بدا أن لاجتماعات أستانة حول سورية، طيلة يومي الإثنين والثلاثاء، وجهين اثنين متكاملين: الشق الذي تُرجم في البيان الختامي الروسي ـ الإيراني ـ التركي، والذي نال حصته من انتقادات المعارضة، من جهة، والكلام غير المسبوق الذي صدر عن المفاوض الروسي في أستانة، الممثل الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، ألكسندر لافرنتييف، من جهة ثانية، والذي كشف، في مؤتمر صحافي مطوَّل عقده بعد انتهاء فعاليات الاجتماعات السورية، عما يمكن وصفه بالعناوين العريضة لخارطة طريق روسية جديدة، تم تسليمها للوفدين السوريين المعارض والحكومي. خارطة طريق تم تضمين بعض بنودها في البيان الختامي، وظهر أن بعض هذه البنود بدأ يسلك طريقه بالفعل نحو التنفيذ، في حال رُبطت أحداث اشتباكات فصائل معارضة مسلحة ممثلة في أستانة، مع جبهة فتح الشام وتنظيمات محسوبة على الجبهة، مثل جند الأقصى في الشمال السوري، تحت عنوان "عزل جبهة النصرة" لتصبح مناطق الفصائل المعارضة خالية من هذا التنظيم، في خطوة أولية وتمهيدية لإجراءات وتطورات سياسية وعسكرية، إن تم تنفيذها بالفعل، قد تكون مدخلاً لحل سياسي ربما تكون اجتماعات جنيف في الثامن من فبراير/ شباط المقبل، عنواناً لبلورته.
صحيح أن البيان الختامي لأستانة صوّر إيران كأنها طرف محايد، مع أنها رأس حربة في الحرب السورية، إلا أن اللهجة المهادنة لرئيس الوفد النظامي، بشار الجعفري، كانت معبّرة عما يمكن أن يكون أمراً روسياً بالتهدئة لإنجاح خارطة الطريق التي تقوم على فصل ميداني بين فصائل المعارضة المسلحة وتنظيمي داعش والنصرة من جهة، والانخراط في مناقشة مشروع الدستور السوري الجديد المكتوب من خبراء روس، وإجراء انتخابات جديدة تشريعية ورئاسية، مع كشفه الاتجاه لتوسيع جبهة الدول الضامنة لمسار أستانة لكي تضم عواصم تملك نفوذاً لدى الفصائل السورية المسلحة، على حد تعبير لافرنتييف، الذي أعلن أنه تم تسليم الطرفين السوريين خرائط ميدانية لمناطق انتشار "داعش" و"النصرة"، مشيراً إلى أن تواصلاً مباشراً حصل بين الوفدين الحكومي والمعارض "وفوجئنا بأن هناك صلات بين الطرفين".
في موازاة ذلك، أشار المبعوث الروسي إلى أن موسكو وطهران وأنقرة اتفقت على إنشاء فرقة عمل مشتركة لمراقبة وقف إطلاق النار في سورية، على أن تبدأ عملها في أستانة في أوائل فبراير/ شباط المقبل. وأضاف أن "مهمة مجموعة العمل المشتركة هذه تتمثل في مراقبة الالتزام (بالهدنة) ومنع أي انتهاكات"، مشيراً إلى أن "ممثلي الجيش العربي السوري والجماعات المعارضة المسلحة قد ينضمون لهذه المجموعة إن لزم الأمر".
وعلى الرغم من اعتراض رئيس الوفد المعارض، محمد علوش، على بنود عدة من البيان الختامي لأستانة وتأكيده أن النظام السوري وإيران يتحملان مسؤولية عدم إحراز "تقدم يذكر" في هذه المباحثات، إلا أن نبرة جديدة تجاه روسيا ظهرت في تصريحاته، إذ اعتبر أن روسيا انتقلت من دور الطرف إلى جانب النظام إلى دور الوسيط. أما التصريح المفاجئ الآخر، فقد ورد على لسان بشار الجعفري، الذي دعا، في مؤتمر صحافي، الفصائل التي لم تحضر اجتماعات أستانة إلى المشاركة في اجتماعات جنيف المقبلة "من أجل الانخراط في عملية إعادة إعمار سورية". وأضاف الجعفري "نعتقد أن اجتماع أستانة نجح في تحقيق هدف تثبيت وقف الأعمال القتالية لفترة محددة، الأمر الذي يمهد للحوار بين السوريين". كما أشار إلى أن "تحديد المناطق وأماكن تواجد داعش والنصرة والمتحالفين معها شأن سيتولاه الخبراء العسكريون، سيتم وضع خرائط عسكرية وتبادل معلومات بين الضامنين والجيش السوري".
