مع تسلمها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي مطلع الشهر الحالي، يبدو أن برلين تنوي السير بخطى سريعة لتحقيق الإنجازات والتوافقات على الملفات العالقة بين دول التكتل، بينها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وذلك بعد أن تحدثت المستشارة أنجيلا ميركل، أمس الأربعاء في خطاب، أولويات الرئاسة الألمانية حتى نهاية عام 2020.
وتحاول ميركل تكثيف اتصالاتها مع المعنيين، حيث من المقرر أن تلتقي، مساء اليوم الخميس، مارك روته، رئيس وزراء هولندا، إحدى الدول الأربع المعترضة على خطة التحفيز الاقتصادي للتخفيف من عواقب كورونا على دول التكتل.
والتباين يشمل أيضا كلا من الدنمارك والسويد والنمسا، التي تطالب بدورها بتقديم الأموال على شكل قروض مع ربطها بإصلاحات اقتصادية، وليس كمنح من قبل المفوضية الأوروبية لصناديق الدول.
وبحسب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، فإن ميركل ستناقش مع روته أولويات الرئاسة الألمانية للاتحاد.
ومن المرجح أن ينصب التركيز على الاستعدادات لقمة الاتحاد الأوروبي التي ستعقد يومي 17 و18 يوليو/ تموز، والبحث في إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن حزمة مالية تقدر بحوالي 1,7 مليار يورو حتى العام 2027، هذا عدا عن القضايا الثنائية والدولية.
وفي السياق، ناشد ألكسندر دوبراندت، رئيس كتلة الحزب الاجتماعي المسيحي، الحزب الشقيق الأصغر لحزب ميركل والشريك في الائتلاف الحاكم، في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية، رئيس الوزراء الهولندي بأن تعيد بلاده التفكير في قرارها الرافض لطرح الاتحاد الأوروبي بخصوص الدعم الاقتصادي لمواجهة تبعات كورونا.
ميركل: أزمة كورونا الحالية وضعت الاتحاد الأوروبي في وضع استثنائي وفريد من نوعه في تاريخه، وعلينا التوصل لاتفاق حول القضايا المالية هذا الصيف، وعدم تضييع الوقت، لأن الأضعف فقط هو من سيعاني
وأوضح دوبراندت أن "علينا أن ننظر في جميع أنحاء أوروبا لضمان نجاحنا الاقتصادي مرة أخرى. علينا أن نتأكد أننا نخلق نموا في جميع أنحاء القارة الأوروبية من جديد"، ومبديا ثقة نسبية بأن الدول الأربع المعترضة لن تتهرب من هذا المنطق، ودون أن ينفي أهمية معرفة كيف سيتم التعامل مع هذه المساعدات.
وأكد أن "الحرص يجب أن يكون في ضمان عدم سد الثغرات الموجودة في ميزانيات البلدان المستفيدة من هذه الأموال، ومن أن يتم استثمارها في الأبحاث والتطوير والتجديد والوظائف والتكنولوجيا المستقبلية".
وأشارت ميركل إلى مواقف شبيهة بموقف دوبراندت في كلمتها أمس، عندما اعتبرت أن "أزمة كورونا الحالية وضعت الاتحاد الأوروبي في وضع استثنائي وفريد من نوعه في تاريخه"، وحثت على "التوصل لاتفاق حول القضايا المالية هذا الصيف، وعدم تضييع الوقت، لأن الأضعف فقط هو من سيعاني".
واعترفت المستشارة الألمانية، في الوقت نفسه، بأن الاتفاق على مخطط التعافي الأوروبي يتطلب الكثير من الاستعداد لتقديم تنازلات من جميع الأطراف، و"مساعدة البلدان المتضررة بشكل خاص من أزمة كورونا تخدم جميع المصالح، فلنعرب عن قناعتنا بأن جميع دول الاتحاد مستعدة لتضامن استثنائي في هذه الأزمة، وفي مقدمتهم ألمانيا".
وأشارت ميركل إلى أن "برلين ستركز أيضا على مكافحة الشعبوية، وإظهار حدودها"، ومحذرة من أن "وباء كورونا لا يمكن مكافحته بالأكاذيب والتضليل، مثلما هو الحال مع الكراهية والإثارة، هذا عدا عن تأكيدها العمل على موضوعات أخرى، مثل الرقمنة وحماية المناخ وأزمة اللجوء".
ميركل: برلين ستركز أيضا على مكافحة الشعبوية، وإظهار حدودها (..) فوباء كورونا لا يمكن مكافحته بالأكاذيب والتضليل، مثلما هو الحال مع الكراهية والإثارة
وحول فحوى التوافق على خطة التعافي الاقتصادي، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة البندقية جان زينولكا، في مقال نشرته "دي تسايت" أخيرا، أن "الحد الأدنى من الإجماع يضر أوروبا، والحديث عن تسوية ستعمق تقسيم الاتحاد الأوروبي، وهو الذي يتخذ قراراته المهمة بالإجماع، وبالتالي فإن عددا من دوله مضطرة لتقديم التنازلات غير المريحة، ومن الطبيعي أن يؤدي البحث المحتوم عن القاسم الأدنى المشترك إلى حلول غير مناسبة للمشكلات الناشئة، والإجماع على حل وسط يكون عادة لإرضاء ناخبيهم المختلفين".
وأضاف زينولكا: "في اعتقاد المرء أن هذه الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية بالضبط، لكن في النهاية الديمقراطية التي لا تحل المشاكل لا تقدم الكثير لمساعدة الناس"، ومبرزا أن "المحاولات الكثيرة للحصول على الدعم لا تكفي لمعالجة المشكلات الحقيقية، فالمنح الصغيرة لا تكفي لتحفيز النشاط الاقتصادي للبلدان التي تحتاج إلى قدر أكبر من الدعم، وستظهر العيوب وأوجه القصور في أوقات لاحقة، مع استمرار الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا، الذي سيرهق الشركات الكبيرة والصغيرة، وسيتم الاستغناء عن العمال والموظفين وتنتشر البطالة، لأن صندوق الإنقاذ سيكون قادرا فقط على استيعاب جزء من هذا الضرر، لا سيما في البلدان الاكثر تضررا".
وأشار المتحدث ذاته إلى مخاوف من استغلال الشعبويين المناهضين للاتحاد الأوروبي فيما بعد لأوجه القصور في خطة الإنقاذ، وحينها "سيقع العديد من الزعماء الأوروبيين ضحية هذه التسويات، مثل جوزيبي كونتي في إيطاليا، وبيدرو سانشيز في إسبانيا، وأنطونيو كوستا في البرتغال، وعندها يتعين على الحكومات في وسط وشمال أوروبا أن تعترف بأن الأموال المستثمرة لم يكن لها التأثير المأمول لتحفيز الإصلاحات الضرورية، فيما في شرق أوروبا سيستمر الشعبويون الموجودون في السلطة في الاستفادة من أموال الاتحاد الأوروبي".