خبراء إسرائيليون يرصدون التهديدات: دعوات للاستعداد إلى الحرب المقبلة "بأدوات تناسبها"

12 سبتمبر 2017
ليبرمان: إيران هي المصدر الأول للإرهاب (كريستوف ستاش/فرانس برس)
+ الخط -

لا يعرف الهوس الإسرائيلي بمسح وتحديد خرائط التهديدات والأخطار الأمنية، حدوداً، وتكثر في إسرائيل المؤتمرات المختصة بهذه التهديدات والتابعة لمختلف المراكز الجامعية والبحثية الأكاديمية، ولكل منها كوكبة خاصة من الخبراء وحتى السياسيين السابقين، لا سيما من شغلوا مناصب أمنية أو كانوا وزراء للأمن أو الأمن الداخلي. وانطلق في تل أبيب، أمس، مؤتمر في هذا السياق تحت مسمى "المؤتمر السابع عشر لمعهد سياسات مكافحة الإرهاب" والتابع للمركز المتعدد المجالات في هرتسليا المشهور بعقد مؤتمر سنوي لفحص المناعة القومية في إسرائيل.

ركز المؤتمر في يومه الأول، أمس، على محاولة إجراء مسح للأوضاع الأمنية والتهديدات التي تشكّل خطراً على أمن إسرائيل، وفقاً للتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، خصوصاً التحوّلات الحاصلة في سورية لجهة تقدّم قوات النظام وتحقيقها المكاسب بفعل الدعم الروسي والإيراني، ما يغيّر الصورة أو التوصيف الإسرائيلي للخطر المقبل من الجبهة الشرقية.

وفي هذا السياق، أبرز نائب رئيس جهاز "الموساد" السابق، ران بن براك، حقيقة تغيير طبيعة "التهديدات التي تحيط بنا في المنطقة"، بدءاً من التغيير الجوهري في الانتقال من زوال خطر الخلايا الفدائية الفريدة، ومن ثم لاحقاً زوال واختفاء خطر الجيوش النظامية العربية، لا سيما بعد خروج العراق من دائرة الصراع، وخروج كل من مصر والأردن بفعل اتفاقيات السلام، وانهيار الدولة السورية وجيشها النظامي في السنوات الأولى من الثورة السورية. وأدى هذا، بحسب رأي بن براك، إلى ظهور الخطر الجديد الذي تمثّله المنظّمات شبه الدولانية، مثل "حماس" و"حزب الله"، القادرة اليوم، بفعل تنظيمها وتوفر حاضنة وعمق استراتيجي وظهير اجتماعي لها، على خوض حروب طويلة الأمد، وهو ما جرى مثلاً خلال الحرب الثانية على لبنان عام 2006 وخلال العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014.

مع ذلك، لفت بن براك إلى "التطورات الأخيرة في سورية، التي كانت محيّدة (خلال السنوات الأولى للثورة)، وهو واقع بات يتغيّر أمام أعيننا إذا واصلت الأمور السير في اتجاهها الحالي، حيث سنرى تمركزاً لأذرع إيرانية في سورية وظهور خطر احتمال تشكّل محور وتواصل جغرافي لمنظمات شبه دولانية على غرار حزب الله". ومع أن الكثير من التنظيمات والمليشيات المقاتلة في سورية تعتبر إسرائيل العدو الأول، إلا أنها تمتنع حالياً عن توجيه ضربة لإسرائيل خوفاً من أن يؤدي الرد الإسرائيلي إلى إضعافها في مواجهاتها الداخلية، لكن هذه المنظمات تبقى مرشحة لأن توجّه سلاحها يوماً ما باتجاه إسرائيل. الخطر أو مصدر التهديد الثاني، بحسب بن براك، يأتي من حركة "حماس" التي باتت هي الأخرى شبه جيش نظامي ومنظّمة وقادرة على خوض الحرب.


