حلب تتمسك بالصمود: إسقاط محاولات إفراغها واستعداد للمعركة

21 أكتوبر 2016
3F93F86F-1D26-491E-8745-A80BD72FA03E
+ الخط -
تدل كافة المعطيات على الساحة السورية والدولية أن مدينة حلب تتجه إلى مواجهة عسكرية كبرى، فيما تبدو الهدنة المعلنة من جانب روسيا في المدينة عبارة عن تمرير وقت لانتظار ما ستؤول إليه التطورات. وجاءت تصريحات دبلوماسي كبير في حلف شمال الأطلسي، أول من أمس الأربعاء، لتعزز الشكوك حول أهداف الهدنة الروسية المحدودة، خصوصاً بعدما نقل عن معلومات لأجهزة استخبارات غربية أن السفن الحربية الروسية قبالة ساحل النرويج تحمل قاذفات مقاتلة من المرجح استخدامها لتعزيز هجوم نهائي على شرق حلب المحاصر في سورية خلال أسبوعين. وقال الدبلوماسي، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز"، إن الروس "ينشرون كل أسطول الشمال وجزءاً كبيراً من أسطول البلطيق في أكبر انتشار بحري منذ نهاية الحرب الباردة". وأضاف "هذه ليست زيارة ودية. خلال أسبوعين سنرى تصعيداً في الهجمات الجوية على حلب في إطار استراتيجية روسيا لإعلان النصر هناك"، على حد قوله.
وتشير هذه المعطيات إلى أن الهدنة المعلنة لن توقف حملة موسكو والنظام الروسي الهادفة لإخضاع حلب وأهلها، فيما لم يبق أمام المعارضة المسلحة في الأحياء الشرقية من المدينة سوى الصمود فيها والتحضير لمعركة الدفاع عن المدينة، لتصبح كل الخيارات مفتوحة في تلك المنطقة.
وأظهرت الساعات الأولى للهدنة التي أعلنتها روسيا في حلب، أمس الخميس، رفض أهالي المدينة ومقاتلي المعارضة السورية، على حد سواء، الخروج من الأحياء الشرقية، مسقطين محاولة روسيا والنظام السوري لتفريغ المدينة من أهلها وتهجيرهم، في مخطط لا يتعدى كونه مسرحية مكشوفة وفق المعارضة المسلحة، المصرة على الدفاع عن المدينة.
في هذا الوقت، لا تزال مدينة حلب حاضرة في اللقاءات والاجتماعات الدولية، والتي كان آخرها القمة الأوروبية، أمس الخميس، لكن من دون وجود أي تحرك جدي لوقف عملية الإبادة التي تتعرض لها المدينة منذ شهر من قبل الروس ونظام بشار الأسد.

هدنة تمرير الوقت

وبدأت، صباح أمس، الهدنة التي أعلنتها روسيا من طرف واحد في محاولة بدا أنها لن تجد طريقها للنجاح لتهجير من تبقّى من المدنيين في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وإخلاء هذه الأحياء من مقاتلي المعارضة باتجاه محافظة إدلب، غرب حلب. وفيما كان من المقرر أن تكون الهدنة ليوم واحد أمس لمدة 11 ساعة تبدأ في الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي وحتى السابعة مساءً، مع فتح ثمانية ممرات أمام المدنيين والمقاتلين الراغبين بمغادرة الأحياء الشرقية، بحسب التصريحات الروسية، عادت وزارة الدفاع الروسية لتعلن أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر بتمديد الهدنة في مدينة حلب السورية لمدة 24 ساعة إضافية. وقالت الوزارة، في بيان منسوب لوزير الدفاع سيرغي شويغو، إن "الحكومة السورية أيدت هذا القرار"، في إشارة واضحة إلى أن القرار الميداني بات بيد موسكو بشكل واضح.
وكانت "القيادة العامة" لجيش النظام أعلنت عن هدنة لثلاثة أيام منذ 20 حتى 22 الشهر الحالي، داعية مقاتلي المعارضة إلى "ترك السلاح"، مشيرة في منشورات ألقتها حوامات على الأحياء الشرقية من حلب إلى أنها خصصت ستة ممرات لخروج المدنيين، وممرين اثنين للمسلحين. وتضمّنت المنشورات تعليمات "الخروج الآمن"، لمن يرغب بالمغادرة.
في المقابل، أعلن مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند، أن الروس "قالوا (إن الهدنة) 11 ساعة يومياً لمدة أربعة أيام تبدأ من اليوم الخميس"، مضيفاً أمام الصحافيين في جنيف، أمس، أن الأمم المتحدة تأمل في أن تتمكن من إجلاء الدفعة الأولى من الجرحى من الأحياء المحاصرة في شرق حلب، ابتداء من اليوم الجمعة، موضحاً أن الأمم المتحدة حصلت على موافقة روسيا والنظام السوري ومجموعات المعارضة المسلحة.
من جهته، أعلن المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أن وقف القصف جاء استجابة لطلب الأمم المتحدة بإجلاء المحتاجين لرعاية طبية. وقال "الاتفاق واضح. على النصرة أن تعلن استعدادها للمغادرة أو يعلن ذلك آخرون نيابة عنها، وفي الوقت نفسه هناك التزام من الحكومة (السورية) باحترام الإدارة المحلية". وقال دي ميستورا إن هناك على الأرجح ما بين ستة وسبعة آلاف من مقاتلي المعارضة في شرق حلب، معدلاً تقديرات وردت قبل أسبوعين بأن عددهم نحو ثمانية آلاف مقاتل منهم ما يصل إلى 900 من "جبهة فتح الشام"، وذلك بعكس التقديرات التي تحدث عنها تقرير لـ"رويترز" قبل أيام.

