حرب العملات وتفاقم الصراع الاقتصادي الأميركي الصيني

17 ابريل 2018
دول كبرى يمكن أان تمارس ضغوطاً على الدولار(Getty)
+ الخط -


استخدمت الحرب الاقتصادية التي يعيشها العالم حالياً العديد من الأدوات، أهمها الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا على وارداتها من الصين ودول أخرى، وردت الصين بنفس الآلية.

لكن ثمة أدوات أخرى عبرت عنها كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، مؤخراً، بقولها إنها ما زالت متفائلة بمستقبل النمو، ولكنها ترى غيوماً قاتمة في سماء الاقتصاد العالمي، بسبب الحماية التجارية والاتجاه لرفع أسعار الفائدة وزيادة مديونية الدول النامية.

وكانت الصين قد أعلنت قبل أسابيع أنها تدرس إمكانية تخفيض عملتها لمواجهة الحرب التجارية التي تستهدف صادراتها، وهو أمر يصدم كثيرين ممن يتعاملون مع الصين في محيط التجارة العالمية، إذ إن هذه القضية مطروحة منذ ما يزيد عن عقد ونصف العقد، ويرى شركاء الصين التجاريون، خاصة أميركا والاتحاد الأوروبي، أن العملة الصينية مقومة بأقل من قيمتها، ويطالبونها برفع قيمة العملة المحلية لكي تتحقق التجارة العادلة.

وإذا كان تقرير الخزانة الأميركية يراقب منذ العام 2016 أداء أكبر شركائها التجاريين، بشأن تصرفاتهم تجاه العملة الأميركية، إذن فإن الأمر مرتبط بتوجه أميركا وليس بمجيء ترامب، فقائمة مراقبة تعاملات الشركاء التجاريين مع أميركا تضم الصين واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وسويسرا، وضمت إليها مؤخراً الهند، ذلك لأن هذه الدول لديها كميات ضخمة من العملة الأميركية، باعتبارها مكوناً رئيساً في احتياطياتها النقدية.

ويمكن لهذه الدول عبر احتياطياتها أن تمارس ضغوطاً على الدولار، بما يؤثر بشكل كبير على الأداء التجاري لأميركا التي تعاني من عجز في ميزانها التجاري البالغ نحو 800 مليار دولار في 2017، وتستحوذ الصين على نصيب الأسد من العجز بنحو 375 مليار دولار.

وتمتلك الصين واليابان أكبر رصيد من الاحتياطي المقوم بالدولار، إذ امتلكت الصين رصيداً يقدر بـ 3.1 تريليونات دولار في نهاية شهر فبراير/ شباط 2018، يليها اليابان بـ 1.2 تريليون دولار.

التاريخ القريب

في الوقت الذي تتوجّس فيه الخزانة الأميركية من التلاعب بعملتها، سبقها من يقرأ تصرفات أميركا وغيرها من الدول الغربية بسعيها إلى هدم ثروة الصين والدول الصاعدة، فقد صدر كتاب قبل الأزمة المالية العالمية لعام 2008، يشير إلى جهود أميركا والغرب لتحويل ثروة الصين والدول الصاعدة إلى ورق ملون بلا قيمة، وقد صدر الكتاب في أميركا تحت عنوان "حرب العملات"، للمؤلف سنوغ هونغبينغ، وهو باحث أميركي من أصل صيني.

المخاوف متبادلة، لكن الصراع يكشف عن عدالة مطالب الدول الصاعدة وبعض الدول المتقدمة، بالبحث عن عملة أو مجموعة عملات لتسوية المعاملات المالية والتجارية الدولية بخلاف الدولار، لما سببته السياسة المالية الأميركية من أضرار للاقتصاد العالمي، إذ يتم تصدير مشاكل أميركا الاقتصادية الداخلية والخارجية لتتحملها بقية دول العالم.

وتصحب مطلب الدول الصاعدة، بضرورة البحث عن عملة بديلة للدولار لتسوية المعاملات الدولية، إعادة النظر في دور المؤسسات المالية الدولية، التي تديرها وتسيطر عليها أميركا وأوروبا، سواء في ما يتعلق بمجالس إداراتها أو السياسات التي تدفع فيها هذه المؤسسات.

