تتصاعد حالة الغليان الشعبي في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتستمر التحركات السلمية، احتجاجًا على خطة وزير العمل اللبناني، كميل أبو سليمان، بـ"مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية"، بهدف الضغط على الوزارة لاستثناء العمال الفلسطينيين من الخطة.
وأوضحت لجنة المتابعة الفلسطينية، في بيان صحافي اليوم الأربعاء، أن المباحثات التي تجريها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مع الوزير كميل أبو سليمان، بيّنت استمرار تمسّك الأخير بقراراته، ورفضه التراجع عنها بحجة تطبيق قانون العمل، ورفضه استثناء الفلسطينيين، ورفضه تأجيل تطبيق الخطة لمدة ستة أشهر.
وأكد البيان عدم قبول لجنة الحوار اقتراح وزير العمل بتخفيض رسوم إجازات العمل للفلسطينيين بالمقارنة مع الرسوم المفروضة على الجنسيات الأخرى. كما حذّر من الاستجابة لما يشاع عن أن الوزير أبو سليمان تراجع عن قراراته، معتبراً أن الإشاعات هدفها النيل من الحراك الشعبي الفلسطيني.
مخيمات الشمال
شهدت المخيمات في الشمال، في نهر البارد والبداوي، حركة احتجاجات عارمة، وأغلق الأهالي المداخل المؤدية إلى مخيم نهر البارد في الاتجاهات كافة بالسواتر الترابية، وأحرقوا الإطارات. كما أغلقت المحال التجارية وورش البناء، ومؤسسات أونروا أيضاً، وامتنع العمال عن مزاولة أعمالهم، تلبية لدعوة الحراك الشعبي الفلسطيني إلى الإضراب.
وأوضح الناشط الإعلامي أبو صالح موعد، من مخيم نهر البارد "إن ما يحصل في مخيم نهر البارد هو غليان شعبي في وجه قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان، بشأن العمالة الفلسطينية، وإلزامية الحصول على إجازة عمل. ويعتبر أهالي المخيم أن هذا القرار ظالم، ويزيد العبء والمعاناة على الفلسطينيين في لبنان"، معتبراً أن "هذا القرار يأتي في ظل صفقة القرن، ومفاعيلها التي بدأنا نتلمّسها هنا في لبنان، ما يستدعي طرح علامات استفهام عن توقيت القرار في هذه المرحلة الحرجة".
وتابع "ما يقوم به أهالي نهر البارد من اعتصامات، هو رد فعل سلمي وحضاري وعفوي، لأن الجميع يشعر بأن السكين تطاول عنقه، ولهذا فالكل غاضب والكل يحتج". وأكد أن "الاحتجاجات ستتصاعد حتى إلغاء القرار، وتحسين أحوالنا، وإعطائنا الحقوق المدنية والاجتماعية".
مخيمات بيروت
مخيم مار إلياس في بيروت شهد حركات احتجاجية ضد الخطة، وعمد الأهالي إلى الاعتصام السلمي. وعن الاحتجاج، قالت الحاجة هنية عباس، التي ناهزت الـ 105 سنوات من العمر: "إن الفلسطينيين لهم وطن، وهم أصحابه، ولديهم أرض عزيزة، لكن العصابات الصهيونية طردتهم من أرضهم وهجّرتهم".
وتابعت "نحن شعب عمل وكافح من أجل العيش الكريم، ولن نرضى بالهوان"، مضيفة "نطالب الدولة اللبنانية بمعاملتنا معاملة حسنة، ونحن لن نرضى بديلًا عن وطننا، ونحن ضيوف في لبنان، ولكن لنا حق في المعاملة الحسنة".
كما شهد مخيم برج البراجنة في بيروت حالة غضب واستنكار، فأغلق الأهالي مداخل المخيم بالإطارات، ومنعوا إدخال البضائع إلى المخيم.
وقال المسؤول في مخيم برج البراجنة، ديب العطعوط: "منذ ساعات الفجر الأولى بدأ الإضراب الشامل الذي عم مخيم برج البراجنة، حيث تجمّع عدد كبير من الأهالي من كل الأعمار عند مدخل المخيم، من جهة المحامص وصولًا إلى ساحة الدبدوب، وأغلقت المحلات أبوابها تضامنًا مع مطالب شعبنا الفلسطيني اللاجئ في لبنان، وذلك تنديدًا ورفضًا للقوانين والإجراءات التي طاولت ومست حياة اللاجئين الفلسطينيين في رزقهم وقوت عيالهم".
