يعيش خبازو الجزائر أوقات هي الأصعب في تاريخ المهنة، التي يبدو أنها باتت مهددة بالزوال في السنوات القادمة، بسبب اضطرار الآلاف من الخبازين إلى تغيير نشاطهم.
وترجع هذه المتاعب إلى ضآلة المردود المالي الذي يجمعه الخباز في الجزائر، في وقت لا تزال القبضة الحديدية متواصلة بين نقابة الخبازين والحكومة من أجل رفع هوامش الربح لإنقاذ "المهنة الذهبية" كما كانت تُسمى قديماً.
رضوان بن قابوب من بين الخبازين القلائل الذين يصرون على مواصلة التحدي لإبقاء "الإرث" الذي ورثه عن جده وأبيه على قيد الحياة، حيث قال، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "تكلفة الخبزة الواحدة أصبحت تعادل أحيانا أكثر من سعر البيع الذي يحدده القانون بـ8.5 دنانير (0.07 دولار) للرغيف الواحد، في حين سعر الكهرباء والغاز ارتفع مرتين خلال 24 شهرا.
يضاف إلى ذلك 1500 دينار (13.5 دولارا) للقنطار الواحد من الطحين الأبيض و80 دينارا (0.9 دولار) للخميرة و20 دينارا (0.1 دولار) للكيلوغرام الواحد من الملح. كل هذا بالإضافة إلى رواتب العمال ومصاريف الضرائب والتأمين الصحي للعمال السبعة الذين يعملون في مخبز بن قابوب.
وأضاف الخباز ذو الـ32 سنة من النشاط أنه "كاد أن يغلق المخبزة في العديد من المرات إلا أن وصية أبيه وجده تمنعه من تغيير النشاط، كما فعل الآلاف من الخبازين".
وبلغ عدد الخبازين الذين وضعوا الأقفال على أبواب مخابزهم بصفة نهائية سنة 2016، حوالى 1300 خباز، حسب الأرقام التي حصلت عليها "العربي الجديد" من النقابة الجزائرية للخبازين، وذلك بعد دخول نشاطهم في دوامة الركود، في وقت بلغ عدد الخبازين الناشطين 21 ألفا يغطون 42 مليون نسمة، أي عدد سكان الجزائر.
مخبزة "السيدة فيرة" المشهورة في حي "بلوزداد" الشعبي (وسط العاصمة الجزائرية)، تعيش منذ سنوات على وقع تراجع طاقة إنتاجها اليومية، بعدما كانت قبلة العاصميين لأكثر من أربعة عقود لشراء الخبز.
ويُرجع مالك المخبزة تاج الدين برماني هذه الحالة إلى "عدم مردودية المهنة، فالخباز اليوم أصبح يخضع للحسابات الاجتماعية التي تضعها الحكومة التي ترفض رفع سعر الخبز منذ عام 1996، حتى لا تفتح أبواب جهنم على نفسها".
وكشف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن طاقة إنتاج المخبزة تراجعت بحدود 45% بعدما سرّح العمال.
ويطالب أصحاب المخابز الحكومة برفع هامش الربح، بعدما قيّدت الحكومة سعر رغيف الخبز الواحد سنة 1996 بـ8.5 دنانير، على أن تدعم أسعار الطحين الأبيض، وهو المطلب الذي ظلت الحكومات المتعاقبة منذ 2008 ترفضه، بالرغم من تغيّر المعطيات.
ويقول رئيس النقابة الجزائرية للخبازين، يوسف قلفاط، أن المطلب الأساسي للخبازين يتعلق بتكلفة الخبز، من خلال رفع تسعيرته، مضيفاً: "نحن كتجار لدينا الحق في هامش ربح، وما على الوزارة المعنية سوى إعلامنا بسعر الخبز لنعمل به أو تقوم بإطلاق حرية الأسعار".
ولفت نفس المصدر لـ "العربي الجديد" إلى أنهم لا يطالبون برفع السعر، ولكن يطالبون بهامش للربح مثل جميع التجار.
وقال: "القانون يمنحنا الحق في زيادة هامش الربح، فخلال اللقاء الذي جمعنا بوزارة التجارة طالبنا بدعم سعر الفرينة (الطحين) خاصة لصناعة الخبز فقط، من أجل خبز صحي وذي ذوق جيد، مع زيادة الدعم الذي تحظى به بقية أنواع الفرينة والتي تستعمل من أجل صناعة الحلويات وغيرها.
ويرى قلفاط، أنه من غير العادل أن يقوم بائع الحلويات ببيع الحلوى المصنوعة من الطحين المدعم بـ200 دينار (1.8 دولار) للقطعة، فيما يلتزم الخباز ببيع الخبز بأقل من 10 دنانير، موضحا أن هذا ما دفع نقابة الخبازين إلى اقتراح فكرة الطحين المخصص فقط لصناعة الخبز، والتي لا تصلح لغير هذه المادة الحيوية.
واستوردت الجزائر السنة الماضية ما يعادل 2.6 مليار دولار من القمح والذرة والشعير، بعدما اشترت 11.28 مليون طن من هذه المواد، حسب إحصائيات النقابة الجزائرية للخبازين.
وتخصص الحكومة الجزائرية سنوياً سقفاً مالياً يتراوح بين 1.8 و2 مليار دولار لدعم أسعار القمح بمختلف أنواعه ومشتقاته، سواء عن طريق استيراده أو دعم الشركات المنتجة للطحين محلياً، بالرغم من قلتها.
وتعتبر الجزائر من أكبر الدول المستوردة للحبوب في العالم، ونوعت مصادر شراء القمح في الأشهر الأخيرة، بعد معاناة فرنسا، المورد التقليدي، من طقس أضر بمحصولها هذا العام.
وبلغت قيمة واردات الجزائر من الحبوب في الأشهر التسعة الأولى من العام 2016 نحو ملياري دولار، مقابل مليارين ونصف المليار في الفترة نفسها من 2015، بسبب انخفاض الأسعار العالمية.