الوضع في مخيم عين الحلوة محزن، فلا صوت يسمع تقريباً، ومئات المنازل خاوية، والعشرات أصابتها القذائف أو طلقات الرصاص، والكل يترقب إمكانية تجدد الاشتباكات، حتى إن الكلاب والقطط اختفت من الشوارع. استطعنا تصوير بعض المشاهد من بعد، عبر فتحات خلفتها الاشتباكات في الحوائط. من بينها مكان اغتيال اللواء أبو أشرف العرموشي ومرافقيه، في الموقف الذي يضم عشرات السيارات المحروقة.
ما زال شارع الصفصاف مغلقاً بالشوادر، ولم نستطع الدخول إليه، فالاستنفار المسلح هناك ما زال قائماً. توجهنا نحو الشارع التحتاني في المخيم. سرنا بحذر حسب ما طلب منا المرافق حتى لا يسمع صوتنا أو يكتشفنا أحد بينما نقوم بالتصوير، في الشارع التحتاني وجدنا عدداً من كبار السن يجلسون أمام دكاكينهم، وبعض المارة الذين يقصدون شارع بيع الخضار، رغم أن محاله كلها مقفلة، ولا توجد عربة واحدة للبيع، أو باعة ينادون على بضاعتهم كما في السابق.
توجهنا نحو حي حطين الذي دارت فيه أعنف المعارك، لنكتشف حجم الدمار الذي طاول بعض الأبنية والمحال، حتى لم تسلم خمم دجاج يربيها أحدهم ليعتاش منها. في حي حطين، أجرينا بعض المقابلات، لكن عند خروجنا، ومعنا المرافق أبو أحمد، ظهر أحد المقاتلين المسلحين، فأدركنا أن الوضع لا يزال خطيراً. طلب منا أبو أحمد ألا ننظر خلفنا، وأن نخرج من مكان عينه لنا. بعد تحركنا من المكان، قال لنا: "احترق بيتي بالكامل، ولم يعد عندي منزل أعيش فيه مع عائلتي، ولا أعلم من سيعوضني عن بيتي".
وتقول السيدة إسلام يوسف، المقيمة في حي حطين: "عدت إلى بيتي بعد توقف الاشتباكات. أنا متزوجة، وعندي ثلاثة أولاد، وأعيش في بيت بالإيجار، وعندما بدأت الاشتباكات خرجت من بيتي نحو بيت جدي في المخيم، لكن عندما اشتدت الاشتباكات
بالقرب من سوق الخضار، خرجت من بيت جدي، وذهبنا إلى منطقة الفوار بالقرب من مستشفى الهمشري، عند أقارب لنا، وعندما توقف إطلاق النار عدت إلى بيتي الذي تضرر بعد أن طاوله القصف، لكني مضطرة إلى العودة من أجل أطفالي، وعندما خرجت لم آخذ معي شيئاً، لا حليب ولا حفاضات. القذائف والرصاص أصابا الحوائط والزجاج، لكنه بيتي، ولا أريد أن أثقل على أحد".
ويوضح علي محمد شاهين، وهو صاحب محل حدادة إفرنجية في حي حطين: "لي شريك في المحل اسمه ناصر عليان، وكلانا نعتاش منه، ولا ننتمي لأي فصيل سياسي. أعيش مع زوجتي وأولادي، وعندما حصلت الأحداث هربنا من المخيم إلى بيت أختي، ومنزلها مكون من غرفة واحدة، وزوجها يعمل ناطور بناية، وعندما توقفت الاشتباكات عدت إلى المخيم، فوجدت محلي محروقاً، وتقدر خسارتي بنحو 5 آلاف دولار. ذهب تعب سنوات عمري، فهذا المحل افتتحته قبل ثماني سنوات، لكني اليوم خسرت كل شيء، ولا أعلم من سيعوض علينا خسارتنا".
يتابع شاهين: "عدت إلى المخيم كي أحافظ على بيتي بعد أن خسرت محلي، وعائلتي عادت معي إلى البيت. نحن مضطرون إلى العودة لأنه ليس لدينا مكان نذهب إليه. عدنا في ظل عدم استقرار الأوضاع، ولا نعرف بعد ما الذي سيحصل، كما أن القيادة السياسية لم تعطِ ضمانات بالعودة لأي شخص، لكننا مع هذا قررنا أن نعود لأن هنا بيتنا".
ويقول أحمد محمود، من حي حطين: "كنت وزوجتي وأولادي في البيت، وشعرت بأن شيئاً ما يحدث، فطلبت من زوجتي تحضير بعض الأغراض حتى نخرج من المخيم، وسيارتي كانت متوقفة أمام المنزل، وبينما نجهز أغراضنا بدأت الاشتباكات تشتد في أنحاء المخيم، فاضطررنا إلى الخروج سيراً على الأقدام من طريق (الحسبة) الذي يؤدي إلى منطقة درب السيم، ومنها إلى مدينة صيدا، وظلت السيارة أمام المنزل، وعندما عدنا وجدت السيارة متضررة، فقد أصابتها الرصاصات، كما تعرض بيتي لعدد من القذائف".
