بدعوى منع وصول الصواريخ الإيرانية إلى جماعة المتمردين الحوثيين، يفرض التحالف الذي تقوده كل من السعودية والإمارات لدعم الشرعية في البلد الفقير، إجراءات أمنية تدفع الخطوط الملاحية إلى مغادرة الموانئ اليمنية وتحاصر النشاط التجاري في البلد الذي يستورد 90% من احتياجاته.
وأكدت مصادر تجارية لـ "العربي الجديد"، أن إدارة ميناء عدن وبموجب توجيهات من قيادة قوات التحالف في العاصمة المؤقتة للبلاد، أقدمت على قرار ارتجالي يتمثل في وضع قائمة سلع ممنوع استيرادها، بدون تنسيق مع الغرفة التجارية وحتى بدون إبلاغ التجار.
وحسب المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، قرر الميناء منع استيراد بطاريات الطاقة الشمسية، والتي تعتبر مصدراً مهماً يستخدمها اليمنيون لتوليد الطاقة الكهربائية بسبب العجز الكبير في الكهرباء العمومية في مناطق الحكومة، وتوقف خدمة الكهرباء تماماً في مناطق الانقلابيين.
ويشتكي التجار من ممارسات تعسفية تمارس ضدهم من قبل قوات التحالف والقوات المحلية الموالية لها، مما دعا مدراء أهم الشركات الملاحية بعدن والذين يمثلون كبريات الشركات العالمية للحاويات، لعقد اجتماع، الأسبوع الماضي، مع عدد من كبار تجار الاستيراد باليمن وبالتنسيق مع قيادة مؤسسة موانئ خليج عدن الحكومية لمناقشة المصاعب التي يعانون منها.
وأشار رجل الأعمال، خالد عبد الواحد نعمان، المتحدث باسم الاجتماع، إلى جملة من العراقيل منها التأخر في إصدار تصاريح دخول السفن، من قبل التحالف بدون مبررات مقنعة، ومن دون اعتبار لأثرها السلبي على الاقتصاد القومي وسمعة ميناء عـدن.
وقال نعمان، في رسالة استغاثة لرئيس الحكومة اليمنية أحمد بن دغر، اطلعت "العربي الجديد"، على نسخة منها: "لاحظنا في الآونة الأخيرة ازدياد حدة الانتكاسات الاقتصادية من خلال توقف بعض الخطوط المنتظمة لنقل البضائع المتجهة لميناء عـدن وذلك بسبب تأخير إصدار التصاريح من قبل التحالف لأسباب غير معروفة".
وأكد نعمان، أن توقف الخطوط المنتظمة يعني مزيداً من الضغط الاقتصادي على اليمن والخسائر التي ستنعكس آثارها مباشرة على كاهل المواطن اليمني.
وأوضح أنه بسبب هذه التصرفات باتت الخطوط الملاحية تتحمل مبالغ طائلة لبقاء الحاويات منتظرة في مـيناء جدة بهدف تفتيشها من قبل البحرية السعودية، وبعد ذلك تظل السفن عدة أيام خارج ميناء عدن في انتظار إذن الدخول، مما يكبد السفن مبالغ كبيرة من غرامات التأخير لتجد نفسها لا تحقق أي ربح في هذا النشاط وبالتالي تتوقف عن تقديم الخدمة.
وخاطب المتحدث باسم الاجتماع، رئيس الوزراء اليمني قائلاً: "نرفع لكم هذه المذكرة نيابة عن الغرفة التجارية بعدن والشركات الملاحية، لثقتنا بقدرتكم على التخاطب مع قيادة قوات التحالف العربي في الرياض للوقوف أمام هذه التحديات ومعالجتها بصورة سريعة، وما لم تُعالج، ستكون العواقب وخيمة سواء على الاقتصاد القومي أو على سمعة مـيناء عـدن".