وإزاء هذا الصراع متعدد الجوانب حالياً على الصعيد الاقتصادي، هل ستفضي هذه الحرب إلى وجود نظام اقتصادي عالمي جديد يتصف بالعدالة ويعمل على تحقيق مصالح الجميع، فتكون هناك بالفعل تجارة عادلة تحفظ للدول النامية حقها في أسعار تكافئ مجهوداتها في إنتاج وتصدير المواد الأولية، ولا تكون مجرد أسواق لمنتجات الدول المتقدمة.

متطلبات الصراع التجاري

قد يكون المشهد العالمي مجرد صراع بين أميركا والصين، اللتين تملكان نحو 46% من حجم التجارة العالمية، البالغ 16.2 تريليون دولار في العام 2016، لكن هذا الصراع يطاول العديد من الدول، التي لن تقف مكتوفة الأيدي.

وكما تذرعت أميركا باعتبارات الأمن القومي في فرض رسوم جمركية على واردات الصين بـ 50 مليار دولار، بالإضافة إلى فرض نفس الضرائب على بقية الدول في ما يتعلق بمنتجات الصلب والألومنيوم، فإن بقية الدول لديها سلع مهمة وصناعات محلية تواجه منافسة شرسة، وتتحمل خسائر، لذلك ستكون قاعدة المعاملة بالمثل هي السائدة في عالم التجارة الدولية خلال الفترة المقبلة.

ويستلزم الصراع أن يكون استخدام أداة تخفيض قيمة العملة إحدى الأدوات في الصراع التجاري، وخاصة لدى الدول التي لديها قواعد إنتاجية عالية ومرنة يمكنها الاستفادة من انخفاض قيمة العملة، خاصة إذا كانت لديها موارد من النقد الأجنبي من مصادر أخرى تساعدها، كالسياحة والاستثمارات الأجنبية.

وإذا ما تصاعدت حدة استخدام آلية تخفيض العملات المحلية، وشهدنا حرب عملات فعلية على الصعيد التجاري، فسيكون تصرف الدول في الأجل القصير والمتوسط هو التخلص مما لديها من عملات الدول المتصارعة، واستبدال الذهب بها، وهو ما سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة.

ومن الممكن قراءة التصرف الأميركي الصيني في إطار تحجيم تطلعات الصين نحو دورها في الاقتصاد العالمي، خاصة بعد اعتماد اليوان كعملة احتياطي أجنبي لدى العديد من الدول التي استشعرت دور الصين المتزايد في التجارة الدولية، ولذلك تسعى أميركا إلى هدم هذا الدور، لأنه سيكون على حساب الدولار، كما ستواجه الصين السعي الأميركي بخطوات تعضد حضور اليوان في السوق الدولية، فهو أحد مظاهر قوتها الاقتصادية ووجودها كرقم فاعل في خريطة القوى الاقتصادية العالمية.

غيوم قاتمة

رغم أن تصريح مديرة صندوق النقد الدولي يحمل متناقضين، هما التفاؤل والسحب القاتمة، إلا أن الواقع المعيش يؤكد أن سيناريوهات التفاؤل لم تعد واردة بنسبة كبيرة، وعلى ما يبدو فإن الغيوم القاتمة سوف تسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي، خاصة أن القرارات الأميركية تتسم بالسرعة والدخول إلى حيز التنفيذ، وأن آلية التفاوض لم تعد واردة بشكل كبير.
بل إن الصين التي حرصت على تبني آلية الحوار لفض هذا الخلاف مع أميركا، أعلنت مؤخراً أن وقت التفاوض مضى ولم يعد ممكناً، لكن وسط صراع الكبار أين موقع الدول النامية بشكل عام، والدول العربية بشكل خاصة، في خريطة هذا الصراع.

الحقيقة أن دولنا العربية خارج نطاق هذا الصراع، ليس بسبب حسن إدارتها الأزمة، بل بسبب ضعف موقفها ومكانتها الاقتصادية، فهي غير مؤثرة، كما أنها تتفنن في إهدار ما تبقى لها من ثروات في الصراعات البينية، وزيادة الإنفاق على مشتريات السلاح، بينما مواطنو هذه الدول يعانون شظف العيش، ويفقدون الأمل في غد يؤمّنون فيه لأنفسهم ولأولادهم مقومات معيشة كريمة.

قد يكون من إضاعة الوقت السؤال عن دور المؤسسات الاقتصادية والمالية العربية من هذا الصراع، أين دور مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، أو صندوق النقد العربي؟
وسط هذا الصراع لا نملك إلا الانتظار لما سينتهي إليه، نسأل الله أن يكون خيراً.
المساهمون