يواصل محمود: "لسنا حزبيين، ولا نتبع أي فصيل، لكن منازلنا وأملاكنا تعرضت للدمار، حتى إن خزانات المياه لم تسلم من القصف. نحن بحاجة إلى عيش حياة آمنة، فنحن شعب يحق له الحياة، ولا نعرف متى سننتهي هذه المأساة التي نعيشها بسبب البندقية التي صارت مأجورة، ولم تعد موجهة نحو العدو الصهيوني، أو لتحرير فلسطين، بل صارت تتسبب في تدمير البيوت، وإنهاك الشعب المنهك بالأساس، والذي لا يستطيع غالبية أفراده أن يجدوا قوت يومهم. من المؤسف أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من معاناة ودمار. لا نستطيع إدخال حجر للبناء، ونطلب من الدولة اللبنانية السماح بدخول مواد البناء إلى المخيم حتى يستطيع الناس إعادة بناء ما تدمر، لأنه ليس من المنطق أن يتركوا هؤلاء الأشخاص الذين يدمرون، ثم يمنعون إعادة البناء".
وحول التعويضات المحتملة، يؤكد: "لا أظن أن أحداً سوف يعوض على الناس الذين خسروا بيوتهم، لأنه بحسب زعمهم ليس لديهم مال للبناء، لكن المال متوفر دائماً لشراء الأسلحة، ولتدمير بيوت الناس. أعمل في ميكانيك الديزل، وأنا اليوم عاطل من العمل بسبب الأوضاع الأمنية، وعائلتي غادرت إلى بيت أحد أصدقائي في مدينة صيدا".
ويقول محمد المقدح، من حي الطيرة: "لم نعد نشعر بالأمان، وصرنا إذا سمعنا صوت إغلاق باب نشعر كأنه قذيفة، وأنا أعمل في المنطقة وفي الخارج، وبسبب الاشتباكات انقطعت أرزاقنا، كما أنهم حرقوا منازلنا. إذا كان هناك خصمان، فما ذنب الأبرياء؟ ولماذا يخسرون أرزاقهم ومعيشتهم؟ أو يخرجون من بيوتهم؟ من حقنا أن نعيش بأمان، ومن حق أولادنا العيش بأمان. يجب على كل أهالي المخيم عدم مغادرته، وينبغي وقف إطلاق النار، لأن هذا الرصاص لا يصب في مصلحة القضية الفلسطينية. وجودنا مؤقت في لبنان، لكننا نريد أن نبقى صامدين في مخيمنا، وأن تكون كلمتنا حرة".
بدوره، يقول أبو باسل شبايطة، من سكان حي حطين: "أمام مشهد الدمار، كلنا مدعوون للوقوف إلى جوار شعبنا، ومدعوون لحماية الناس، والتضامن معهم. كيف تكون حماية الشعب عبر الدمار والخراب؟ كل خلاف يجب أن يتم حله بالتفاهم، وليس بالسلاح، وكل شعبنا رافض لما يحصل. هل المسؤولون الذين يجلسون في بيوتهم قادرون على تعويض الناس الذين خسروا شقا عمرهم؟ في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب، كيف سيعاود الناس إعادة بناء منازلهم ومحالهم؟ من أين سيعتاش الناس؟ ومن سيعوضهم؟ في جولات الاشتباكات الماضية التي حصلت في المخيم خلال سنوات ماضية، قدمت الوعود للناس بإعادة البناء، لكن تلك الوعود كانت وما زالت كاذبة".
ويروي محمد صالح دحابري، المقيم في حي حطين: "تدمرت ثلاثة بيوت لي ولأولادي. كل بضع سنوات يقومون بالشيء ذاته، ويعملون على تهجير الناس بعد تدمير بيوتهم، ولا يعوضون حتى ثمن خزان الماء. هذه البناية فيها أربعة طوابق، أعيش فيها مع أولادي، وأولادي غادروا إلى بيروت عند ابنتي".
يضيف: "في معارك سابقة، جرى تدمير بيوتي، وعندما أعدت البناء قمت بتقوية الأعمدة، لكن لا شيء ينفع مع قوة الأسلحة التي استخدمت أثناء المعارك. أمتلك محل ميكانيك منذ 40 سنة. راح المحل، وفيه راح كل ما أملك. حي حطين اسمه الشعبي حي الدحابري، وهذا المحل الذي احترق بأكمله لي، والمحال التي بقربي لجيراني وأخوتي. المنطقة تم تدميرها بالكامل. أعمل منذ 30 سنة على تجهيز هذا المحل، وعندي ستة أولاد جميعهم متزوجون ويعملون معي فيه، وجميعنا نعتاش منه. خسارتي تقارب مائة ألف دولار. تدمر المحل، وتدمرت معه ست عوائل كانت تعتاش منه، ومعظم مناطق المخيم شهدت دماراً كبيراً، والنساء والأطفال ينامون في الشوارع، وفي الجوامع. من قام بهذه الاشتباكات ليس عنده ذرة إنسانية، حتى خزانات المياه لم يرحموها، وكي أستطيع غسل وجهي، اضطررت إلى شراء زجاجة مياه صغيرة بـ 20 ألف ليرة لبنانية. إذا لم يعوضوا علينا خسارتنا فسنغلق الطريق بعد انتهاء الاشتباكات".
بدوره، يقول أبو أحمد الدحابري: "عندي في المنطقة محل لبيع البلاستيك والحديد، كما كان عندي 100 دجاجة أعتاش من بيع بيضها، وأغلبها مات بعد سقوط قذيفة استهدفت الخم، وبقية الدجاجات تركتها تهرب، كما أن ابن أخي عنده عربة لبيع الخضروات، يعمل من الصبح حتى الظهر ليعتاش، وأيضاً احترقت عربته. خلفت الاشتباكات أضراراً كبيرة بأرزاق الناس".