حتى لا يطلع العفريت

20 يوليو 2016
من يخف من العفريت يطلع له (ميكال سيزيك/فرانس برس)
+ الخط -
هناك أشخاص يجدون كلّ شيء صعباً في طريقهم، مهما كان سهلاً بالنسبة إلى الآخرين. ليس الكلام هنا عن أمور صعبة للغاية ويتفق معظم الناس على صعوبتها، بينما يجدها البعض في منتهى السهولة. ليس الحديث عن درس صعب وجاف جداً في علم الاقتصاد، تجد أحدهم يتلاعب بعناصره الكمّية والنوعية ويقلب النظريات إلى أمثلة واقعية معاشة، ويفسرها بمزاج من يجد لذة في الشيء، ولذة مضاعفة في معرفة شيء لا يعرفه غيره.

ليس الحديث عن ذلك، بل على العكس تماماً، عن أمور سهلة جداً لا تعدو كونها اعتيادية وتلقائية بالنسبة لمعظم الناس، ومع ذلك هي بالنسبة إلى هؤلاء من أصعب الأمور.

من الدراسة إلى العمل، فالعلاقات العائلية والاجتماعية والغرامية... حتى انسجامهم مع مجتمعهم وامتثالهم للقوانين، وصولاً إلى الحياة نفسها. هناك عقبات في كلّ شيء؛ منها ما يكون طبيعياً، ومنها ما يوضع وضعاً في طريقهم، فكأنّهم مغناطيس يجتذب المصائب والمآسي والملمّات.

البعض يفسّر الأمر بالحظ العاثر الذي يفاجئ العثرات نفسها بقدرته المذهلة على الإتيان بكلّ ما هو عجيب في هذا المقام. ولعلّ الأبيات الشهيرة -المكسورة الوزن- تعبّر أفضل تعبير عن ذلك:
إنَّ حظّي كدقيقٍ فوقَ شوكٍ نثروهْ
ثمّ قالوا لحفاةٍ يوم ريحٍ: اجمعوهْ
لمّا صعبَ الأمر عليهم قلتُ قومي: اتركوهْ
إنّ من أشقاه ربّي كيف أنتم تسعدوهْ!؟

من الواضح أنّ الأبيات نفسها تردّ سوء الحظ إلى القدرة السماوية كذلك، فالأمر لا يعدو كونه تعبيراً عن الشقاء والابتلاء. وطالما دخلنا في هذا المقام الغيبي، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ البعض يؤمن بـ"الأعمال" السحرية التي تستهدف شخصاً وتعرقل كلّ أموره، ولا بدّ من "حلّ المربوط" عندها. كما يؤمن آخرون بأنّ ذلك الشخص منذور ولم يوفَ نذره، ولا بدّ من إيفاء النذر (مهما كان نوعه وإلى أيّ مقام أو وليّ صالح كان) كي يذهب النحس عنه.

لكن، هناك اتجاه ثانٍ يعتبر أنّنا نجرّ على أنفسنا مثل هذا النحس، خصوصاً لجهة تعاملنا مع الأمور بتشاؤم دائم يهيئ الفرصة لأيّة مصيبة، بل يفرش في طريقها السجاد ويتعجلها ما أمكنه. فكما ينصح القول المنسوب إلى الحديث النبوي: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، ينصح المثل الشعبي: "لا تنم بين القبور ولا تشوف (ترى) منامات وحشة (سيئة)". ويتندر غيره: "من يخف من العفريت يطلع له".

لكنّها فعلاً كذلك، فبالنسبة للبعض أسهل الأمور صعب للغاية. وطالما أنّ البقاء في دائرة الإنتاج حتمي، فما خارجها خارج الحياة نفسها، لا بدّ لـ"المنحوس" نفسه من تغيير نظرته إلى الأمور، لعلّ ذلك الاتجاه الثاني يصدق، فيتحرر ممّا لحقه من نحس وقبور وعفاريت.

دلالات
المساهمون