام المحلية في القطاع، حيث يداوم 8 ساعات يومياً، مثله مثل العاملين في الوكالة، منذ وصوله قبل عام ونصف العام. وأخيراً بات يحصل على نظير هذا التطوع، وهو فقط "بدل مواصلات" لا يتجاوز مائة دولار أميركي شهرياً.

يُبدي الشاب الغزّي انزعاجه الشديد من حال الصحافة وسوق عملها في غزة، إذ أن الحاجة إلى "أي فرصة في المجال هنا تجعله لا يبدي اعتراضاً"، فيقول لـ "العربي الجديد": "أتطوع منذ سنتين على أمل ألا يذهب جهدي سدى، لكن من الواضح أن ما نمر به هو مجرد استغلال لطاقات الخريجين في ظل ندرة فرص العمل".

ووفقاً لبيانات "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" حديثاً، فإن معدلات البطالة بين الأفراد من سن 20 -29 سنة والحاصلين على شهادة الدبلوم المتوسط أو البكالوريوس عام 2017، قد ارتفعت إلى 56 في المائة، بواقع 41 في المائة في الضفة الغربية و73 في المائة في قطاع غزة. في حين ذكرت البيانات أن نسبة البطالة في صفوف خريجي الصحافة والإعلام في فلسطين قد وصلت إلى 45 في المائة، كما يحتاج الخريج منهم إلى 18 شهراً في المتوسط للحصول على وظيفة في مجاله، لكن هذا الوقت لا ينطبق على الخريجين في غزة وفق معاينة "العربي الجديد".



ويشكو خريجو الصحافة في غزة من بطالة تجتاح سوق عملهم على وجه الخصوص، ففرص العمل لهم نادرة وربما معدومة، وحتى إن وجدت الشواغر في المجال، فهي قد تبقى ضمن نطاقٍ ضيق، وبعضها لا يُعلن عنها وهي التي تتحكم بها اعتبارات أبعد من المهني. وفي الوقت الذي لا يسمع الخريجون عن تلك الفرص الشحيحة، يبقى أمل كثيرين منهم في فترة تدريبية والذي باتت مجرد استغلالٍ للطاقات، الأمر الذي يزيد من حالة الاستياء عندهم.
وعادة ما يتردد على مسامع خريجي الصحافة جملة "الشهادة الجامعية لا تكفي للحصول على عمل، فالانخراط في المجال عملياً هو من يصنع لك الفرصة"، هذه الأسطوانة التي تأخذ شكل النصيحة وسمعها أحمد مراتٍ كثيرة لدى سؤاله المستمر عن فرصة عمل في مجال الإعلام، قد لا تمت لواقع غزة بصلة، من وجهة نظره.

إذ يبين أنه سعى في كثير المرات للحصول على فرصة تدريب أخرى بخلاف الفرص التي تحصّل عليها أثناء دراسته الجامعية، بعدما لم ينجح في الاقتراب من سوق العمل، منذ حصوله على شهادة الإعلام قبل ثلاث سنوات، لكن الرد كان سلبياً في كل مرة تردد فيها على المؤسسات الصحافية المنتشرة في القطاع، متسائلاً في حديثه لـ "العربي الجديد": "كيف لنا كخريجين أن نحصل على عمل أو فرصة تدريب ربما تؤهلنا لفرصة حقيقية هنا أو هناك في ظل هذا الواقع؟ بالفعل مجال الصحافة هنا مؤسف".

هذا الأسف نفسه، يشعر به الشاب عمر على سنوات الدراسة الأربع التي قضاها في تخصص الإعلام، ونصفها "متطوعاً" هنا وهناك، من دون أن يُتوج ذلك بفرصة عمل له في المجال، حتى ذهب أخيراً للعمل كسائق تاكسي داخل مدينة غزة، أما الشهادة الجامعية ومثلها من الخبرات، فيقول إنها "بلا فائدة ومخبأة داخل خزانة منزله".

ويضيف عمر (26 عاماً): "حاولت كثير أحصل على فرصة عمل من دون جدوى، حتى التطوع والخبرات اللي كسبتها ما دخلتني سوق العمل. الأكيد أن هناك مشكلة حقيقية في مجال الإعلام والعمل فيه في غزة؛ أعداد كبيرة تعمل في الصحافة هنا وبعضهم متطوعين وآخرين بلا عقود رسمية، والتخصص الجامعي لا زال يستقطب أعداداً كبيرة من دون أن ينظر إلى أن سوق العمل في المجال يعاني".