في المقابل، اعتبر بن براك تنظيم "داعش" بأنه من نوع الخطر التقليدي، وهو بهذا يتفق مع موقف وزير الأمن السابق موشيه يعالون، الذي أعلن أكثر من مرة أن "داعش" ظاهرة عابرة. وقال بن براك إن التغييرات الحاصلة في سورية، وما ينتج عن ذلك وعن وضع "حزب الله" في لبنان، هو سبب القلق الإسرائيلي مما يحدث في لبنان وفي سورية، وهو ما يدفع إسرائيل للتحرك لمنع أي كسر لخطوطها الحمراء، في إشارة للقصف الإسرائيلي الأخير لمركز البحوث السورية في مصياف، والادعاءات الإسرائيلية بأن إيران تسعى لبناء مصانع للصواريخ التقليدية لـ"حزب الله" على الأراضي اللبنانية.

وحذر وزير الاستخبارات السابق، دان مريدور، من أنه ينبغي أن تدرك إسرائيل التغيير الحاصل في شكل وأدوات الحرب المقبلة والاستعداد لها بما يناسبها، وليس بالطرق والأدوات التي كانت صالحة للحروب السابقة. وأشار مريدور في هذا السياق، إلى أن الحرب المقبلة لن تكون كسابقاتها، فهي يمكن أن تنطلق من مكان بعيد عبر هجوم سايبر ليس بالضرورة من بلد مجاور وقريب. واعتبر أن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، التي مر عليها 16 عاماً، أحدثت نقلة نوعية في كل مفهوم الحرب على الإرهاب والأخطار التي يشكّلها الإرهاب للدول، من قبل جماعات صغيرة، وليس بالضرورة من قبل جيوش أو منظمات كبيرة مع نمط جديد من الحرب.

واستذكر مريدور أن إسرائيل انتصرت في الحروب التقليدية على الدول العربية، وهو ما أدى في النهاية إلى وضعها الحالي من خروج مصر والأردن عبر اتفاقيات سلام من معادلة الصراع والخطر، بينما باتت سورية اليوم من دون جيش حقيقي، وكذلك الحال بالنسبة للبنان.
وبحسب مريدور، فإن المنظمات الإرهابية لن تكون قادرة على الانتصار على إسرائيل، لكن الأخيرة أيضاً لا يمكنها التغلب على هذه المنظمات بشكل تام، وهذا ما يقود، بحسب رأيه، مثلاً في حالة "حماس"، إلى وجوب البحث عن سبل للتوصل إلى تفاهمات مع الحركة وليس اتفاق سلام. تفاهمات تقوم على المصالح المشتركة مقابل هدنة طويلة الأمد، "فنحن نملك كثيراً من الجَزر الذي يمكن أن نقدّمه لحماس"، وفق قوله.

في المقابل، كان لافتاً التحذير الذي أطلقه نائب وزير الأمن الأسبق، متان فلنائي، الذي اعتبر أن التهديدين الأساسيين لأمن إسرائيل ينبعان، أولاً من الخطر أو السلاح غير التقليدي الإيراني، في حال توصلت إلى امتلاك قوة غير تقليدية، والخطر الآخر هو تآكل المجتمع الإسرائيلي نفسه من الداخل، وتراجع القيم الديمقراطية العامة والإنسانية، كما عكستها قضية الجندي القاتل أليئور أزاريا. واعتبر أن تآكل هذه القيم في المجتمع الإسرائيلي يُشكّل الخطر الأكبر على مستقبل إسرائيل وأمنها.

أما وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، فادعى من جهته أن إيران هي المصدر الأول للإرهاب وأنها تشكّل الراعي للإرهاب الإسلامي، بشقيه السنّي والشيعي، ولا يمكن بالتالي التغلب على الإرهاب الإسلامي من دون تغيير النظام الحاكم في إيران.

من جهتها، قالت وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، إن رئيس النظام السوري بشار الأسد يملك مصلحة واضحة في "إبعاد إيران إذا كان يريد البقاء في الحكم". واعتبرت شاكيد أن على إسرائيل إقناع الدول العظمى بعدم السماح ببقاء الوجود الإيراني في سورية، وفي حال لم تتعاون الدول العظمى سيكون على الدولة اليهودية القيام بما يجب في هذا الشأن، مضيفة أن "الوجود الإيراني في سورية سيئ للغاية لإسرائيل، التي لن تسلّم به ولا ببناء مصانع للأسلحة وبنى تحتية".