حرية التعبير والإبداع في مصر.. أسوأ عصور القمع

08 يونيو 2017
(أمام نقابة الصحافيين المصريين، تصوير: أحمد إسماعيل/ وكالة الأناضول)
+ الخط -
تتزايد المخاوف بشأن الحق في حرية التعبير في مصر، أولًا باعتبار أن حريّة التعبير بمثابة خطوة لا بد منها لتفعيل المشاركة في الشأن العام والعمل السياسي، وثانيًا لأن القمع المتزايد للمجموعات السياسية ضيّقَ من مساحات العمل العام، حتى بات التعبير عن الرأي فقط أقصى ما يمكن استخدامه للتأثير في الشأن العام. وترفض السلطة الحالية من جانبها الاكتفاء بانسداد الأفق السياسي، الذي أوصلت إليه المجتمع، وتسعى بكل قوّة لغلق أي مساحة ولو كانت محدودة تتيح للمواطنين التعبير عن الرأي.

كانت هذه مقدّمة التقرير ربع السنوي لحالة حرية التعبير في مصر، الذي تصدره مؤسسة حريّة الفكر والتعبير، بهدف رصد الانتهاكات التي طاولت الصحافة والإعلام وحقّ التعبير الرقمي والإبداع والحقوق والحريات الطلابية، وذلك خلال الفترة الممتدة من أول كانون الثاني/ يناير وحتى 31 آذار/ مارس 2017. نورد في هذه المساحة تلخيصًا لأهم ما جاء في التقرير.


انتهاكات وتأميم للإعلام
تمكنت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسّسة حريّة الفكر والتعبير من رصد 56 انتهاكًا لحرية الصحافة والإعلام، من أبرزها اعتقال صحافيين بجريدة البديل على خلفية قيامهما بالتصوير في إحدى مدن القناة. وكانت الحصيلة الأكبر من الانتهاكات تتمثَّل في المنع من أداء العمل والذي بلغ 32 انتهاكًا توزّعت على أنحاء مختلفة من الجمهورية، وكالعادة تصدرت الجهات الأمنية تصنيف جهات المعتدين، في الربع الأول من 2017، بواقع 15 انتهاكًا.

وتعرّضت حرية الصحافة والإعلام إلى انتهاكات ملحوظة من قبل مجلس النوّاب خلال الربع الأول من العام 2017، حيث شهدت الجلسة العامة للبرلمان، في 28 شباط/ فبراير الماضي، هجومًا حادًا في حق مؤسسة الأهرام ورئيس مجلس إدارتها من قِبل رئيس مجلس النوّاب علي عبد العال، وذلك على خلفية الأزمة التي نشبت بين البرلمان ومؤسّسة الأهرام بشأن واقعة فصل النائب محمد أنور السادات.

وتقدم رئيس مجلس النواب بصفته ببلاغ ضد رئيس تحرير جريدة المقال، إبراهيم عيسى، إلا أن نيابة استئناف القاهرة أخلت سبيل عيسى، بعد التحقيق معه في البلاغ والذي يتّهمه فيه رئيس مجلس النواب بإهانة المجلس ورئيسه.

وأكد التقرير أن سعي السلطة التنفيذية لتأميم المشهد الإعلامي والصحافي الخاص والحكومي، يعد واحدًا من أبرز الملامح لحالة حرية الصحافة والإعلام، إذ تستخدم السلطة التنفيذية في سبيل ذلك وسائل مثل: مصادرة أعداد من الصحف، أو الضغط على إدارات قنوات تلفزيونية لوقف برامج ناقدة للسلطة الحالية.


الخوف يسيطر على المبدعين
يشير التقرير إلى أن حالة حرية الإبداع في الربع الأول من العام 2017 أصبحت أكثر تعقيدًا من ذي قبل، فقمع حرية الإبداع خلال العام الماضي، الذي سجل فيه ما يقارب 78 انتهاكًا، مثل رسالة إلى المبدعين للابتعاد عن الشأن السياسي. وهكذا ساهمت الممارسات المقيدة لحرية الإبداع في سيطرة التخوّف والحذر على توجّهات المبدعين وعملهم.

وعلى مستوى الممارسات المتعلقة بالرقابة على الأعمال الإبداعية، قرر جهاز الرقابة العامة على المصنفات الفنية، في 23 شباط/ فبراير الماضي، منع عرض فيلم " 18 يوم" بشكل نهائي، بدعوى أن الفيلم يحتوي على الكثير من الألفاظ النابية، وتعرّض فيلم "آخر أيام المدينة" إلى عوائق من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لمنع عرضه، رغم مشاركته في مهرجانات دولية مرموقة مثل برلين وبافيسي وأيام بيروت.