إلى ذلك، يؤكد نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، أن هناك "حالة إشباع في سوق العمل في مجال الصحافة في غزة، رغم أن الأخيرة تعد منطقة صراع وتستقطب عمل الشركات الإعلامية، إلا أن الوضع غير ذلك"، مشيراً إلى أن "افتتاح التخصصات الجامعية لا يتم بناء على حاجة السوق ومن دون خطة استراتيجية واضحة، إذ باتت النظرة في هذا الأمر مجرد نظرة تجارية مع الأسف".

ويرى الأسطل في حديث لـ "العربي الجديد" أنه من المفروض أن "يتم إعادة تقييم تخصصات الإعلام في غزة، وأن يكون مفتاح القبول فيها يوازي حاجة السوق وحاجة المؤسسات الصحافية وفقاً للدراسات"، كما أن هناك "عددا كبيرا من كليات الإعلام تعمل في غزة من دون تنسيق وربما بعض المؤسسات استفادت من حالة الانقسام الفلسطيني وافتتحت تخصصات مكررة".

ويبين الأسطل أن نسبة 45 في المائة من البطالة في صفوف خريجي الصحافة في فلسطين قد تعد طبيعية مقارنة بباقي التخصصات التي يعاني خريجوها من البطالة في فلسطين عموماً، وقطاع غزة على وجه الخصوص، مضيفاً: "هذا العدد الكبير من خريجي الصحافة العاطلين عن العمل مقلق إلى حد كبير".

ويقول: "نحن في النقابة خلال آخر اجتماع مع وزير التربية والتعليم طلبنا ضرورة البحث عن تخصصات جديدة في الإعلام الرقمي، في ظل التطور التي تشهده وسائل الإعلام عموماً، مع طرح تخصصات تتلاءم مع التطور التكنولوجي والتي ربما تفتح آفاقاً جديدة لخريجي الصحافة في غزة".

ويضيف الأسطل: "أنا لا أنصح خريجي الثانوية العامة بدراسة الإعلام من دون خطة واضحة. من سيدرس الإعلام قد يجد نفسه بعد أربع سنوات مضافاً إلى جيش العاطلين عن العمل باستثناء بعض الحالات"، وصرح أيضاً أن "النقابة بصدد تقديم بعض المقترحات لجهات مانحة حول تمويل المؤسسات الصحافية لتوظيف بعض الخريجين وحل المشكلة جزئياً".



كما يبدو أن هناك مشكلة تتعلق بتوظيف الخريجين في الشواغر الإعلامية التي ربما تطرح، إذ يقول: "هناك إشكالية فعلاً، نحن نعد مسودة مع وزارة العمل هدفها أن تقوم المؤسسات الصحافية بتزويد الوزارة ونقابة الصحافيين بالشواغر الموجودة لديها، بحيث تتولى الوزارة المتابعة في هذا الأمر، حتى تتاح الفرصة لأكبر قدر من الخريجين العاطلين عن العمل".

وتطرق الأسطل في حديثه إلى واقع العمل التطوعي في المؤسسات الصحافية في غزة، واصفاً إياها بأنها "حالة من الخداع وجريمة ترتكب بحق الخريجين"، إذ ينوه إلى أن التطوع يجب أن يكون بشروط، وأن يكون هذا المتطوع يعمل ويقتات ويقتطع جزءاً من وقته لمساعدة فئة أخرى، هذا مفهوم التطوع، أما "خريج لا يجد قوت يومه ولا مواصلاته، هذه جريمة لا يمكن أن نطلق عليها تطوعاً".

ويدعو الأسطل الخريجين ممن يحصلون على فرصة تدريب في إحدى المؤسسات الإعلامية، أن يخبر النقابة حول تفاصيلها حتى تكون مطلعة على الأمر، مضيفاً: "بعد 3 شهور تدريبية، المؤسسة مطالبة بتقرير عن حالة هذا المتدرب وهل هي بحاجته أو لا، وإذا كانت بحاجته فإنه يجب أن تكون المدة الإضافية بعائد مادي مهما كانت طريقته، أما الاستمرار في زرع الأمل لدى الخريجين بتوظيفهم من دون أن يحدث ذلك فعلياً، فهو جريمة ترتكب بحق خريجي الصحافة، كون العاطل عن العمل لا يُقبل تطوعه".


المساهمون