المعارضة تتهيأ للمعركة
مقابل ذلك، أكدت مصادر في المعارضة السورية المسلحة أن قوات النظام والمليشيات الحليفة لها عاجزة عن التقدّم على الأرض، لهذا تلجأ إلى تدمير المدينة من الجو، وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين للضغط على المعارضة من أجل الرضوخ للمطالب الروسية. وأشارت إلى أن النظام وروسيا سعيا إلى هذه الهدنة لشعورهما أن الحصار على حلب سيكسر قريباً.
وجددت المعارضة السورية المسلحة رفضها المطلق الخروج من مدينة حلب، مؤكدة أن ما يقوم به نظام الأسد وحليفته روسيا "مسرحية" محكوم عليها مسبقا بالفشل الذريع. وبث ناشطون مقاطع فيديو من معبر بستان القصر داخل المدينة توضح خلوه من أي مدنيين ينوون الخروج من حلب. ونفت حركة "أحرار الشام" ما أوردته وسائل إعلام روسية عن خروج عدد من مقاتليها من حلب إلى إدلب عبر المعابر الروسية. وأكد المتحدث الرسمي باسم الحركة، أحمد قره علي، لـ"العربي الجديد"، أن هذه الأنباء "غير صحيحة".
من جهته، اعتبر المتحدث باسم حركة نور الدين الزنكي الفاعلة في حلب، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الهدنة المزعومة تأتي استكمالاً لحملة القصف التي أدت إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتدمير أجزاء واسعة من المدينة، مشيراً إلى أن ما يجري "مجرد تمثيلية، يصوّر مشاهدها النظام والروس، وإظهار مدنيين مفترضين وهم يخرجون، لتبرير تدمير ما تبقّى من أحياء حلب الشرقية على أنها خالية من المدنيين". وأكد عبد الرزاق أن الثقة معدومة بالنظام وروسيا، مشيراً إلى أنه حتى الأمم المتحدة لا تثق بهما، معتبرا التصريحات الروسية لا تقل "وقاحة" عن الإجرام الذي يقوم به الطيران الروسي في حلب، مضيفاً: "من هم حتى يقرروا تهجير الشعب السوري الثائر ضد ديكتاتور؟".
واعتبر أن ما يجري في حلب "مسرحية"، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي "يعرف ذلك، ويسكت عن قتل شعبنا، وتدمير مدننا"، لافتاً إلى أن "روسيا تنظر إلى كل من ثار ضد نظام الأسد على أنه إرهابي، وتحاول قتل كل المدنيين في المناطق المحررة"، مشدداً على أن فصائل المعارضة السورية لن تخرج من حلب، مضيفاً: "سوف يدافع السوريون عن حلب ولن تدخلها قوات النظام وروسيا وإيران إلا على جثث أبنائها".


وتسيطر المعارضة على أحياء في حلب الشرقية منذ عام 2012، ومنذ ذلك الحين تتعرض هذه الأحياء إلى قصف جوي شبه يومي، كان أقساه حملة البراميل في أواخر عام 2013، والتي أدت إلى نزوح أكثر من مليون حلبي. لتأتي الحملة الروسية المشتركة مع طيران النظام لتزيد من معاناة أكثر من 300 ألف مدني قتل وأصيب منهم على مدى شهر كامل الآلاف، وبدأت تظهر بوادر مأساة انسانية بسبب الحصار، وتدمير أغلب المراكز الصحية، وشبكات المياه.
وباتت مدينة حلب محور تحركات دولية وإقليمية مكثفة خلال الأيام القليلة الماضية، إذ انصبّ الاهتمام على ما يجري فيها من حرب إبادة مكشوفة يقوم بها الروس ونظام الأسد في إصرار للاستفراد بها وإخراج مقاتلي المعارضة منها مع ما تشكله من أهمية استراتيجية كبرى، من أجل تجميع أغلب نقاط القوة بيد النظام السوري لإملاء الشروط على المعارضة في أي تسوية مقبلة، وحسم الصراع لصالح هذا النظام. واكتفت الولايات المتحدة الأميركية بالفرجة على "المذبحة"، وإطلاق التصريحات التي غدت محل سخرية السوريين، إذ تجاوز نظام الأسد، وحليفاه روسيا وإيران كل الخطوط الأميركية الحمراء.

