18 ابريل 2019
حل جذري لمشكلة الكهرباء في لبنان
في قصة أصحاب المولدات في لبنان وكيفية بناء لاس فيغاس. في أربعينيات القرن الماضي كانت المافيا الإيطالية تفعل فعلها في لوس أنجليس وفي نيويورك، حتى إن الحكومة الفيدرالية عجزت عن مواجهتها لتغلغلها في نظام الدولة العميقة وتسببها بمختلف أنواع المشاكل للحكومة، من صالات القمار غير الشرعية إلى التصفيات والاغتيالات وترويع المدنيين، حتى تفتق ذهن أحدهم عن فكرة جهنمية.. لماذا لا ننفي المافيا إلى الصحراء؟!.
لاحت فكرة لاس فيغاس كواحة للحكومة عند بناء السد الذي سمي فيما بعد بسد هوفر ومد الكهرباء والماء إلى الصحراء الخالية، وهكذا وبلمحة عين تحولت واحة صغيرة إلى مدينة مليئة بالملاهي والكازينوهات، وانتقل كل رجال المافيا الذين يغريهم الربح السريع وحياة الليل والقمار والغواني إلى المدينة الجديدة..
وكانت الصفقة كالتالي، كل شيء مباح ولكن يجب أن يكون مقنناً، وأن تدفع الضرائب بانتظام، وهذا ما حدث. انتظم كل رجال المافيا في العالم الجديد وبنوا كازينوهات ومراقص خاصة بهم وابتدأوا بتحصيل أموال القمار بشكل قانوني ودفع الضرائب، وقام المشرع الأميركي بإشغالهم بالمال وأجبرهم على دفع الضرائب وانتهت مشكلة صالات القمار غير المرخص لها ونوادي التعري غير الشرعية إلى غير رجعة.
ليس هذا فحسب، بل إن فكرة أميركا وأستراليا نفسها بنيت على هذا الأساس، The WIn Win deal.
صفقة الربح المتساوي لجميع الأطراف أو الصفقة التي تضمن حق جميع الأطراف، فلا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، كما يقول المثل العامي. فالقادمون الجدد كان كثير منهم من المحكومين السابقين، وقد أعطتهم الحكومة وقتها العفو شريطة أن يسافروا إلى البلاد الجديدة، وأن يزرعوا الأرض ويدفعوا الضرائب.
لنحاول الآن أن نسقط صفقة لاس فيغاس على الوضع اللبناني.. لدينا هنا أصحاب مولدات يحلو للبعض أن يشبههم بالمافيات، ويقوم معظم الزعماء المناطقيين بحمايتهم لتمكينهم من مواصلة كسب الأرباح على حساب المواطن المنهك بثلاث فواتير للكهرباء، واحدة من الدولة، وواحدة من اشتراك المولد العمومي، وثالثة من شبكة اليو بي اس الخاصة به أو مولده الخاص.
ظاهرياً، يبدو أن الدولة عاجزة عن تأمين التيار الكهربائي لأربع وعشرين ساعة لأسباب إما تقنية أو لأن بعض المسؤولين يريدون عرقلة ذلك حتى لا يقطعوا أرزاق مناصريهم من أصحاب المولدات.
يمكننا حل هذا الإشكال على الطريقة الأميركية بدون أية عوائق. فحيث إن الدولة غير قادرة على تأمين تيار مستديم طوال اليوم، وحيث إن أصحاب المولدات لديهم القدرة التقنية على تزويد كل الأراضي اللبنانية بالطاقة المطلوبة، وحيث إن أصحاب المولدات يقومون بتمديد أسلاكهم وتوصيلاتهم على أعمدة الشبكة العامة، ويقوم صاحب كل مولد بمد شبكته الخاصة التي تكلفه مصاريف إضافية وتضعف التيار في الوجهة النهائية لطول المسافة، مما ينتج عنه هدر في الموارد من ناحية تمديد أسلاك إضافية وخسارة تيار في الخط..
لذا يمكن حل كل هذه الإشكاليات بأن تقوم الدولة بإنشاء شركة قطاع دولة خاص (قطاع الدولة الخاص هي شركة تملك الدولة 49% من أسهمها ويديرها القطاع الخاص بإشراف الدولة).. ويدمج في هذه الشركة جهد كهرباء لبنان مع جهد أصحاب المولدات، بشرط أن تنظم هذه المولدات فتنقل إلى خارج المناطق السكنية وبذلك تنتهي مشكلة التلوث البيئي.
ويتم بث الطاقة ضمن خطوط شركة كهرباء لبنان، مما يسهم في خفض تكلفة الإنتاج بالنسبة لأصحاب المولدات من حيث توفير مصاريف التمديدات الطويلة وتكلفة الأسلاك، وبالتالي استهلاك أقل للوقود وتلوث بيئي أقل، ومن ناحية أخرى تتعزز قوة الشبكة لاختلاف الناقل السلكي من خطوط ضعيفة إلى خطوط قادرة على نقل الطاقة بفعالية من غير خسارة كبيرة للتيار بين المصدر والوجهة النهائية.
ولو حصل ذلك يمكن لاحقاً التخلص من المولدات الصغيرة وشراء مولدات أكبر تعمل على الفيول بدل المازوت، ما من شأنه أن يساهم في تحسين الإنتاج وتخفيض التكاليف وتخفيض التلوث البيئي.
هذا العمل الجماعي يلزمه تقنين قانوني بحيث يصبح جميع أصحاب المولدات شركاء مساهمين في هذه الشركة كل حسب حجم أعماله ومولده أو مولداته، كذلك يستتبع تخلي كهرباء لبنان عن حقها كمحتكر وحيد (شرعي) لبيع الطاقة في لبنان.
كان يمكن أن يحل هذا الموضوع بأن يقوم "حوت كبير" من أصحاب المولدات بشراء كل المولدات الصغيرة وجمعها في شركة واحدة، كما يحدث حين تشتري الشركات الكبرى الأصغر منها لإزاحتها من سوق المنافسة، لكن هذا غير ممكن في بلد تحكمه المناطقية والطائفية والمحسوبيات.
أعتقد أن صفقة كهذه لو أبرمت ستضمن للجميع فرصة لأن يكونوا سعداء، لأن كل واحد منهم سينال ما يريد من غير الإضرار بحقوق الآخرين؛ فالدولة ستتمكن من فرض ضرائب على المولدات وتقنين عملها، وأصحاب المولدات سيتمكنون من جني أرباح أكبر بجهد أقل، والمواطن سينعم بكهرباء على مدار الساعة بنفس الكلفة وبوجع رأس أقل.
لو قيد لهذه الفكرة أن تبصر النور، ستكون قد استلهمت لبنان وفكرته الميثاقية التي بني عليها، حيث تخلى كل طرف عن بعض من مطالبه مما أدى إلى تأسيس دولة لبنان الكبير بحدوده الحالية.