ويمارس جهاز الرقابة على المصنّفات الفنية سلطته كذلك على الأفلام الأجنبية المعروضة في مصر، حيث الجهاز حذف مشاهد كثيرة من فيلم "silence"، للمخرج مارتن سكورسيزي، بدعوى الحفاظ على التقاليد والأعراف المصرية.

واستمرت النقابات الفنية في منع المبدعين من العمل، وتقييد حريّة الإبداع، وقامت نقابة الموسيقيين بشطب العازف، سيد عشماوي، من عضوية النقابة، بدعوى أن سمعته لم تعد حسنة، كما رفضت نقابة المهن التمثيلية تجديد عضوية الممثل، هشام عبد الحميد.

تشير الانتهاكات التي مارستها الأجهزة الأمنية خلال الربع الأول من العام 2017 إلى استمرار تهديد المبدعين، الذين ينتقدون النظام السياسي، حيث تم حبس الشاعر، غازي سامي، لانتقاده الرئيس عبد الفتاح السيسي في إحدى قصائده، وصادرت إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنفات الفنية خمسة كتب شيعية من معرض القاهرة الدولي للكتاب، معتبرة أن وجود كتب للفكر الشيعي هو جريمة في حد ذاته.


حجب المعلومات مستمر
يقول التقرير إن الغموض ما زال يغلب على سياسات الدولة على مستوى عدد من الملفات التي تؤثّر بشدة على مصالح المواطنين، خاصة ما يتعلق بعلاقات التعاون وإبرام الصفقات الكبرى مع حكومات وشركات غربية، والبرامج الاقتصادية، التي لا يتاح للخبراء أو الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني معلومات وافية لدراستها والنقاش حول جدواها.

وعلى مستوى مكافحة الفساد، لا تزال هناك قيود كبيرة مفروضة على الأجهزة الرقابية تمنع كشف تفاصيل الفساد في الجهات الحكومية للرأي العام. وتمثل التدخلات الأمنية لمنع تداول المعلومات قيدًا إضافيًا خاصة على الإعلام والمجتمع المدني، ويبرز ذلك على مستوى تقصي حقائق الأوضاع في شمال سيناء، في ظل المواجهات المستمرة بين الجيش والجماعات الإرهابية.

ولم يصدر عن الجهاز المركزي للمحاسبات طيلة الربع الأول من العام 2017 أي معلومات جديدة عن تقاريره بشأن الفساد في مؤسسات الدولة، وافتقر الرأي العام إلى تصريحات تصدر عن المركزي للمحاسبات تساعد على مكافحة الفساد والإلمام بمخاطره المختلفة على مصالح المواطنين، بعدما عُزل رئيس الجهاز السابق، المستشار هشام جنينة، من منصبه على خلفية إدلائه بتصريحات إعلامية عن حجم الفساد في مصر.


تراجع نشاط الحركة الطلابية
استمر نشاط الحركة الطلابية بالجامعات في التراجع أكثر وأكثر خلال الربع الأول من العام الجاري، إذ يبدو أن التشريعات التي أقرتها السلطة التنفيذية، خلال السنوات الثلاث الماضية، لتمكين إدارات الجامعات من تطبيق المزيد من العقوبات على الطلاب الناشطين، قد أتت أُكلها.

ورغم ذلك، وجهت حركات طلّابية انتقادات لوزير التعليم العالي، على خلفية قراره بتشكيل لجنة لوضع لائحة مالية وإدارية جديدة لتنظيم عمل الاتحادات الطلابية، حيث تعترض الاتحادات الطلابية على طريقة اختيار أعضاء اللجنة، وطريقة تلقي المقترحات.

ويرتبط قرار تعديل اللائحة المالية والإدارية بقرار آخر اتخذه المجلس الأعلى للجامعات في أواخر العام الماضي، يقضي بتأجيل إجراء الانتخابات الطلابية لحين وضع لائحة جديدة. ويبدو أن السلطة التنفيذية، متمثلة في وزارة التعليم العالي، خشيت من تكرار تجربة الانتخابات الطلابية الأخيرة، والتي استطاع طلاب مستقلّون ومعارضون الفوز فيها بأغلبية المقاعد.

وتراجعت حدة الانتهاكات خلال الربع الأول من العام 2017، بسبب صرامة الإجراءات والقيود على النشاط الطلابي، إلا أنه لم يخلُ من الانتهاكات، فقد تم فصل طالب بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، لمدة فصل دراسي، بعد إحالته للتحقيق في اتهامات بإرسال رسائل إلى عميد الكلية ووكيلها وصفحة الإرشاد بها تتضمّن ألفاظًا جارحة، وتعرّضت طالبة بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية لفصل لمدة شهرين على خلفية تناول مأكولات في قاعة المحاضرات.

المساهمون