خيارات أوروبية مفتوحة
وحضرت حلب بقوة على طاولة اجتماع قادة دول الاتحاد الأوروبي، أمس الخميس، في بروكسل، مع إعلان رئيس الاتحاد دونالد توسك، أن على الاتحاد أن يبقي جميع الخيارات مفتوحة في التعامل مع روسيا، بما في ذلك فرض عقوبات في حال واصلت موسكو "جرائمها" في مدينة حلب. وأضاف لدى وصوله للمشاركة في قمة قادة الاتحاد، أمس، أن "على الاتحاد الأوروبي أن يبقي جميع الخيارات مفتوحة بما في ذلك فرض عقوبات في حال استمرت الجرائم". من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لدى وصوله للمشاركة في القمة في بروكسل، أن "كل الخيارات مفتوحة" لفرض عقوبات على روسيا حول دورها في سورية. وقال في تصريحات صحافية: "كل الخيارات مفتوحة طالما لا توجد هدنة يتم احترامها في حلب وفي ظل هذه الرغبة بتدمير مدينة حلب، المدينة الشهيدة"، بحسب تعبيره.
وبحسب مشروع خلاصات القمة الذي نشرت وكالة "فرانس برس" نسخة منه، فإن دول الاتحاد الـ28 لا تستبعد فرض عقوبات على "داعمي نظام" بشار الأسد، وتندد بحزم بالاعتداءات ضد المدنيين في حلب التي يشنها "النظام السوري وحلفاؤه، خصوصاً روسيا، وتبدي عزمها على الدعوة "إلى وقف فوري للأعمال العدائية". فيما ذكرت "فرانس برس" أن منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد فيديريكا موغريني، عرضت على دول الاتحاد خطة لفتح "حوار" مع القوى الإقليمية والتمهيد لعملية انتقال سياسي وإعادة البناء في سورية. وجاء في وثيقة عمل وزعتها موغيريني على الدول الـ28 وحصلت وكالة "فرانس برس" على نسخة منها، أنها "تقترح في سياق المجموعة الدولية لدعم سورية بدء حوار مع الشركاء الإقليميين الأساسيين" من أجل مباشرة درس العواقب التي ستترتب عن عملية انتقال سياسي. ويجب أن يشمل هذا الحوار، وفق الوثيقة، السعودية وإيران وتركيا، و"ربما أطرافاً إقليميين لديهم مصلحة مباشرة و/أو نفوذ بالنسبة لمستقبل سورية". كما دعت إلى أن تشمل المحادثات استطلاع ما يمكن لمختلف الأطراف الإقليميين رغم خلافاتهم "القيام به للشروع في التحضير لعمليتي مصالحة ما بعد النزاع وإعادة إعمار ناجحتين في سورية". وشددت الوثيقة على "ضرورة تفادي تفكك سورية إلى دويلات نتيجة الحرب الأهلية، وذلك للسماح بهزيمة داعش والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة السورية مع درجة من المركزية الإدارية إذا أمكن".
وفي إطار التحركات الدولية، تحاول سبعون دولة نقل الملف السوري إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بعدما فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار ينهي قصف النظام وروسيا على مدينة حلب بسبب الفيتو الروسي الذي أجهض مشروع قرار يدعو إلى هدنة، وتسهيل دخول مساعدات، وحظر الطيران فوق حلب. وعقدت الجمعية اجتماعاً غير رسمي، أمس الخميس، لمناقشة الأزمة الإنسانية في سورية. وبحسب السفير الكندي في الأمم المتحدة مارك أندريه بلانشار، والذي تقود بلاده المبادرة، فإن هذا الاجتماع لن يفضي إلى أي تحرك فوري. وقال بلانشار لوكالة "فرانس برس"، إنّ "الوقت حان كي يتأكد العالم أننا نفعل كل ما بوسعنا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولتوفير المساعدة الإنسانية الضرورية بصورة عاجلة"، موضحاً أن المبادرة لعقد هذه الجلسة اتخذت لأن "مجلس الأمن لم يتمكن حتى الآن من إيجاد وسيلة للمضي قدماً"، مضيفاً "لا يجدر التقليل من تأثيرها المحتمل"، مع إقراره في الوقت نفسه بأن "دور الجمعية العامة في هذا الملف محدود".
ولم تجد ألمانيا وفرنسا إلا التلويح بورقة العقوبات الاقتصادية بوجه روسيا عقب اجتماع لم يفض لشيء حقيقي، عُقد الأربعاء، في برلين، وضم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأوضح هولاند خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ميركل، أنّ "كل ما يمكن أن يكون بمثابة تهديد يمكن أن يكون مفيداً"، في حين اعتبرت ميركل أنه "لا يمكننا أن نحرم أنفسنا من هذا الخيار".

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.