البيان الختامي واعتراضات المعارضة
وكان لافتاً تضمن البيان الختامي للمحادثات مجموعة من البنود، أبرزها على الصعيد العسكري ما ورد لجهة أنه "تعيد الوفود المشاركة تأكيد إصرار الجميع على القتال ضد تنظيمي داعش، والنصرة (على أن يجري) فصل مجموعات المعارضة المسلحة منها". أما سياسياً، فنص البيان الختامي على "إبداء قناعتهم (تركيا، روسيا، وإيران) بأنه ما من حل عسكري للصراع السوري، وبأن الصراع يمكن حله فقط من خلال عملية سياسية، قائمة على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 بشكل كامل". كما نصّ على إعادة تأكيد الالتزام بسيادة واستقلالية ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، باعتبارها دولة ديمقراطية، متعددة الإثنيات، متعددة الأديان، غير طائفية، كما أكد مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
على الرغم من ذلك، أكد علوش أن وفد المعارضة يؤكد التزامه باتفاقية وقف إطلاق النار، داعياً جميع الأطراف إلى الالتزام الكامل بالاتفاقية. وطالب علوش، في بيان ألقاه أمام الصحافيين عقب صدور البيان الختامي للمباحثات، "الدول الضامنة (تركيا وروسيا)، ومجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ الإجراءات الرادعة واللازمة بحق الأطراف التي لا تلتزم بهذه الاتفاقية". وشدد على أن "خيار المعارضة الاستراتيجي يتمثل في الوصول إلى الحل السياسي الحقيقي والعادل، بناء على المرجعيات الدولية، وهي بيان جنيف لعام 2012، وقرارات مجلس الأمن 2118 في عام 2013، و2254 عام 2016، ورحيل بشار الأسد والطغمة الحاكمة، ومحاسبة كل من تلوثت يده بدم الشعب السوري". ولفت إلى أنهم "قدموا تحفظات للجانبين التركي والروسي على البيان الختامي، واللذين تفهما هذه التحفظات"، لافتاً إلى أن الموقف الروسي تحول ليكون ضامناً، لكنه يواجه عقبات من إيران وحزب الله اللبناني والنظام". ونفى علوش حصول أي جولة مباحثات بين المعارضة وإيران، مؤكداً أنهم لا يقبلون بأي دور من إيران. وحول مفاوضات جنيف المقبلة في 8 فبراير المقبل، قال إن "الهيئة العليا للمفاوضات ستبذل جهوداً لإجراءات الحل، وقدموا ورقة للجانب التركي وروسيا والأمم المتحدة، تتضمن آليات وقف إطلاق النار لطرحها على جانب النظام، لتكون ملحقاً من أجل تثبيت وقف إطلاق النار المعلن".
من جهته، قال المتحدث باسم وفد الفصائل المعارضة، أسامة أبو زيد: "لسنا طرفاً في البيان المعلن من قبل الدول الثلاث". كما أكد على دور الهيئة العليا في التفاوض في العملية السياسية، موضحاً أن الوفد العسكري ممثل في الهيئة العليا للتفاوض.
وبين أبو زيد أنّ التركيز حالياً ينصب على وقف إطلاق النار، "وقد تعهّد الروس بدراسة المقترحات التي قدمناها خلال أسبوع واتخاذ قرار مع الجانب التركي بشأنها". وهو الأمر الذي أكده مصدر من الوفد المعارض الذي بيّن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك اجتماعاً سيعقد خلال أسبوع بين مندوبي تركيا وروسيا فقط لوضع آليات لوقف إطلاق النار.
وقال أبو زيد إنّ الجانب الروسي أبلغنا بأنه "أرسل رسالة قاسية إلى وزير الدفاع السوري وعلي مملوك من أجل وقف اقتحام وادي بردى، وأكد الجانب الروسي أن أي محاولة ضغط على المناطق المحاصرة وأي عملية تهجير يقوم بها النظام تنسف الهدنة".
من جهته، قال عضو الوفد الاستشاري المعارض من أستانة، أيمن أبو هاشم، لـ"العربي الجديد"، إنّ الوفد اعترض على مسألة "علمانية الدولة" الواردة في مسودة البيان الثلاثي التركي الروسي الإيراني، موضحاً أنّ الوفد "يطالب بحكم وطني ديمقراطي يضمن المساواة بين المواطنين كافة"، وأنه "لم يوافق على أن تكون إيران عضواً في آلية مراقبة وضمان وقف إطلاق النار". وأوضح أبو هاشم أنّ الوفد يصرّ على تعديل عبارة "مجموعات المعارضة المسلحة" لتكون "الوفد العسكري الثوري"، مع ذكر بيان جنيف1 كمرجع للمفاوضات السياسية.