واعتبر أن "خطة وزارة العمل اللبنانية لا يجب أن تشمل الفلسطينيين المقيمين في لبنان. ورغم كل المآسي والآلام والضغوطات التى يعيشها شعبنا في المخيمات، يأتي الحرمان من الحق في العمل تحت حجج تطبيق القانون، بالحصول على إجازة عمل، ليزيد المعاناة مع إقفال مؤسسات ومعامل أصحابها فلسطينيون مقيمون في لبنان".
وتابع "للشعب الفلسطيني مطلب محدد، هو رفضه للقرارات المجحفة بحقه، والمطالبة بإعطاء الفلسطيني اللاجئ في لبنان حقوقه كاملة، وعدم زجه في صراعات داخلية تتزامن وتتماشى مع صفقة القرن، ولا تهدف إلا إلى الفرقة والتباغض، ولا تخدم مصالح الشعبين الفلسطيني واللبناني الشقيقين".
مخيمات الجنوب
وشهد مخيم عين الحلوة، جنوب لبنان، احتجاجات كبيرة مستمرة، لليوم الثاني على التوالي، رفضاً للعنصرية التي تشوب خطة وزير العمل. وأغلقت مداخل المخيم كافة، ولم يسمح للتجار بإدخال بضائعهم إليه، كما أشعلت الإطارات المطاطية، كما أقدم بعض الأهالي على إحراق أثاث منازلهم.
ونتيجة هذه الاعتصامات تأثرت مدينة صيدا إلى حدّ كبير، وتعطلت الحركة الاقتصادية فيها، وتدنت نسبة البيع والشراء في حسبة صيدا (سوق الجملة) إلى النصف تقريبًا.
وفي لقاء أجراه "العربي الجديد" مع التاجر في حسبة صيدا، نزار الحريري، قال: "تأثرنا إلى حدّ كبير، بسبب القرار الذي أصدره الوزير بحق العمال الفلسطينيين، وبسبب إغلاق مداخل المخيم وعدم شراء البضائع من الحسبة، وتدنت نسبة مبيعاتنا إلى النصف، وتقدر نسبة الخسارة بحدود 50 مليون ليرة لبنانية (نحو 33 ألف دولار أميركي) في اليوم، فاعتمادنا هو على بيع البضائع الشعبية لأبناء المخيم".
وأوضح أن "صندوق الحامض الشعبي يقف علينا بـ 13 ألف ليرة لبنانية (8.6 دولارات)، واليوم نبيعه بـ 6 آلاف ليرة (4 دولارات)، وعلى الرغم من ذلك ليس هناك من يشتري، فنسبة البضاعة الشعبية في الحسبة 90 في المائة، مقابل 10 في المائة من بضائع الباب الأول".
وتابع "نقول للمعنيين إلى أين سنصل، فالوضع الاقتصادي سيئ أساساً، وزاد سوءًا عندما واجهوا العمالة السورية، فتدنت نسبة مبيعاتنا، واليوم قضي عليها بسبب القرارات التي اتخذت بحق الفلسطينيين".
وأضاف "نحن احتضنّا الشعب الفلسطيني منذ نكبته، وصرنا عائلة واحدة، ونطالب المعنيين بالتراجع عن هذا القرار. لقد تأثرنا أيضًا بسبب وقف اليد العاملة الفلسطينية، فهم الذين يعملون في الكهرباء والصحية والبناء، وغيرها. اللبناني لا يعمل".
أما مخيمات صور، وبرج الشمالي، والبص، والرشيدية، فقد واصلت إغلاق مداخلها بالسواتر الترابية، ومنعت التجار من الدخول إلى المخيمات، وإدخال بضائعهم.
إلا أن إغلاق مخيم برج الشمالي لم يترافق مع إشعال الإطارات، لما سببه الدخان من ضرر للسكان. وعن هذا قال مدير موقع البص، محمد عبد الرازق: "إن ما دعا إلى الاضراب وإغلاق أبواب المخيمات، وعدم التعامل التجاري والاقتصادي مع الجوار اللبناني، هو القرار المجحف بحق العمال الفلسطينيين في لبنان، وطرد عدد من الموظفين الفلسطينيين من أعمالهم في مدينة صور، ونحن نعمد إلى هذا الإضراب لوقف هذا القرار الجائر، والسماح للفلسطيني بالعمل وحق التملك".
ولفت عبد الرزاق إلى "المخاوف الكبيرة من طرد العمال الفلسطينيين المتبقين، لذلك اتخذنا قرار إغلاق المدخل الرئيس للمخيم والمخرج، وعدم السماح بدخول السلع، أو شراء أية مواد غذائية من خارج المخيم، ولن نتراجع عن الاعتصام حتى يتراجع الوزير عن قراره. فنحن نريد إيصال صوتنا إلى المعنيين في الدولة اللبنانية، فنحن عصب الاقتصاد اللبناني"، لافتاً إلى أن "الخسائر بملايين الدولارات في حسبة مدينة صور".