وقال تجار يمنيون، لـ "العربي الجديد" إن التأخير في إصدار التصاريح يؤدي إلى إرباك دخول السفن، وأن هذا الوضع قابل للتدهور، في ظل عزوف ملاك السفن عن نقل البضائع للموانئ اليمنية أو المخاطرة ووضع مبالغ تأمين وشروط نقل بحري غاية في التعقيد.
وحسب التجار، يوجد حالياً في منطقة الانتظار لميناء عدن 13 سفينة تنتظر الإذن للدخول، في الوقت الذي يكون لدى الميناء مراسٍ فارغة، ومن تلك السفن سفينة نقل الحاويات "Alrain" التي وصلت بتاريخ 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي ولم يسمح لها بالدخول حتى يوم الثاني من يناير/ كانون الثاني الجاري، وهناك سفينة أخرى وصلت الميناء بتاريخ 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، ولم يُسمح لها بالدخول حتى بداية الشهر الجاري.
وكشفت مصادر ملاحية لـ "العربي الجديد"، أن الخط الملاحي العالمي "APL" يعتزم مغادرة ميناء عدن بشكل نهائي بسبب تصرفات قوات التحالف وتأخير حصول السفن التجارية على التصاريح.
وفي هذا السياق، أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن يوسف سعيد، لـ "العربي الجديد" أن قوات التحالف تفرض حصاراً على كل المنافذ البحرية والجوية اليمنية دون استثناء بما في ذلك تلك التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
وقال سعيد: "إجراءات التحالف غير المبررة أدت الى تراجع النشاط الملاحي في ميناء عدن، وتقلص عدد الشركات الملاحية المتخصصة في نقل الحاويات والمعروفة إقليمياً وعالمياً التي كانت ترتاد البلاد، إلى ثلاث شركات تتخذ أيضاً الإجراءات للتوقف عن استخدام الميناء اليمني".
وأوضح سعيد، أن ناقلات الحاويات مضطرة إلى الانتظار لأكثر من شهر، للحصول على إذن من التحالف للسماح لها بإفراغ حمولتها وهذا يكلفها دفع رسوم إضافية نتيجة لتوقفها في حرم الميناء كل هذه الفترة، وأشار إلى أن القيود التي يفرضها التحالف وتأخيره دخول البواخر الناقلة لميناء عدن وفي الوقت المناسب يرفع من تكلفة النقل.
وأكد الخبير الاقتصادي أن التكلفة الإضافية غير المبررة يتحملها المستورد للبضاعة وفي المحصلة التاجر يحملها للمستهلك النهائي، ما يفسر الارتفاع الجنوني للسلع المستوردة الغذائية وغير الغذائية والتي تشكل نحو 80% من احتياجات البلاد.
وتسببت الحرب، وانعدام الأمن، والانخفاض المتزايد لقيمة الریال اليمني في زيادة أسعار العديد من السلع الغذائية والوقود خلال 2017 ، مما أدى إلى صعوبة الحصول على المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
ومقارنة مع أسعار ما قبل الحرب، زاد متوسط سعر السكر المستورد ما بين 26 إلى 93 %، فيما زاد متوسط سعر دقيق القمح المستورد ما بين 8 و57 % في مدن صنعاء والحديدة، وذمار، وحضرموت، ومحافظتي حجة وتعز، حسب التجّار.
ويستورد اليمن نحو 90% من احتياجاته اليومية من المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز، والوقود الذي وصل مخزونه الآن إلى مستوى حرج بحلول ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حسب تقارير الأمم المتحدة.
وقال مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، منتصف ديسمبر/ كانون الأول: "مع ارتفاع الأسعار بنسبة 40% وارتفاع مستوى الفقر من 45% إلى 80%، يعاني الآن ثلثا الشعب اليمني لتوفير الغذاء".
وأعلن التحالف العربي في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إغلاق كافة المنافذ اليمنية على خلفية إطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا صوب الرياض، قبل أن يتراجع، بعد مرور أسبوع، ويستثني الموانئ والمطارات الخاضعة للحكومة الشرعية من الحظر.