من أهم مقتنيات المحارب في صفوف مليشيات الحشد العراقية ذات الصبغة الشيعية، كرار السلطاني، ما دام في مواقع القتال، مستلزمات ثلاثة: أولها الحرز وثانيها الستارة وثالثها صور صغيرة لأحد الأئمة أو المراجع الدينية التي يقلّدها. هذه المقتنيات لا تأخذ حيزاً كبيراً نظراً لصغر حجمها ووزنها. وقد تعرض السلطاني للإصابة في معركة سابقة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في تكريت، شمال العاصمة العراقية بغداد. ويعتقد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لولا تلك الأشياء الثلاثة لما "كتبت" له حياة ثانية.
ليس السلطاني وحده من يتمسك بوجود "مقتنيات" يعتقد أنها تحميه من وقع مكروه، بل إن جميع عناصر المليشيات التي ينتمي إليها، يحملونها معهم. الحال كذلك ينطبق على الجنود الذين يعتقدون بـ"المذهب الجعفري".
والحرز يختلف حجمه ونوعه ومصدره من شخص لآخر، وهو على أنواع مختلفة أيضاً، لكن وزنه لا يتعدى غرامات قليلة، كما أن حجمه صغير وبالإمكان وضعه في الجيب، أو حافظة النقود. بعض أنواع الحرز يكتب بخط يد رجل يُعتقد ببركته، وأنه من أهل الصلاح، وقد تكون الكتابة كناية عن آيات قرآنية، أو أدعية متواترة، أو طلاسم غير مفهومة، أو رسوماً بدلالات معينة، وبعضها توضع معها حصى صغيرة، أو قطعة قماش أو عود شجرة لا يتعدى حجمه إصبع اليد، وأشياء غيرها تمت "مباركتها" من بعض الأشخاص المخولين بممارسة هذه الطقوس.
جعفر رحيم، الذي التحق للتو بمواقع قتالية في مدينة الأنبار، غرب العراق، تنعته أمه بالـ"نَسّاي" في إشارة إلى أنه كثير النسيان. تروي أم جعفر لـ"العربي الجديد" أن ولدها "نسي هذه المرة محفظة نقوده التي فيها كل شيء"، مثل بطاقته الشخصية وهي بطاقة رسمية يتطلب إصدارُها وقتاً وجهداً طويلين، بالإضافة إلى الروتين المعقد في المؤسسات الحكومية المتخصصة بإصدارها. ونسي أيضاً بطاقته الثانية التي تؤكد انتماءه لمليشيا "قوات بدر"، وكذلك نقوده. لكن كلها ليست ذات قيمة إن نسيها، بل الأهم، الذي يعطي محفظته قيمة كبرى يتمثل في "الحرز والستارة".
تضيف أم جعفر: "اتصلتُ به (جعفر) بعد ساعتين من مغادرته البيت. لقد خفت عليه كثيراً أن يحصل له مكروه؛ حين وجدت محفظته تحت سريره. هذا الحرز كتبه سيد عبد الهادي الموسوي (رحمه الله) خصيصاً لولدي جعفر حين كان صغيراً، وسبق أن خرج جعفر سالماً بعد وقوع قذائف قربه في مواجهات مع داعش". لكن جعفر طمأن أمه حين هاتفته، بحسب قولها، مشيرة إلى أن رفيقه عباس الذي عاد إلى أهله في إجازة "أعاره حرزه"، وهو ما جلب الطمأنينة لأم جعفر، على حد تعبيرها.
تلك الأدعية، التي يُنظر إليها باعتبارها تحمل من "البركة" ما يساهم في دفع الضرر، لا تُستخدم فقط من قبل الأفراد، بل توضع وتُعلق في البيوت والمحال والسيارات. وفي مناطق القتال يجلب الجنود "ستائر" و"أحرازاً" خاصة، يتم تعليقها على الآليات العسكرية، من دبابات ومدرعات ومدافع وأسلحة مختلفة.
ويمكن للناظر إلى الصور التي تصل من مناطق القتال في العراق، أن يلاحظ أحياناً وجود قطع قماش خضراء، أو صور صغيرة لأحد "الأئمة". فهي ليست ممنوعة بحسب ما أكده الرائد في وزارة الدفاع، أحمد العبيدي، لافتاً النظر في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن "للمقاتل الحق في ممارسة طقوسه التعبدية والتعبير عن معتقده ما دام لا يضر بالآخرين. نحن بلد متعدد الديانات والمعتقدات، وكل منا يحترم معتقدات الآخر".
ويقول المقاتل في صفوف مليشيات "عصائب أهل الحق"، حسن الجيزاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "شيخاً صالحاً لم يكتف بإعطائي دعاءً كتبه لي لأجل أن يحفظني الله، بل أهداني ستارة جلبها معه من ضريح الإمام الرضا من إيران، وطلب مني أن أربطها على القاذفة حين علم أني أستعمل القاذفة في القتال". يضيف الجيزاني: "منذ أن ربطت الستارة بالقاذفة، قبل نحو عام، وأنا أشعر بصدق كلام مشايخنا وقادتنا بأن معركتنا أبعد من داعش" على حد تعبيره.