حتى تضع الحرب أوزارها

04 مارس 2015
المصالح تحكم الفعل ورد الفعل (Getty)
+ الخط -

لا أعلم على وجه الدقة ما الذي دار في عقل "ستيفين هيكس" قبل أن يقدم على ذبح ثلاثة من طلاب جامعة نورث كارولينا، وما السبب الذي دفعه إلى ذلك، ربما لنقاش دار بينهم في وقت سابق، أو ربما لمظاهر التدين على هيئتهم، فكانوا هدفا صب فيه غضبه على الدين.

ذكر في عدد من وسائل الإعلام أن "هيكس" ملحد كاره للأديان يقضي وقته على مواقع التواصل الاجتماعي في الهجوم على الأديان جميعا خاصة الدين الإسلامي، يرى أن تعاليم الدين الإسلامي تحض على الكراهية وتدعم التطرف وتزرع الإرهاب، بالطبع شعر براحة نفسية كبيرة بعد قتلهم فقد أدى دوره في الحرب على الإرهاب بعمليته الإرهابية.

لم يهتم الإعلام العالمي بالحادثة ولم يحفل بها، كما لم يدع "أوباما" قادة العالم إلى مسيرة للحرب على الإرهاب، فنموذج الإرهابي في هذه الحالة هو نموذج المواطن الأميركي المثال، العيب الوحيد في صناعته هنا أنه قرر أن يحارب الإرهاب بنفسه ولم يفوض حكومته ويدفع ضرائبه بنفس مطمئنة حتى تقوم بالعملية نيابة عنه، فتمارس الحكومة الأميركية إرهابها وتقتل المدنيين والأطفال باسم الحرب على الإرهاب.

اختار تنظيم الدولة الإرهابي من يحمل رسالته إلى إيطاليا ومصر باعتبارهم أكثر الداعمين لخليفة حفتر، فاختاروا أقباط مصر ليذبحوا على الشاطئ المواجه لروما، ثم تحدث متحدثهم بلغة إنجليزية سليمة عن عودة كاميليا ووفاء المختطفات لدى الكنيسة.

بعد إعلان الحداد وخطاب التهديد والوعيد من عبد الفتاح السيسي، انطلقت الطائرات المقاتلة المصرية لتقصف مدينة "درنة" أقوى معاقل تنظيم الدولة في ليبيا، وأعلن الجيش المصري أن العملية في إطار الرد على فيديو ذبح المصريين.

لم تتحرك الطائرات المصرية أبدا إلى نفس الساحل لنجدة نفس العدد من الشباب الذي تذبحه مراكب الهجرة غير الشرعية وتلقيه في البحر، أو إلى الاستاد لنجدة المشجعين من غاز الداخلية، تحركت فقط إلى ليبيا.

أعلنت الولايات المتحدة الحرب على إرهاب داعش في العراق، فخطب الرئيس وتم تشكيل تحالف دولي ورصد مليارات الدولارات، بسبب مقتل صحافي أميركي واحد، ولكن العجيب أنها لم تتحرك عندما قتل نفس التنظيم في ليبيا السفير الأميركي وثلاثة من موظفي السفارة، واكتفت باختطاف بعض المتهمين بتنفيذ الهجوم.

لم يحدث أبدا أن دخلت الممالك والإمبراطوريات في حروب من أجل دم سقط أو حرمة انتهكت، ولكن الحروب تقوم إذا ما هددت سيادة السادة ومصالحهم.

تمنيت أن يقوم جيش مصري بقيادة وطنية وشرعية بالحرب على الإرهاب، وتخليص المنطقة من أذاه بغطاء شعبي ودعم سياسي ويقدم تجربة في الوطنية والانتماء، ولكن الحقيقة أن المصالح تحكم الفعل ورد الفعل، وسيقتل أضعاف عدد ضحايا فيديو طرابلس في حرب الجيش المصري مع تنظيم الدولة في ليبيا، ولن تهتم الدولة وإعلامها سوى بمزيد من الحرب والدم، لتبقى أموال الخليج تتدفق عليها.

تعلمنا من دروس التاريخ أن الحاكم بغير شرعية مستمدة من محكوميه، يظل طوال فترة حكمه يبحث عن شرعيته المفقودة فيقتل المعارضين ويعتقل المختلفين ويمسخ العقول ويسمم الأفكار، فلا يجد لنفسه شرعية في الداخل، فيخرج إلى العالم "يرمي بلاه" فيخاصم ويتصالح ويتحالف ويبحث عن دور فلا يجد شرعية في الخارج، فيتوضأ ويصلي ركعتين ويعلن الحرب.


(مصر)

المساهمون